تجوع الحرة ولا تأكل ب«….»، مثل عربى صحيح ويستحق أن نؤمن به جميعًا، لذلك أنا ضد أن تقترض مصر دولارًا واحدًا من أى جهة كانت دولية أو عربية أو حتى داخلية، فنحن فى زمن لا يقف فيه أحد جنب أحد.. لوجه الله أبدًا. ولكن «جميع» الاقتصاديين يجمعون على أن الوضع الاقتصادى أصبح فى أسوأ حالاته، وأن الاقتصاد المصرى على شفا هاوية يجب إنقاذه من السقوط فيها، ولا يدرى أحد ماذا يحدث للدول بعد السقوط.. كفانا الله وكفى مصر شره. وشئنا أم أبينا، وافقنا أو اعترضنا، حلّلنا أو حرَّمنا، فقد طلبت مصر رسميًا من خلال الرئيس المنتخب، من صندوق النكد الأزلى، المعروف خطأً بصندوق النقد الدولى أن يقرضها 4.8 مليارات دولار (حوالى 29.5 مليار جنيه مصرى)، بفائدة «قد» تتراوح بين 1.1% إلى 2%.. وفور تقديم طلب القرض ظهرت ردود فعل متباينة سيكون لها آثارها السياسية فى الفترة القصيرة القادمة، وأهمها اعتراض التيار السلفى فورًا لاعتبارهم مبدأ الاقتراض من الصندوق مخالفًا لشرع الله باعتباره «ربًا» فاحشاً، لا يجوز الحصول عليه، ولا مجال ل«مواءمته» مع الشريعة الإسلامية بأى حال من الأحوال، ولم تفلح آراء علماء «الإخوان» مثل د. حلمى الجزار، ود.محمود عامر، وغيرهما التى تنفى «الربا» عن مثل هذه القروض، فى تغيير وجهة النظر السلفية، وبالتالى سيؤثر الخلاف جذرياً فى التحالف السياسى المنطقى بين تيارى الإخوان والسلف، دون الدخول فى جدل «شرعى» حول «ماهية» الربا، ليس هنا مكانه بالتأكيد. هذه واحدة.. والأخرى أن القوى السياسية المعارضة للإخوان وجدت فى طلب القرض فرصة ذهبية للتشكيك فى كل وعود «النهضة» التى تبناها برنامج خيرت الشاطر، وورثها الرئيس المنتخب د. محمد مرسى، مؤكدين أن برنامج النهضة لم يتضمن اقتراض 30 مليار جنيه، وإنما احتوى على وعود وعهود وكلام جميل «ما نقدرش نقول حاجة عنه»، وبالتالى سيكون موضوع «القرض» هو «حصان طروادة» المعارضة خلال الشهور المقبلة. أما الثالثة.. فبافتراض موافقة صندوق «النكد» الدولى على القرض، يعلم القاصى والدانى أن شروط الصندوق صارمة، وأنه مثل أى مقرض أو مصرف أو مرابى - سمها ما شئت حسب قناعتك – يجب أن يضمن عودة أمواله، لذلك عادة ما يطلب «حزمة» إصلاحات صارمة، دائمًا ما يدفع ثمنها الفقراء بسبب وجود «ثأر» تاريخى، وبغضاء أزلية بين صندوق «النكد» و«الدعم»، فأول شروط الصندوق دائماً ما تكون: «رفع» الدعم، وترشيد «التوظيف» الحكومى، والأولى سبق وأطاحت بحكومات، أما الثانية فقامت الحكومات المتعاقبة خلال الشهور ال 18 الأخيرة بالتوسع فيها كما لم يحدث من قبل! وأخيرًا، وبغض النظر أيضًا عن أى خلافات فقهية حول «شرعية» الاقتراض من الصندوق، فإن الاقتصاديين اختلفوا حول مضار ومنافع الاقتراض، بعضهم يؤكد أن موافقة صندوق «النكد» على القرض لها آثار إيجابية تتلخص فى الحفاظ على سعر صرف الجنيه المصرى من التراجع، ودعم الاحتياطى النقدى الذى تراجع من 36 مليار دولار إلى أقل من 14 مليارًا، وتحسين تصنيف مصر الائتمانى الذى تدهور إلى مستوى غير مسبوق، ومعالجة العجز فى الموازنة، والقدرة على الاستمرار فى دفع رواتب موظفى الدولة. أما المعارضون فيؤكدون أن الالتزام بشروط صندوق «النكد» سيزيد الفجوة بين الفقراء والأكثر فقرًا نتيجة إلغاء الدعم، وسيعطى فرصة للتدخل فى شئوننا الداخلية، وربما ينتهى بحصول «الصندوق» على إيرادات قناة السويس! بصراحة.. وبعد كل ذلك أجد نفسى مازلت ضد الاقتراض من الصندوق، وفجأة تذكرت وعود بعض الدول الشقيقة والصديقة بضخ المليارات والدفع بالاستثمارات لإنعاش الاقتصاد المصرى على طريقة «القرض الحسن»، فهمس لى شيطانى - قاتله الله - «حسن ده يبقى جوز خالتك» - أنت فاكر مصر اليونان ولا البرتغال ولا قبرص ولا إيطاليا عشان شقيقاتها وإخوانها يقفوا جنبها، ويدعموها بمئات المليارات؟.. ولم أجد ما أرد عليه سوى «أعوذ بالله من الدَّين فهو همّ بالنهار.. وغمّ بالليل». وحفظ الله مصر وشعبها من كل سوء. [email protected]