لا يجب أن يتصور أحد أن فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ضد تجديد الخطاب الديني، ولا أن هناك خلافا مكتوما بينه وبين رئيس الجمهورية بشأنه. هناك إعلاميون يقفزون بهذا التصور إلى الخطوط الأمامية بانتقادات غير مبررة لفضيلة الشيخ.. إذا تكلم، وإذا صمت، وإذا دخل المستشفى للعلاج من وعكة صحية طارئة. إذا دافع عن السنة النبوية الشريفة ضد منكريها الذين يدعون إلى الاكتفاء بالقرآن الكريم، يشن الهجوم عليه بزعم أنه معطل للتجديد، رغم أن كلامه واضح جدا لا يحتمل هذا التأويل. في كلمته الأخيرة في احتفال المولد النبوي، وبعد كلمة الرئيس السيسي التي دعا فيها مجددا إلى تجديد الخطاب الديني، تحدث شيخ الأزهر عن منكري السنة وقال "هذه الصيحات التي دأبت على التشكيك في قيمة السنة النبوية وفي ثبوتها وحجيتها، والطعن في رواتها من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم، والمطالبة باستبعاد السنة جملة وتفصيلا من دائرة التشريع والأحكام، والاعتماد على القرآن الكريم فحسب، في كل ما نأتي وما ندع من عبادات ومعاملات، وما لم نجده منصوصا عليه في القرآن فإن المسلمين فيه أحرار من قيود التحريم أو الوجوب". لا يحتمل كلامه اللغط الذي أثاره إعلاميون ومثقفون وبعض أهل النخبة، اعتقادا منهم أن تجديد الخطاب الديني هو احراق كتب التراث والتخلص من كتب الأئمة الأربعة أو الكتب التي تدور في مذاهبهم، وكذلك كتب الصحاح وهي صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن النسائي وسنن أبي داود وسنن الترمذي وسنن ابن ماجة، وإن كانوا يركزون أكثر على كتاب صحيح البخاري لأنه المشتهر عند هؤلاء الإعلاميين الذين لم يقرأوا أي كتاب من تلك الكتب، ولا يمكنهم تقديم أي دليل على أن صحيح البخاري بما يشتمله من أحاديث نبوية هو الخطاب الديني الذي ينبغي تجديده أو تنقيته! هم يفهمون "التجديد" التي تبدي الدولة رغبة متواصلة فيه عن طريق إصرار رأسها عليه، على أنه التخلص من تلك الكتب وغيرها من كتب المفسرين والمجتهدين الذين أفنى أصحابها سنين عمرهم بحثا عن الحقيقة وتنقيتها عما يكون قد لحق بها. الإعلاميون – وأنا منهم – ليسوا مؤهلين لهكذا قضايا تحتاج العمق والبحث والدراسة والقراءة والعمل المتواصل، ولا يجب أن يدفعنا "إظهار الولاء" إلى تبني فرضيات خاطئة من نوعية أن شيخ الأزهر هو العقبة الكبيرة أمام تجديد الخطاب الديني بدفاعه عن السنة المطهرة ضد منكريها، الذين منهم حسب قوله في خطبته الأخيرة بحضور رئيس الجمهورية "من أداه اجتهاد إلى إنكار الأحاديث النبوية ما كان منها متواترا وما كان غير متواتر، وزعم أن السنة ليست لها أية قيمة تشريعية في الإسلام، وأن القرآن وحده هو مصدر التشريع ولا مصدر سواه، ضاربا عرض الحائط بما أجمع عليه المسلمون من ضرورة بقاء السنة إلى جوار القرآن جنبا إلى جنب، وإلا ضاع ثلاثة أرباع الدين". ركز هؤلاء الإعلاميين والمثقفين على الكلمات الأخيرة في الجزئية السابقة "وإلا ضاع ثلاثة أرباع الدين الدين" وهاجموا الشيخ على اعتبار أنه يقول إن القرآن الكريم هو ربع الإسلام. هم لا يفهمون قطعا أهمية هذه الجزئية التي رغم أن فضيلة الإمام الأكبر ضرب لها فورا مثلا بركن الصلاة الثابتة في القرآن ولكن لا توجد آية واحدة يتبين منها المسلم كيفية الصلوات الخمس ولا عدد ركعاتها وسجداتها وهيئاتها من أول تكبيرة الإحرام إلى التسليم من التشهد الأخير. تفاصيل – كما قال الإمام الأكبر – لا يمكن تبينها ومعرفتها إلا من السنة النبوية. اعتبروا ما قال الشيخ، مواجهة مباشرة بينه وبين الرئيس. يعتقدون أن تجديد الخطاب الديني لابد أن يهدم السنة النبوية ويسير على درب افتراءات وتأويلات الداعين للاكتفاء بالقرآن الكريم. استبعد تماما أن الرئيس السيسي يقصد ما توصل إليه بعض الإعلاميين والمثقفين الذين يهاجمون الدكتور أحمد الطيب. ويقينا تعرف "الدولة" أن الدستور يحصن منصب شيخ الأزهر واستقلاله عن أي إرادة سياسية أو تنفيذية، ويحميه من الإقالة، وهذا ما أعاد له وقاره وتقديره ومكانته في العالم الإسلامي. ولا اعتقد مطلقا أن "الدولة" يمكنها أن تفكر ولو لدقيقة واحدة في تغيير ما جرى عليه الاستقرار دستوريا رغم دعوات شاذة تخرج من البعض في موسم الهجوم على شيخ الأزهر الذي يتجدد كل فترة للأسف الشديد. [email protected]