ما أن ينتصف شهر رمضان حتى تبادر عشرات الأسر المصرية إلى شراء كميات ضخمة من الدقيق والزيوت ولوازم إنتاج الكعك والبسكويت. ولا يمر الأسبوع الأخير من الشهر الكريم إلا وتخرج من غالبية البيوت المصرية "صاجات" عجين الكعك، في طريقها إلى الأفران، في مشهد يثير شهية المصريين، وينبئ الصغار بأن العيد اقترب. ومع أن قرابة 100 من شركات الحلويات والمخبوزات الكبرى، فضلا عن آلاف المخابز الصغيرة، صارت تنتج وتبيع الكعك بكافة أنواعه، فلا تزال عادة صناعة الكعك في منازل المصريين ضرورة و"عادة"، تحرص عليها غالبية الأسر، خاصة في الأحياء الشعبية، رغم أنها صارت ترهق ميزانية غالبية الأسر وتكلفها الكثير من المال، في وقت هي ما أحوج ما تكون إليه لسد أبواب صرف أخرى. وتشارك الحكومة المصرية في نشر هذه العادة، من خلال قيام الوزارات المختلفة بشراء وتوزيع علب الكعك، على كبار الموظفين، أو على جميع العاملين، سواء داخل مقار الوزارات، أو بإعطاء الموظفين كوبونات مجانية للشراء من محال صنع الكعك، فيما تقوم وزارة التموين بإنتاج الكعك بنفسها، عبر الشركات الغذائية التابعة لها، وذلك بأسعار مخفضة نسبيا، فيما يلجأ الأثرياء غالبا للشراء من أفخر المحال، التي تبيع الكعك بالمكسرات، بأسعار خيالية. ويحير هذا الإسراف أكثر الخبراء الاقتصاديين في فهم سلوك المصريين الاقتصادي، بسبب ارتباط الأعياد عند الناس بنوع معين من الأكل أو الطقوس، التي ترهق ميزانية الأسرة، بشكل كبير، أبرزها عادة صنع كعك العيد، التي تتبارى الأسر المصرية في صنعه وتزيينه، على الرغم من ضعف دخل غالبية الأسر، وارتفاع نسبة البطالة. فما إن يقترب موسم عيد الفطر حتى تبدأ منافسة حامية الوطيس، تظهر بوضوح على إعلانات التلفزيون المصري، بين شركات بيع السمن من جهة، وشركات ومحال بيع كعك العيد الجاهز من جهة ثانية. وتبدأ حالة أخرى من حالات الطوارئ في المنازل، والزحام في الأفران، التي يجري فيها إعداد خبز الكعك، حتى إن الإحصاءات تكشف عن نقص كبير نتيجة الاستهلاك في مخزون الدقيق والسكر وباقي مستلزمات إنتاج الكعك. يقول مراسل وكالة انباء القدسبالقاهرة إنه في حين تتضارب الإحصاءات حول نفقات إنتاج الكعك في مصر، بسبب توزيع الإنتاج بين المنازل والمصانع والمخابز الكبرى، أصدرت بعض الجهات الرسمي، في الأعوام السابقة، إحصاءات طريفة، تبين حجم الإنفاق على هذه العادة السنوية، منها دراسة قديمة لإدارة البحوث بالغرفة التجارية المصرية (فرع القاهرة)، عن أرقام نفقات كعك عام 2002، إذ تشير إلى أن نسبة الزيادة في نفقات استهلاك المصريين على الكعك بلغت 18 في المائة، في حين بلغت الزيادة في حجم استهلاك الكعك قرابة 3 في المائة، مع الأخذ في الاعتبار زيادة أسعار العديد من السلع سنويا، خصوصا الدقيق والمكسرات، التي تدخل في صناعة الكعك. فقد بلغت تقديرات حجم استهلاك المصريين من الكعك في عيد العام 2002 قرابة 56 ألف طن كعك، بتكلفة 560 مليون جنيه مصري (قرابة 12 مليون دولار)، مقارنة ب 474.4 مليون جنيه في عام 2001. وهناك توقعات غير رسمية بأن يكون الرقم قد ارتفع لحوالي 15 مليون دولار بسبب ارتفاع أسعار خامات إنتاج الكعك. كما كشفت الأرقام عن تراجع إنتاج المصريين للكعك في المنازل سنويا لصالح الذي تنتجه محال الحلوى ومصانع المخبوزات، إذ وصل حجم الإنتاج العائلي في ذلك العام حوالي 33.8 في المائة، مقابل 66.2 في المائة، بالنسبة لحجم إنتاج الشركات والمصانع، وهي أرقام تقديرية. ومعروف أن صناعة الكعك عائليا كانت هي الأعلى في السبعينيات والثمانينيات، بيد أنها بدأت في التراجع مع الزمن، وانشغال المرأة العاملة عنها، وقلة خبرة الجيل الجديد من المصريات في صنع الكعك، بالمقارنة بجيل الأمهات والجدات. وهناك فرق بالطبع بين كعك الطبقة الوسطى الذي يباع في المخابز العادية ويصل سعره إلى 15 جنيها، وبين كعك الأثرياء، الذي يباع في محال الحلويات الفاخرة، أو فروع المتاجر العالمية، مثل "مترو"، حيث يصل السعر هناك إلى 45 جنيها للكيلو!. ويعد الكعك من أهم مظاهر الاحتفال بعيد الفطر المبارك في مصر. ويقال إن الفراعنة هم أول من عرفوا الكعك؛ حيث كان الخبَّازون في البلاط الفرعوني يحسنون صنعه بأشكال مختلفة مثل: اللولبي والمخروطي والمستطيل والمستدير، وكانوا يصنعونه بالعسل الأبيض، ووصلت أشكاله إلى 100 شكل، نُقشت بنقوش متعددة على مقبرة الوزير "خميرع" في الأسرة الثامنة عشرة بطيبة، وكان يُسمى بالقرص. ويرجع تاريخ كعك عيد الفطر في التاريخ الإسلامي إلى الطولونيين، وكانوا يصنعونه في قوالب خاصة، مكتوب عليها "كل واشكر". ثم أخذ مكانة متميزة في عصر الإخشيديين، وصار من أهم مظاهر الاحتفال بعيد الفطر. وقد اهتم الوزير "أبو بمر المادرالي" بصناعة الكعك وحشوه بالدنانير الذهبية، وأطلق عليه اسم "افطن له"، وتم تحريف الاسم إلى "انطونلة". وتعد كعكة "أنطونلة" أشهر كعكة ظهرت في عهد الدولة الإخشيدية، وكانت تقدم في دار الفقراء على مائدة طولها 200 متر، وعرضها 7 أمتار.