تباينت ردود أفعال الأوساط السياسية والحزبية حول القرار الجرىء للرئيس محمد مرسى، الذى أنهى ازدواجية السلطة، بإحالة المشير محمد حسين طنطاوى والفريق سامى عنان إلى التقاعد، وتكريمهما فى الوقت نفسه فى رسالة شكر وتقدير لا تخطئها عين لقواتنا المسلحة: ولن ننسى مواقفكم المشرفة؛ ولكن نحن أحوج ما نكون لجيش وطنى يتفرَّغ لمهامه الأساسية. وكذا إلغاء الإعلان الدستورى المكبِّل، بما يؤكد بسط رئيس الجمهورية لسلطاته كاملة على جميع أجهزة الدولة بما فيها القوات المسلحة؛ ليضع أول لبنة فى بناء مصر الثورة، وإزالة بعض أركان الدولة العميقة فى مصر؛ وتدشين جديد لبناء مصر الحديثة على أنقاضها، وإلغاء الوضع الشاذ لازدواجية السلطة الذى كان قائمًا فى البلاد طيلة أكثر من شهر فى عملية انقلاب مدنى ناعمة، يجدر على أثرها أن يبتلع الذين أشبعونا حديثًا عن الكاريزما والسخرية من الرئيس الإستبن، ألسنتهم وأن يتواروا خجلاً أمام جسارة وكياسة السيد الرئيس، الذى أنجز فى شهر وبضعة أيام ما لم يستطع إنجازه حزب التنمية والعدالة التركى فى ثمانى سنوات! ما أهمنى منذ صدور هذه القرارات التاريخية، ردود أفعال ما يسمّى بأرامل المخلوع أو يطلق عليهم زورًا وبهتانًا ب(النخبة) جاءت متسقة تمامًا مع مواقفهم، الذين فقدوا السند للمرة الثانية خلال عام ونصف؛ ما يؤكِّد بما لا يدع مجالاً للشك، أن مشاكلهم ليست نفسية عميقة، ومعقّدة فقط، وإنما لوجستيةً أيضًا! فتحوّل هؤلاء من أرامل للمخلوع، إلى أيتام العسكرى! فالبهوات الذين تقطّعت كل سبلهم بالشارع وهمومه، وصدّعوا رءوسنا بالتبشير بعصور الديمقراطية من الاستديوهات المكيّفة الهواء؛ قد باءت جميع محاولاتهم لإحداث توازن خطابى مع الإسلاميين بالفشل الذريع؛ فيما بدا الأخيرون الأقرب إلى قيم الليبرالية، منهم والأقدر على إدارة اللعبة السياسية بحنكة ودربة كبيرتين، بعدما انغمس كثير من رموز من يزعمون الليبرالية وشيوخها فى عمليات المكيدة، والانتهازية التى استمرت ستين عامًا ترتع على موائد كل سلطة، يتمرغون بين المناصب والجوائز والمصالح، والأموال والهبات، وانتظار بركات السلطان وعطاياه، وما تبقّى لهم من فُتات.. والآن بعد ما تلاشى ذهب المعز الذى راهنوا عليه كثيرًا وعاشوا من أجله، يحق لنا أن نتساءل: ماذا تبقّى لهؤلاء الانتهازيين؟! وبعد العودة الحميدة لقواتنا المسلحة الباسلة إلى جادة الصواب والتفرغ لمهامها الأصلية فى تأمين حدود الوطن، والدفاع عنه بكل غال وثمين: ما القوى الإقليمية أو الدولية التى سيستندون إليها لاحقًا، ويؤلبونها ويسخنونها على الوطن نكايةً فى خصومهم؟! بالطبع لم يتبق لهم سوى العار، الذى سجّله التاريخ لهؤلاء من انحيازهم، صراحةً أو ضمنًا، للاستبداد؛ والتحريض المستمر على خصومهم، والاستقواء عليهم بالعسكر وبقايا نظام المخلوع.. أعتقد أن معركة الانتهازيين المقبلة هى إعادة توحيد تحالف الكراهية لكل ما هو وطنى وإسلامى، ومعارضة جمع الرئيس المنتخب السلطة التشريعية والتنفيذية وهم مَنْ باركوا جمع العسكرى لسنوات بالرغم من تعارضها مع جوهر الديمقراطية! وإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية التى جاءت بتوافق جميع القوى السياسية، وهم الذين أيّدوا الإعلان الدستورى المكبّل الذى يتيح للمجلس العسكرى سلطة تشكيلها! وأتصور أن تصحيح المسار، يقتضى من الرئيس الآن إصدار حزمة جريئة من قرارات ثورية منشودة، تبدأ بتفعيل قراره بدعوة مجلس الشعب للانعقاد ليتولى مسئولية التشريع والرقابة على الموازنة وتسريع وتيرة العمل فى تأسيسية صياغة الدستور؛ وعزل النائب العام؛ وحلّ المحكمة الدستورية العليا، وعزل قضاتها فورًا، الذين وقفوا حجر عثرة كثيرًا أمام أشواق المصريين فى حياة مدنية سليمة، وعدم الالتفات إلى عواجيز الفرح؛ والضرب بيد من حديد على كل عملية خروج عن الشرعية. همسة: إلى دعاة فتنة 24 أغسطس: لا مكان للعبيد بين الأحرار..! [email protected]