أثار نزول جماعة الإخوان المسلمين، وأنصار التيارالسلفى وبعض القوى الليبرالية الوطنية فى جمعة المطلب الواحد فى 18 نوفمبر، الخاص بتسليم السلطة إلى سلطة مدنية منتخبة، فضلاً عن الاعتراض على وثيقة السلمى، التى كانت تعطى مزايا للجيش غير مسبوقة فى تاريخ مصر- أثار ذلك حفيظة غالبية القوى الليبرالية، وبعض العلمانيين والمتحالفين معها، بل كانت هذه التظاهرة هدفًا لنيران فضائيات الفلول، واصفين هذه التظاهرة مرة باستعراض القوة لمحاولة ابتزاز القوى الوطنية الأخرى عبر الاحتشاد الكبير الذى وصل إلى أكثر من مليونى متظاهر من جميع أنحاء الوطن! ومرة بانتهازية رخيصة للانتخابات المقبلة؛ بينما وصفها بعضهم ب(قلة الأدب)! ما لفت النظر فى هذا المشهد الملتبس، هو تبادل الأمكنة؛ ففيما كان الإسلاميون أحرص على الديمقراطية وآلياتها؛ كان الليبراليون والعلمانيون،أكثر تأييدًا لوثيقة السلمى حتى دون تعديل، وربما كان ذلك سببًا مباشرًا أو غير مباشر لما تعانيه النخبة ، حيث يدفعون الآن فاتورة نفاقهم لوثيقة السلمى العسكرية، وتحرشهم الدائم بالحياة السياسية عبر (الزن) المستمر فى آذان المجلس العسكرى، والوشاية المستمرة - خلال الجولة الأولى للانتخابات وخسارتهم ربما تتصاعد بشدة خلال الجولتين الأخريين، فضلاً عن أن جمعة المطلب الواحد، فرزت القوى الوطنية فرزًا موضوعيًا وربما تقاطعت مع رغبات الأغلبية الصامتة، التى ظلت تشاهد الحراك الوطنى والتجاذبات والاستقطابات الحادة بين الإسلاميين فى الشارع من ناحية،وبين القوى الليبرالية والعلمانية الذين يسيطرون على وسائل الإعلام الخاص المقروء والمشاهد فى فضائيات الفلول! وبعد نجاح المليونية؛ وأعلنت المنصة الرئيسة بميدان التحرير، مساء اليوم نفسه، عدم الاعتصام بالميدان، وبدت الأحداث المتتالية للجمعة حُبلى بما لا يخطر على بال أحد خصوصًا مع دنو موعد استحقاق الانتخابات النيابية؛ اشتعلت الأحداث، وتأزم الحال الأمنية فى مصر بسبب الصور المنقولة التى لا تعكس فقط مقدارًا هائلاً من العنف والقتل والإصابة، فى مشاهد عبثية،أعادت لنا مشاهد جمعة الغضب المأساوية،حيث سقوط عشرات الضحايا ومئات الجرحى، ووصلت شعبية المجلس العسكرى حينها إلى أدنى مستوى لها خلال الشهور العشرة الماضية. الشاهد فى هذه الأحداث المأساوية حجم النداءات الاستغاثية لنزول الإخوان المسلمين إلى ميدان التحرير للدفاع عن الميدان إزاء الاستخدام الأمنى المفرط للقوة؛ والطريف والعجيب فى الوقت نفسه،أن تصدر هذه النداءات عن قوى، كانت قد عارضت جمعة المطلب الواحد،بل وجرّمتها،ولمّا لم تجد هذه الاستغاثات آذانًا من الإخوان، وصدر عن مرشدها ما يحسم أمر عدم مشاركتهم عندما وصف التظاهرات بأنها«مفسدة كبرى لأنها تؤدى إلى تعقيد الأزمة لا حلها». وقد سخر المتظاهرون والملحون بشدة لنزول الإخوان على حد وصف ما تناقلته مواقع التواصل الجماعي،وفضائيات الفلول:«الرجال توجهوا إلى التحرير تاركين(الجماعة)فى البيت»!وهدفت الحملةالمنظمة بإسقاطاتها(الخائبة) إلى انتقاد موقف (الجماعة) عن المشاركة فى فعاليات الميدان تحسبًا لما لا يُحمد عقباه، وفيما رأته هى (مفسدة) تؤدى إلى تعقيد الأمور فى ظل عدم وضوح الرؤية فى الميدان. وبعد تعهد المجلس العسكرى بالاستجابة الفورية لجمعة المطلب الواحد، بعد تصاعد الأحداث الدامية، وتأكيده إجراء الانتخابات النيابية فى موعدها؛ وبعد خروج المصريين فى تظاهرات مبهجة ومفرحة للتعبير عن رأيه عبر صناديق الانتخابات بنزاهة وشفافية؛ أثبتت الأيام أن قرار «الإخوان» بعدم النزول إلى الشارع والنكوص عن دعم متظاهرى «التحرير»، كان صائبًا إلى حد كبير، إذا ما تم تحليل هذا القرار، ووضعه فى إطاره الأوسع للأحداث التى سبقته، وبدت (الجماعة)،ربما لأول مرة ككتلة سياسية واحدة،تأخذ قراراتها،كأى تجمع سياسي، وفق قواعد المغانم والخسائر، وليس بشكل عاطفى. [email protected]