قامت أمس طائرات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين بقصف مواقع الاحتلال الإيراني في سوريا ، هي ليست الغارة الأولى ولكن يبدو أنها كانت الأوسع ، لأن عدد المواقع الإيرانية التي تم تدميرها كبير حسب ما أوضحت الخرائط والتصريحات الرسمية ، وقد قتل هذه المرة حوالي ثلاثين عسكريا من قوات الاحتلال الإيراني في سوريا ، الإسرائيليون قالوا أنهم شنوا هجومهم بعد أن قام الإيرانيون بقصف مواقع لهم في الجولان ، الاحتلال الإيراني يتهم الإسرائيليين بالكذب ويقول أن القصف قامت به القوات السورية وليس الإيرانية ، وهذا نوع من "النبل" الإيراني المعتاد ، يهرب من المواجهة ليحملها لشريكه العربي ، والحقيقة أن المحتل الإسرائيلي مثله مثل المحتل الإيراني ، لا يحتاج إلى قصة مقنعة ليبرر عدوانه هنا أو هناك ، فالإيراني الذي احتل سوريا وقتل الآلاف من شعبها ودمر مدنا بكاملها قال أنه أتى ليدافع عن مراقد آل البيت في دمشق وليس الدفاع عن حليفه الطائفي الطاغية المجرم بشار الأسد ، وأنهم يساندون بشار بشكل عرضي ، وقد اكتشفوا هناك أكثر من ألف مرقد من مراقد آل البيت لم يكتشفها أحد قبلهم على مدار التاريخ منذ بعثة النبي ! . الضربة الإسرائيلية ضد إيران جددت التشنج لدى بعض الأصوات العربية ، هل يعقل أن ننحاز إلى الكيان الصهيوني في تلك المواجهة ، والحقيقة أن المسألة لا تتصل بأي انحياز ، فنحن ضد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين قطعا ، ولكنا أيضا ضد الاحتلال الإيرانيلسوريا أو بعض سوريا ، ونحن نعادي ونفضح الجرائم التي يرتكبها الصهاينة ضد أهلنا في غزة والقدس ، ولكنا أيضا نعادي ونفضح الجرائم التي يرتكبها الإيراني في دمشق وحلب وحماة ، ونحن نسعد لكل انكسار أو هزيمة للعدو الإسرائيلي ، ولكنا نسعد لكل انكسار أو هزيمة للعدو الإيراني ، وعندما يتعارك الذئاب المجرمة فوق الأرض العربية في سوريا فإن مبلغ سعادتنا أن ينكل بعضهم ببعض ، وأن ينهش الذئاب أجساد بعضهم البعض ويستنزف بعضهم بعضا ، هي معركة لا تخصنا في شئ إلا بقدر ما تمثل خصما من قوة ووطأة العدوان أيا كانت نسخته ، إيرانية أو صهيونية . المواجهة المحدودة بين الاحتلالين الإيراني والصهيوني كشفت مفارقات مدهشة ، مثل أن يصرح وزير الدفاع الإسرائيلي بأنهم لن يسمحوا لإيران بتحويل سوريا إلى خط مواجهة مع "إسرائيل" ، وهو ما يكشف أن سوريا الأسد لم تكن أبدا خط مواجهة ، وأن إسرائيل كانت مطمئنة وواثقة من أن أي خطر أو سوء لن يأتيها من جانب سوريا ، وهو ما يكشف أن خطب المقاومة والممانعة كانت محض دجل يسوقه الطاغية حافظ الأسد وابنه ، في صفحات الصحف والاحتفالات الرسمية ومواسم زيارات المرتزقة من كل صنف إلى دمشق لنيل البركة ، كان حديث الممانعة والمقاومة مجرد استثمار انتهازي لمشاعر العرب تجاه فلسطين ومحنة أهلها ، لكن الحقيقة على الأرض أن بشار وأباه كانوا خفر حدود للكيان الصهيوني ، يحمون عرشه مقابل أن يحمي هو الحدود ويؤمنها . من جديد أؤكد ، لا حرب بين الاحتلالين الإيراني والإسرائيلي ، وإنما فقط معارك صغيرة محدودة بين أصحاب مشاريع توسعية لفرض معادلات نفوذ في المنطقة ، وإيران لا تخسر كثيرا هنا ، لأنها تلاعب الإسرائيلي على أرض عربية ، والضحايا غالبا سيكونون العرب ، سواء في سوريا أو في لبنان إذا حركت بيدقها هناك حسن نصر الله ليخفف الضغط عنها ، أو لتلاعب به الكيان الصهيوني في موقعة استعراضية جديدة لإحياء شعار المقاومة وشحن بطاريته بما يمكن تجديد استعماله لابتزاز عواطف العرب فترة أطول ، لكن المواجهة الشاملة لن تكون ، فالاحتلال الصهيوني يحتاج إلى جهود الاحتلال الإيراني في سورياولبنان لضبط الأمور وحفظ معادلات تمنع نجاح الثورة السورية وتعزز مسارات التمزق الطائفي والقومي في الشام . المواجهات العسكرية والسياسية التي تدور في سوريا هذه الأيام ، عنوانها الأبرز إيران وإسرائيل ، والإعلام العالمي ينتظر يوميا تصريحات طهران وتل أبيب ، ويترقب ردود فعل واشنطنوموسكو ، لا أحد ينتظر تصريحات من دمشق ، لا أحد يتذكر أن هناك رئيسا في سوريا صاحب قرار وسيادة اسمه بشار الأسد ، الكل يتعامل باعتباره غير موجود ، أو غير مؤثر ، أو غير ذي قيمة ، أو أنه مجرد موظف عند موسكووطهران اللذين يمسكان به حتى لا يسقط ، وتلك عاقبة الطغاة عندما يتجبرون على شعوبهم ، ويوغلون في دماء المدنيين والأبرياء ، يأبى الله إلا أن ينهي مشوارهم بالمذلة في العالمين . قالت "إسرائيل" أمس أنها دمرت كل البنية الأساسية للعسكرية الإيرانية في سوريا ، وأعتقد أنه كلام مبالغ فيه ، والمؤكد أن المنطقة ستشهد المزيد من تلك "المعارك الصغيرة" في الأسابيع المقبلة .