العديد من المصطلحات والمسميات التى فرضت نفسها على المشهد المصرى سياسيًا وإعلاميًا بعد الثورة فى حاجة إلى إعادة تحرير من أهل اللغة والاختصاص، فى محاولة لتصويب مسارها، وإعادة الحق لأصحابها. حالة الفوضى التى ضربت أوساط المثقفين والمفكرين والفقهاء والمحللين أكبر دليل على تلك الأزمة، التى تتسع هوتها يوما بعد الآخر، ويكفيك تدوينة على الفيس بوك أو تويتر حتى تحظى بلقب ناشط، أو علاقة جيدة بمذيع أو معد فى أحد برامج التوك شو حتى تنال لقب مفكر ومحلل، وإذا شاء القدر وكنت ممن يحملون لقب "دكتور" فالباب على مصراعيه لتحصد صفة الفقيه والخبير والباحث!! حرف "الدال" ليس كافيًا لمنح كل من هب ودب لقب خبير، أو فقيه، أو مفكر، وليس كل من نال جائزة من جوائز المخلوع ووزير ثقافته فاروق حسنى يصلح أن يكون مثقفًا فى مصر الثورة، لأن الجميع يعلم كيف كانت تمنح الجوائز والأوسمة خلال العهد البائد. الفقيه فى اللغة العربية من فَقِهَ الشىء أى علمهُ، والمفكر هو من يحمل العديد من الأفكار والنظريات ذات المعرفة الواسعة، وينهمك فى إنتاج ونشر الأفكار الإبداعية، ويزنه الناس بقيمة فكره وطريقه تفكيره، ومردود ذلك على المجتمع، وغيرها من الاشتراطات التى تحتاج إلى تأصيل من أهل اللغة والفقه حتى يعود للمسمى قيمته، بعد أن أصبح مثارا للتندر والسخرية. أنصاف المثقفين والقانونيين كثر، وهى أحد أبرز تجليات تفاعلات الثورة المصرية، التى تكشف يومًا بعد الآخر كواليس الحظيرة الثقافية والقانونية، التى ترعرعت فى عهد نظام مبارك، وكان من أبرز ترزيتها الدكتور شوقى السيد، عضو الشورى المعين فى نظام مبارك، والذى يلقب هو الآخر ب"الفقيه الدستورى"، لكن فقه الرجل من نوع آخر يمسح به بيادة العسكر، ويطالب المجلس الأعلى للقوات المسلحة بمحاصرة قصر الرئاسة لحماية الشرعية القانونية والدستورية ضد قرار الرئيس بعودة البرلمان. أضف إليه صاحب وثيقة "الجمل" المشئومة، والذى له الفضل الأكبر فى الإبقاء على فلول الصحف القومية عبر حركة تعيينات قام بها إثر توليه منصب نائب رئيس الوزراء فى حكومة عصام شرف، مجاملا أصدقاءه من اليساريين والعلمانيين المتطرفين، وقد وصف قرار عودة مجلس الشعب بأنه"فجيعة وطعنة كبيرة على مبدأ سيادة القانون"، محرضًا على التخريب، قائلا: "خراب مصر بكرة بإذن الله". أما أن يطالب الدكتور إبراهيم درويش، أستاذ القانون الدستورى، القوات المسلحة بالانقلاب على الرئيس المنتخب إثر قراره بعودة البرلمان، فهذه طامة كبرى ابتليت بها مصر، وحينما يصف القرار الرئاسى بأنه «أكبر من نكسة 67»، فيا حسرتاه على "درويش" يحظى بلقب "فقيه قانونى". الجنرال مصطفى بكرى "الكاتب الصحفى سابقًا" شارك أنصاف المثقفين وليمة الخداع ببكائية رثاء تذكر خلالها سيده المخلوع راثيا إياه بالقول "إن مرسى اتخذ قرارًا لم يستطع أن يتخذه مبارك فى عهده"، متناسيًا كيف كان سيده يستبدل صناديق الاقتراع ويغير النتائج باتصال هاتفى. وفى وصلة ردح سياسى وإهانة لإرادة شعب انتخب رئيسه لأول مرة فى تاريخه، طالب الناشط السياسى المهندس ممدوح حمزة, قائدى الجيوش والأسلحة بعزل الرئيس محمد مرسى فورًا، وتقديمه للمحاكمة ومنعه من دخول قصر الرئاسة. القائمة كبيرة ولا تتسع المساحة المتاحة لكشف أنصاف المثقفين والقانونيين، فالأمر بات بالميزان وتحت الطلب.. "ربع مفكر"، "نص مثقف"، "كيلو نشطاء ومحللين".