من يرى حفاوة الإعلام المصري بالفن و الفنانين المصريين ، يعتقد أن مصر بلد لا يسكنها إلا أهل الفن و المغنى ! و من يسمع أو يتابع المهرجانات الفنية في القاهرة أو الاسكندرية أو في أية عاصمة عربية أخرى ، و يشاهد نجوم مصر و هم يتسلمون الجوائز تباعا و سط طبل و زمر التليفزيون المصري ، يعتقد أن هؤلاء النجوم قد تجاوزا نطاق المحلية ، و أنهم "مكسرين الدنيا" بفنهم البديع الجميل ! و ما لايعرفه البسطاء من أهل مصر الطيبين ، الذين يستنفذ جيوبهم و أموالهم ووقتهم هذا "الفن" التافه و الهابط في معظمه ، أن هؤلاء الفنانين الذين "يتمنظرون" عليهم في الشاشات الصغيرة و الكبيرة ، و تقدم أسماؤهم مقرونة ب"نجمة مصر الأولى" و "فتى الشاشة الأول" .. و غير ذلك من ألقاب هم في واقع الحال لايعرف عنهم العالم باستثناء العالم العربي شيئا ! لم نسمع يوما أن أحدا منهم حصل على جائزة دولية حتى لو كانت من جوائز "الترسو" أو الدرجة العاشرة ! لقد صنعت نجوميتهم جوائز محلية لا قيمة فنية و لا مهنية لها على المستوى الدولي الذي تخضع جوائزه لاعتبارات الحرفية والمهنية العالية !. و ذلك عكس السينما الإيرانية التي تأسست في عهد "ولاية الفقيه" و "رجال الدين" الذين نالهم من التهكم و السخرية و الاستعلاء من المثقفين و الفنانين المصريين ، ما جعلنا نعتقد أن إيران تنتمي إلى فصيل الدولة الدينية التي تستقي شرعيتها من تجربة الكنيسة في أوربا في عصر الظلم و الظلمات ، فيما مصر تنعم و ترفل في عصر "التنوير" و "الابداع" و "الديمقراطية" التي تحسدها عليها كل دول العالم ! فإيران قبل ثورتها "الدينية" التي لم تعجب "المتنورين" المصريين ، كان "صحراب شاهيد ساليس" المخرج الوحيد الذي تمكن من الحصول على نوع من الاعتراف الدولي في مهرجان برلين السينمائي وذلك عن فلمه "حياة ساكنة". ولكن في أعقاب الثورة نعيد و نكرر .. التي لم تعجب المستنيرين المصريين ارتفع عدد الحائزين على الجوائز بشكل صدم العالم كله ، إذ حصد كل من عباس كياروستامي وجعفر بناحي كبرى الجوائز، الأول في مهرجان "كان" عام 1997 عن فلمه "طعم الكرز" والثاني في مهرجان فنيسيا عام 2000 عن فلمه "الدائرة". كما حازت السينما الايرانية على أعلى درجات "الاعتراف الدولي" في هوليوود عندما رشح فيلم ماجد مجيدي "أطفال الجنة" عام 1999 لجائزة الاوسكار في مسابقة الأفلام الاجنبية في الوقت الذي نجح فيه آخرون مثل محسن مخملباف وابنته سميرة مخملباف ودرويش مهرجوي وغيرهم في الحصول على جوائز مختلفة. و الدرس القاسي التي لقنته السينما الإيرانية ل"نجمات مصر الأوائل" و ما أكثرهن ،أن المخرجة الإيرانية "سميرة مخملباف" حصلت على جائزة مهرجان كان السينمائي الدولي الثالث و الخمسين عن فيلمها "اللوح الأسود" و عمرها "20 عاما" !! و في هذا السياق .. و في يناير من عام 2005 ، و بمناسبة الاحتفال بالذكرى الأربعين لتأسيس مجلة "لو نوفيل أوبسرفاتور"الفرنسية ، أصدرت المجلة عددا من أعدادها الخاصة ، جاء بعنوان "خمسة و عشرون مفكرا كبيرا من العالم أجمع" و قد شمل مفكرين من الولاياتالمتحدةالأمريكية ، و المكسيك و فنلندا و إيطاليا و السنغال و غانا و الهند . مراسلة صحيفة الحياة اللندنية ، في باريس "هاجيرة ساكر" ، أصابتها الدهشة و صدمت من تجاهل المجلة ل"المستنيرين " العرب و قالت بالحرف الواحد في عدد 9/1/2005 من الحياة :" .. و اللافت غياب أو بالأحرى تغييب تام للأسماء العربية ، سواء من البحاثة و المفكرين العرب المقيمين داخل العالم العربي ، أو أولئك الذين يعيشون في الغرب و بعضهم حاضر و يحاضر في الجامعات الغرببة .. مثل محمد أركون و نصر حامد أو زيد و هشام شرابي .. " مراسلة الحياة التي صدمتها الحفاوة البالغة التي أبدتها المجلة لمفكرين حتى من السنغال و غانا و الهند ، فيما لم تهتم بواحد ممن ذكرتهم من العرب ، لم تعرف أن هؤلاء ادعياء الاستنارة في العالم العربي مثل "نجمات مصر الأوائل" ..! لا يعرفهم أحد خارج الوطن العربي ، و أن جوائزهم التي حصلوا عليها هي في واقع الحال مثل جوائز مهرجان الاسكندرية السينمائي لا قيمة لها إلا في الضحك على الغلابة و الرأي العام الطيب و ايهامه بأنهم من "أكابر" العالم في الفن و التنوير ، فيما لا يعرفهم العالم و لا يحتفي بهم و يعتبرهم مثقفين درجة عشرة ، لا يستحقون حتى شرف الاستكتاب في مجلاتهم ، كما فعلت "لو نوفيل أوبسرفاتور"الفرنسية! [email protected]