حفاوة "القلة" من صحف معارضة مصرية ، بنصر حامد أبو زيد ، حملتنا حملا على فتح ملف دور المثقف المصري في قضايا الإصلاح المطروحة الآن و بالحاح على المصريين . و مع احترامي و تقديري الشديدين للرموز الفكرية و الثقافية الكبيرة في مصر ، فإن الشاب الصغير ، و الوجوه الكثيرة "المجهولة" و التي لا تعرفها شاشات الفضائيات و لا منصات المؤتمرات و الندوات الأنيقة في الفنادق الفارهة ، من الذين يشاركون مظاهرات كفاية ، و ينزلون إلى الشارع في نهار صيف القاهرة القاسي ، يهتفون بالساعات ضد التوريث و القمع و التعذيب و الفساد و التجويع ، هم عندي أفضل و أهم بكثير من هيكل و عمارة و العوا و هويدي و ميلاد حنا و يونان لبيب رزق وسلامة احمد سلامة و صلاح عيسى و عادل حمودة غيرهم الكثير ممن لا اتذكرهم الآن ..الذين يفضلون "النضال" من منازلهم و من داخل مكاتبهم المكيفة ! البعض قد يتذرع بأن ظروفه الصحية حالت دون المشاركة ، غير أني كنت أشاهد المفكر الكبير د. عبد الوهاب المسيري و هو لا يكاد يقوى على الوقوف من مرضه ، مشاركا الشباب احتجاجاتهم ، و رغم أن بعض المظاهرات كانت تنظم على سلالم نقابة الصحافيين كان المسيري شفاه الله تعالى و أمد في عمره ، يؤثر الوقوف كتفا بكتف مع المتظاهرين تحت شمس الظهر المحرقة ! المسيري الوحيد من بين شيوخ المفكرين و الكتاب الذي كان يشارك "كفاية" خروجها إلى الشارع !. إن المسيري و عبد الحليم قنديل و مجدي حسين و ابو العلا ماضي و جورج اسحاق هم جميعا الذين يستحقون الاحتفاء بهم و حملهم فوق الرؤوش و الاعناق ، فهم النموذج للمثقف الذي يعي طبيعة و حقيقة دوره ، و أن مكانه التنويري في الشارع بين الناس و ليس من خلال الفضائيات التي تدفع بسخاء حتى أفسدت بعضهم ، و باتوا يحترفون التسول و طلب "المكافأة" مقدما قبل أن يتكلم و إلا .. "يفتح الله " ! ظُفر "قنديل و مجدي حسين " و المسيري برقبة العشرات من أمثال أبو زيد الهاربين من مواجهة الفساد و الديكتاتورية يرفلون في نعيم الأضواء السهلة و النجومية الرخيصة التي لم تكلفهم إلا الاعتداء على مشاعر الأمة و إيلامها في أعز ما تملك بدلا من الدفاع عنها و حمايتها من اعتداءات السلطة في الداخل و الاهانات التي ما انفكت تتلقاها من وقت إلى آخر من الخارج . لم يكن ابن تيمية و العز ابن عبد السلام و محمد ابن عبد الوهاب و أحمد السنوسي بليبيا و ابن باديس بالجزائر ، مجرد مثقفين اكتفوا بدور التنظير و المنظرة ، أو فقهاء و شيوخا احترفوا الدروشة و الانزواء في زوايا الطرق الصوفية المعزولة عن التاريخ و الجغرافيا . كانوا مثقفين و علماء و مقاتلين و مناضلين جابهوا ظلم الحكام و الطواغيت و قادوا الثورات الشعبية و الحركات الاصلاحية . و يعلم المصريون كيف قاد العز بن عبد السلام المعارضة في القاهرة من أجل إصلاحات دستورية وسياسية واسعة، وأضطر الصالح أيوب إلى النزول عند إرادته، بإعادة النظر في الوضع القانوني والدستوري للأمراء "المماليك" في ذلك الوقت، فيما عرف تاريخيا بعملية "بيع الأمراء"! مصر الآن في ظرف تاريخي لا يحتمل ترف التعامل مع المثقفين بمنطق النوادي الثقافية و أنشطة الاتيليهات .. مصر في ظرف بالغ الحساسية ، لن يحترم إلا من احترمه و قدره و استوعبه و استجاب لمقتضياته . اعتقد اننا في وضع جديد سيعيد فرز القوى السياسية و النخب الفكرية من جديد ، و سيكشف الكثير من الحقائق و ستسقط طوعا أو كرها أقنعة الزيف .. و لم يعد من اللائق أو من مقتضيات اللياقة و احترام اللحظة الراهنة أن نحتفل بالحواة من تجار الشهرة و هواة المنظرة و المتاجرة بالتنوير فيما يتركون الناس ...و حقوقهم و أعراضهم مستباحة للصوص و المرتزقة و عملاء السلطة و الأمن [email protected]