من المؤكد أن ثورة يناير أسقطت هالة القدسية التى كانت تحيط بمنصب رئيس مصر، فعندما علت أصوات الثوار فى التحرير للمطالبة برحيل مبارك، كان هذا نهاية عهد طويل من الصمت والكبت، أحاطت فيه لغة التقديس ب"فخامة" السيد الرئيس، فقد كان المساس بمجرد اسمه جريمة، ومعارضة رأى من آرائه كارثة تجر صاحبها إلى غياهب السجون، ولم تقتصر القدسية وعدم المساس باسم مبارك فقط، بل أيضاً انسحبت على كل عناصر أسرته والمقربين والمنتفعين، فكان لدينا عشرات من "كهنة السياسة"، الاقتراب من ذاتهم يعنى الضياع وراء الشمس، وأسقطت الثورة تلك القدسية، وانقشعت هالة الضوء المحرم، وأصبحت سيرة رئيس مصر من أبسط الكلام المباح ولم تعد تصمت "شهرزاد" أبداً لو صاح ألف ديك. وجاء دكتور مرسى من صندوق الانتخابات، ليرأس مصر فى مرحلة لن تحمل السعادة ولا الراحة لأى شخص يمكن أن يتولى هذا المنصب فى بلدنا، بعد تلك الثورة التى اختلطت فيها صحوة الديمقراطية بصحوة اللسان، وضاع الخط الفاصل بين "وصلات الردح والسباب" وبين حرية التعبير عن الرأى، وأصبح الكثير يتبارى فى النيل من الرموز السياسية والاقتصادية والاجتماعية كنوع من "فرد عضلات الديمقراطية"، ولا ثبات أن جدران الخوف من الآخر قد انهارت، دون أن يتنبه هؤلاء أن للحرية حدود، وللحوار أدب، وللنقد أصول، فأصبح أى مسئول دفعه حظه العاثر لتولى منصب فى بلدنا بعد الثورة، كقطعة الأرض التى لا يحدها سور يخصصها ويميزها، وسرعان ما يصبح أرضاً مباحة لكل ألوان النفايات الكلامية والاتهامات على كل شكل ولون، حتى وإن لم يصدر عنه أى هفوة أو ما يمكن أن يشينه. وأعود إلى مجىء دكتور مرسى، سواء اختلفنا أو اتفقنا مع خلفيته الحزبية - التى استقال منها فوز إعلان فوزه – فكان مجئيه فى هذا الزمن الصعب، الذى انهارت فيه قدسية الرئيس، مما جعله بلا مبرر هدفاً للأقلام والألسنة، وقبل كل هذا، هدفاً لخطط الفشل الجاهزة والتهم المسبقة، ولكل محاولات عرقلة السير وتكسير العظام فى معركة العمل الرئاسى التى لم يبدأها بعد، والتى لم يكد يلتقط معها أنفاسه من معركة الانتخابات، وما أقوله ليس دفاعاً عن دكتور مرسى، ولكنه رصد واقعى ورفض لما يحدث من خلط للأوراق بين النقد والإهانة، حيث تطالعنا صحف حزبية وأخرى مستقلة، تكيل الاتهامات وتضج بالتطاول على رئيس مصر الجديد إلى حد وصل إلى "تدنيس" المنصب، قبل أن يبدأ وقبل أن يرتكب أى خطأ، فنقرأ خبراً حول مطالبة التحرير بإسقاطه، وآخر يحكم عليه مسبقاً بالفشل، وثالث حول قيام عناصر من الإخوان بالتحدث باسمه للتفاوض مع شخصيات سياسية لتشكيل الحكومة المرتقبة، وغيرها من أخبار تنال من هيبة رئيس مصر، وتدفعه للوقوف منذ البداية فى قفص الاتهام، ليدافع عن تهم تفتق عنها خيال البعض أو تفنيد شائعات روجها آخرون فى زمن التخوين، وكأنه عدو للشعب لا رئيس أكبر وأهم دولة عربية فى المنطقة، ونسى هؤلاء أن الحرية والديمقراطية لا تعنى التطاول وإسقاط الهيبة، فهيبة الرئيس هى هيبة لمصر، وإننا مطالبون برفض "تدنيسة" أو هدم مكانته، فاحترامه واجب علينا، وإن أخطأ، هناك الطرق والأساليب أيضاً المحترمة التى نحاسبه بها، ويكفى أن تصريحات دكتور مرسى منذ إعلان فوزه، جاءت كلها دفاعاً عن نفسه، وتبرئة لساحته من الإخوان، بعد أن صارت هذه الجماعة ك"لعنة" تطارده، وبت أخشى أن يقضى نصف فترة الرئاسة مدافعاً عن نفسه، والنصف الآخر للفكاك من خطط "الإفشال" التى يحكمها البعض حوله بعد أن استولى العسكر على كثير من السلطات والصلاحيات، إن احترام رئيس الدولة واجب، حتى يحترمنا العالم، فالثورة أسقطت نظام فاسد، ولكن لا يمكن أبداً أن ننسب إليها سقوط الاحترام، أرجوكم.. دعوه يعمل.