من الضروري أن تصل الي الناخب رسالة واضحة تقول انه يستطيع أن يصنع التغيير الذي يريده من خلال صندوق الانتخاب الشفاف. هذه الرسالة، اذا وصلت وتلقاها المواطن العادي والبسيط، سوف تعني الانتقال الي مرحلة جديدة في العمل السياسي علي مستوي المجتمع ككل. وأهم ما يميز هذه المرحلة أن التوترات الاجتماعية والتفاوتات الطبقية، والمآخذ المختلفة علي طريقة أداء مؤسسات المجتمع والدولة لوظائفها سيتم التعامل معها بشكل رشيد وعقلاني وعلني يحول دون الانفجارات العشوائية للناس من سكان الضواحي والأحياء العشوائية والفقيرة. باختصار يجب أن تصل الي الناس رسالة تقول إنه يجب علي المجتمع ككل أن يتبع منهج الثورة بالرضا. (1) في المجتمع المعاصر، ينقل التليفزيون، والفضائيات وحتي السينما، والاذاعة فضلا عن سهولة السفر والتنقل بين مختلف أنحاء البلاد الي المواطن صورا تزيد من تطلعاته المشروعة في حياة كريمة ولائقة. في الماضي، منذ30 أو40 سنة. كان هذا العامل محدود الأثر جدا في تشكيل الوجدان. وكان الذين يتطلعون الي مثل هذه الأشياء يتميزون بالقدرة علي القراءة المنتقاة، وبالقيام بأنشطة سياسية. الآن أصبح ادراك وفهم أن في الدنيا مجتمعات وعوالم مختلفة، ونظم أخري أفضل أو أسوأ مما لدينا، أصبح هذا كله في متناول الناس العاديين، ولم يعد في حاجة الي جهد خاص. أضف الي ذلك أن الاعلانات التي تبثها وسائل الاعلام، تحرض الناس علي أن تكون لديهم رغبة في اقتناء أشياء معينة، وبالتالي تعمل علي زيادة تطلعاتهم وتغرس فيهم هذا الأمر. فكيف يمكن توفير او تهيئة السبل التي يتمكن المواطن عن طريقها من تلبية هذه التطلعات حتي يشعر أنه يعيش حياة كريمة لائقة يشاهد بعينية نماذج منها علي شاشات التليفزيون؟ أفضل الوسائل لتحقيق هذه الغاية، هي أن تتاح للناس الفرصة للتعبير عن رغبتهم في التغيير، وأن يجري حدوث هذا التغيير فعلا، عن طريق الانتخابات. وليست هناك أية غضاضة في الاعتراف بأن قطاعا من المجتمع يشعر بالسخط، ويعبر عن هذا باختياراته الرشيدة من بين مجموعة من البدائل المعروضة عليه، وأن تجري الاستجابة لكل هذا. (2) هذا هو الأصل الذي يمكن علي أساسه تفسير اختيار قطاع لايمكن انكار قوته وأهميته من بين جموع الناخبين المصريين للتصويت في المرحلة الأولي للانتخابات العامة لمختلف تيارات المعارضة بما في ذلك التيار الديني. فليس صحيحا أبدا، القول، بأن كل من انتخب مرشحي التيار الديني هم من اتباع هذا التيار بل أعتقد أن الأرجح أن الغالبية العظمي من هؤلاء هم من جموع الناس العاديين، وكل دافعهم في ذلك هو الرغبة في البحث عن بديل لعل حياتهم تتحرك نحو الأفضل كما يتصورون. فليس هناك أي خطأ او جناية في أن يختار الناخب بديلا ليحكمه بعد عشرات السنين من حكم الحزب الوطني او حتي يقلل من درجة هيمنة الحزب الوطني علي مقاعد البرلمان، بالعكس. إن تجسد هذا البديل، بمختلف اتجاهاته، السياسية او الدينية، داخل البرلمان في هيئة نواب يطرحون سياسات تعبر عن هذا البديل ويسعون بمشروعات القوانين المختلفة التي يؤيدونها أو يعارضونها إلي تنفيذ هذا البديل، هذا كله هو الصواب الذي لا صواب بعده. فمثلا، إذا كان صحيحا أن حجم قضية الفقر المطلق، أو التفاوت الطبقي والاجتماعي، أو البطالة، أو الفساد، إذا كان هذا كله، قد وصل إلي حدود أصبح يشعر معها المواطن بالخطر علي حياته اليومية، وأنه لاسبيل أمامه لكي تصبح حياته أفضل إلا بمواجهة هذه القضايا بسبل ووسائل مختلفة، فمن البديهي أن يستخدم المواطن صندوق الانتخاب للتعبير عن رأيه في هذه القضايا. والأهم أن يجد بعد الانتخاب أن رأيه أصبح في هيئة قوانين واجراءات تنفيذية ويشعر أن مشكلاته بدأت تجد طريقها إلي الحل. هذا يعني أنه يلمس بيديه ويجد في حياته أن همومه وآماله وآلامه تجد حلولا ووسائل تحقيقها في صندوق الانتخاب. وهكذا، تبدأ تقل درجة التفاوت الطبقي. ويتجه نصيب قطاعات متزايدة من السكان في الثروة الاجتماعية إلي التزايد، ويميل تعريف مستوي الفقر المطلق إلي الارتفاع، فبدلا من تعريفه بأنه ينطبق علي الشخص الذي يقل نصيبه عن دولارين في اليوم، يصبح ثلاثة، أو أربعة أو خمسة، وهكذا وبذلك ينكمش عدد الفقراء. وهذا الانكماش يتحقق من خلال تنفيذ السياسات والبرامج التي اختار الناخبون النواب القادرين علي تطبيقها من خلال عملية الاقتراع. (3) ماذا يحدث إذا لم يقع شيء من هذا؟ بالضبط، ما نراه في فرنسا حاليا يعتبر خير شاهد. فالشباب أو الجموع الغاضبة التي خرجت لكي تحرق السيارات في المدن الفرنسية الكبري هي مجرد مثال، فلو كانت الانتخابات الفرنسية قد أدت إلي اختيار نواب يعبرون عن هؤلاء داخل البرلمان، لكانت قضاياهم قد وجدت سبيلها إلي الحل، ولكانت فرنسا قد تجنبت كل هذا الخراب. القضية باختصار، أن السخط مشروع، والاحتجاج مشروع، والغضب مشروع، وأنه يحق للانسان أن يمتلئ بالتطلعات نحو مستقبل أفضل، المسألة هي أنه كلما أتيحت الفرصة إلي التعبير عن ذلك بأسلوب رشيد، عن طريق صندوق الانتخاب، كان هذا أوفر للمجتمع. لنقارن مثلا، بين حجم الخسارة التي يمكن أن تحدث لو حدث شئ مما نراه في المدن الفرنسية في بعض الضواحي المصرية( لاقدر الله) وبين الخسارة الناجمة عن اتاحة الفرصة لهؤلاء الساخطين لكي يختاروا السياسيين أو النواب الذين يستطيعون تلبية تطلعاتهم؟ القضية لن تكلف الدولة أو المجتمع أكثر من تغيير مجموعة من الأشخاص، بمجموعة أخري. واحدة ستنتقل إلي المعارضة وأخري ستحل محلها في السلطة، وعن طريق هذا التداول السلمي تتحقق الأحلام. أقول هذا، لأن اتاحة الفرصة للساخطين لكي يعبروا عن تطلعاتهم في من الذي يحكم مصر؟. هو مفتاح المستقبل، ومفتاح الحياة الحرة الكريمة للمواطنين. ----------------------------------------------------------------------------- الاهرام