ويرفضون نقلهم من سور مجرى العيون إلى منطقة الروبيكي عمال صنفرة الجلود: نقلنا إلى الروبيكى "خراب بيوت".. ورش الجلود: الأمراض سكنت أجسادنا من هذه المهنة والحكومة لا تتحرك أشخاص كُتب عليهم الشقاء والعناء، غلابة بسطاء ثيابهم بالية، وأجسامهم ممتلئة بالأتربة وألوان الصباغات، كل أحلامهم أن يعيشوا مستورين, أنفاسهم مكتومة بين روائح الجلود الكريهة، لم يجدوا شيئًا أمامهم إلا أحضان المدابغ، للعمل بداخلها حتى لا يكونوا عبئاً على أحد، ذاقوا المرار، تحملوا الصعاب، من أجل قوت أولادهم، كل منهم يبحث عن قوت يومه، ما بين صاحب مهنة فى الدباغة وشيال وعربجى، دفعتهم الحياة للبحث عن اللقمة الحلال، حيث لم يجدوا أمامهم إلا مدابغ سور مجرى العيون بحى مصر القديمة ليحصلوا على أرزاقهم. جاء قرار الحكومة بنقل المدابغ من منطقة سور مجرى العيون بمصر القديمة، إلى منطقة الروبيكى بالصدمة ل20 ألف عامل يعملون فى المدابغ، نظرًا لبعد المسافة بين منطقتى سور مجرى العيون والروبيكى. ورغم تقدم العديد من عمال المدابغ، بالتماس إلى الحكومة لعدم نقلهم، لكنه لا توجد استجابة من الحكومة، التى أعلنت فى وقت سابق عن أنها أنهت المرحلة الأولى من استعدادات منطقة الروبيكى لنقل مدابغ سور مجرى العيون إليها فى أقرب وقت. وفى إطار ذلك رصدت "المصريون"، المعاناة التى يعانيها عمال مدابغ الجلود بسور مجرى العيون بعد أن سكنت الأمراض أجسادهم نتيجة عملهم بهذه المهنة.. المهنة كلها مخاطر لا شك أن مهنة عمال الدباغة، من المهن الصعبة التى لا يقدم عليها إلا من تعود عليها منذ طفولته، هكذا قال محمود السيد، البالغ من العمر 40 عامًا، أحد عمال الدباغة، والذى يعمل بها منذ ما يقرب من 25 عامًا، مؤكدًا أن مهنة الدباغة لا يقدم عليها إلا من تعود عليها منذ طفولته بسبب عدم المقدرة على تحمل الرائحة الكريهة، التى تنبعث من الجلود المتراكمة فوق بعضها البعض والتى تملأ الورش وتصيب عمالها بالأمراض. وأضاف محمود، أنه لا يوجد عمل بدون مخاطر، ولكن فى عمل الدباغة، الكل معرض للخطر والموت، حيث توجد مواد سامة تضاف إلى الجلود بجانب معدات الدباغة من براميل ضخمة وآلات تعمل بالكهرباء، وهذا ما يجعلنا نشعر بالخطر، خاصة أن هناك بعض العمال قد لقوا مصيرهم دهسًا تحت البراميل، التى لا ترحم من يلتف حولها أو من الصعق بالكهرباء أو مياه النار التى تصيب العديد من العمال سواء بالحرق أو تشويه الجلد. وتابع محمود، "أنه رغم علمنا بالمواد السامة التى يتم دمجها بالجلود، لكننا نُقبل على هذه المهنة نظرًا لأنه لا يوجد لنا مصدر رزق غيرها، موضحًا أنه من المفترض أن يتعامل عامل الدباغة مع هذه المواد الخطرة من خلال ارتداء قفزات اليد والكمامات، لكن لا أحد يهتم بهذه الأشياء لذلك نجد أن ما يقرب من 90% من العمال مصابون بأمراض عديدة، منها الربو والحساسية، وهناك بعض العمال يعانون من مرض السرطان نتيجة عمله فى هذه المهنة منذ الصغر إلى أن وصل ل 55 عامًا، وهناك من يعمل فى هذه المهنة وتجاوز ال60عامًا ويعانى أيضًا من أمراض عديدة ولكنه مجبر على العمل حتى يأتى بقوت يومه. وأوضح محمود، أن دباغة الجلود تمر بالعديد من المراحل حتى تكون جاهزة للتصدير أو توريدها للتجار داخل مصر, موضحاً أنه يعمل فى أول مرحلة من المراحل التى تحتاجها الجلود وهى مرحلة "الخدمة" بمعنى أنه يأخذ الجلد طازجًا بعد خروجه من المدبح، ثم يأتى به إلى الورشة لكى يضاف إليه المواد الكيمائية من جير وكروم وصباغة وملح ومياه النار وغيرها من المواد الضارة للجسم. ونوه محمود، إلى أن معظم عمال المدابغ لا يتمتعون بمظلة التأمين الاجتماعي، لذلك عندما يشعر عامل الدباغة بالمرض يذهب إلى المستشفى على حسابه الخاص وأحيانًا يذهب إلى المستشفى ويكون العلاج بداخله غير متوفر، فيضطر أن يشترى العلاج على حسابه الخاص، وهناك قلة من أصحاب تلك الورش يدفعون جزءًا من مصاريف العلاج. وأضاف محمود، أن العامل الذى يصاب أثناء العمل أو يلقى مصرعه لا يجد من يتولى نفقات أسرته أو مصاريف علاجه. الأمراض تسكن أجسادنا على جانب آخر يقول محمد حافظ 38 عامًا، ويعمل فى مرحلة رش الجلود داخل المدبغة، إنه يعمل فى هذه المهنة منذ ما يقرب من 25 عامًا، ولا يعرف مهنة أخرى سوى رش الجلود، مؤكدًا أن مهنته لها عواقب وخيمة وأمراض خطيرة نتيجة الاستنشاق المستمر لتلك المواد، التى تستخدم فى رش الجلود من تنر وجلانز وجير وملح وغيرها من المواد الكيميائية المستخدمة، والتى ينتج عنها أمراض عديدة مثل "العدوة الجلدية، وحساسية الصدر وغيرهما من الأمراض نتيجة العمل المستمر فى الرش، خاصة أن ورشة الرش يعمل بها العديد من العمال بجانب بعضهم مما يجعلهم لا يستطيعون التنفس إلا بصعوبة، موضحًا أنه يأتى من الساعة التاسعة صباحًا حتى الساعة السادسة مساء، وهو لا يترك مسدس الرش إلا أثناء تناول وجبة الغداء ثم يعود مرة أخرى للعمل. وتابع محمد قائلاً: "إن العمال هنا لا يهتمون بأنفسهم لأن الكل لا يهمه إلا أن يعمل ولا يبالى من الأمراض والمخاطر الناتجة عنه، موضحًا أن الأمراض من عند الله وكله قضاء وقدر فى النهاية. وأشار محمد، إلى أن رائحة الجلود كريهة و لا أحد يستطيع أن يتحملها فى بداية الأمر، إلا من خلال التعود عليها، ومعظم الورش يوجد بها شفطات هواء لكى تسحب رزاز الرش والروائح العفنة التى تخرج من الجلود، بجانب روث الحيوانات والحشرات التى تملأ المكان، موضحًا أن معظم العمال تأقلموا عليها من أول عامل عربة الكارو والشيال وعامل الشاى والأكل إلى أن تمر الجلود لآخر عامل لكى تصبح الجلود جاهزة. وأكد محمد، أن هناك أشخاصًا انحنت ظهورهم ومصابين بالأمراض، لكنهم ما زالوا يعملون بالمدابغ نظرًا للظروف الذى تحيط بهم، خاصة أنه لا يوجد تأمين عليهم، ولا على حياتهم، موضحًا أنه فى حالة نقل تلك الورش إلى مكان آخر، فإن هؤلاء العواجيز سوف يتشردون فى الشوارع وينضمون إلى سوق البطالة، لأنهم أصبحوا غير قادرين على السفر مثل الشباب، وأنه فى حالة نقلهم فهناك ما يقرب من 95% سوف يتم تشريدهم. ونوه محمد، إلى أن مهنة دبغ الجلود، يعمل بها ما يقرب من 20 ألف عامل لا يجدون مصدر رزق إلا من خلال هذا العمل الشاق، مطالبًا الحكومة وأصحاب الورش بأن يؤمنوا على حياة العمال، خاصة وأن الداخل فيها مفقود والخارج منها مولود، وأن هناك العديد من المصابين بأمراض من تلك المهنة يصرفون أجرهم على شراء العلاج ولا يتبقى لأسرهم سوى القليل من المال، والعامل إذا أتى إلى العمل وجد ما يضمن له مصاريف بيته، وإذا تغيب عن العمل أصبح عرضة للتسول. خراب بيوت وفى نفس السياق يقول رضا محمد، البالغ من العمر 45 سنة، ويعمل فى صنفرة جلود: نعيش فى بيئة غير مناسبة وأن المشاكل التى نواجهها هى فى صنفرة الجلود، نظرًا للأشياء التى تخرج من الجلود أثناء صنفرتها، وهى عبارة عن أتربة، خاصة وأننا نقف على الماكينة دون عوامل الأمن والسلامة مما يجعلنا نستنشق تلك الأتربة على صدورنا. وتابع رضا قائلاً: "إن تلك الأتربة التى تخرج من الجلود تدخل صدورنا وتسبب لنا أمراض الكحة والحساسية على الصدر والربو وخروج بلغم باستمرار نتيجة أن الجلود التى تأتى إلينا جلود ناشفة مما يجعلها تخرج أتربة كثيرة تتركز فى المكان نفسه وعلى أجسادنا وتدخل صدورنا، كما وأن تلك الجلود مضاف إليها مواد سامة ومواد غير صحية، كفيلة بأن تنهى حياة أى شخص يعمل فى دباغة الجلود لولا ستر ربنا معنا. وأشار رضا، إلى أن هناك مخاطر تواجهنا دون قصد نتيجة السرعة فى العمل التى تطلب منا، وهناك عمال كثيرة تم قطع أصابعهم أو تعرضوا لقطع أيدهم أثناء دخولها فى ماكينة الصنفرة، وهنا تكون نهاية العامل لأنه أصبح غير قادر على العمل. وأوضح رضا، أنه فى حالة حدوث إصابة لأى عامل لا يقوم صاحب ورشة بالسؤال على العامل أو حتى يتولى مصاريفه إلى أن يعود للعمل مرة أخرى، موضحًا، أنه فى حالة وجود أمراض أو إصابة يمكن أن يصرف العامل من جيبه إلى أن يتم شفائه ما يقرب من 2000 جنيه. ونوه رضا، إلى أن حقوق عمال المدابغ مهدرة وأن الحكومة منذ فترة تعمل على خنق عمال المهنة، نتيجة ارتفاع سعر الجلود، معتبرًا أن قرار نقل المدابغ من منطقة سور مجرى العيون بمصر القديمة إلى منطقة الروبيكى هو خراب بيوت.