كشف محللون مصريون وأمريكيون أن الفوز الكبير الذي حققته جماعة الإخوان المسلمين ، حتى الآن ، في الانتخابات البرلمانية قد دفع الولاياتالمتحدة لمراجعة موقفها تجاه عملية الإصلاح في مصر ، باعتبار أن أي إجراءات إصلاحية سوف تصب في صالح التيارات الإسلامية ، لكن محللين آخرين اعتبروا أنه يجب على واشنطن التوقف عن المراهنة على القوى العلمانية والليبرالية في مصر ، في ضوء أدائها المخيب للآمال في الانتخابات . وأعلنت جماعة الإخوان أن مرشحيها نجحوا في الفوز ب 13 مقعدا من الجولة الأولى للمرحلة الثاني من الانتخابات ، التي أجريت الأحد في تسع محافظات ، كما نجح 41 مرشحا للجماعة في الوصول إلى جولة الإعادة ، وحصل معظمهم على أصوات تجعلهم الأقرب للفوز في جولة الإعادة . وبهذا الفوز يرتفع عدد المقاعد البرلمانية التي حصدتها الجماعة حتى الآن في المرحلتين الأولى والجولة الأولى من المرحلة الثانية إلى 47 مقعدا ، أي أنهم ضاعفوا مرتين حتى الآن عدد نوابهم في مجلس الشعب السابق . في المقابل ، اتسم أداء الأحزاب العلمانية ، التي تفضلها واشنطن بالضعف ، حيث لم تحصل إلا على عدد من المقاعد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة وهو ما يقل كثيرا عن حد الخمسة في المائة التي تحتاجها إذا كان لها أن تدفع بمرشح في انتخابات الرئاسة. وعززت الانتخابات المصرية حتى الآن وجهة النظر القائلة إن الانتخابات الحرة والنزيهة يمكن أن تمكن الأحزاب الإسلامية من اكتساب القوة في عدة دول بالشرق الأوسط ، الأمر الذي يصب في صالح فريق في الولاياتالمتحدة يثمنون الاستقرار ، ولو مع نظم ديكتاتورية ، على حساب الديمقراطية ، التي تأتي بالإسلاميين إلى الحكم . وقال محمد السيد سعيد ، نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ، إن الأمريكيين أعادوا تقييم الموقف وخلصوا إلى أن التحول السريع والقوي للديمقراطية في مصر مستحيل وسيعمل بطريقة غير مستحبة. وأضاف سعيد أن المطلعين على بواطن الأمور في واشنطن ينصحون الآن وزارة الخارجية الأمريكية بعدم التخلي عن الحكومات العربية دون وجود بدائل واضحة وبدلا من ذلك العمل بشأن إجراء تغييرات هيكلية بعيدة الأمد وسبل التأثير على الرأي العام العربي. من جانبه ، أكد جوش ستاتشر ، المحلل المستقل الذي راقب عمليات التصويت في المرحلة الثانية للانتخابات بمحافظات الوجه البحري ، أن معظم حديث إدارة الرئيس جورج بوش عن ديمقراطية الشرق الأوسط للاستهلاك الداخلي في أمريكا ، لافتا إلى أن الحملة الأمريكية حول الإصلاح انطلقت بعد أن بدأت مبررات مبكرة لغزو العراق في فقد مصداقيتها. وأضاف ستاتشر أن " اللعبة لم تتغير كثيرا ، الولاياتالمتحدة تدعم الآن شكلا من أشكال الحكم الاستبدادي الذي تحركه بدرجة اقل عنف الدولة ، وما دام لا ينظر إلى الدولة على أنها تشتبك مع المواطنين فإنهم غير مستعدين لإعلان وجهة نظر قد تكون مثيرة للجدال. واعتبر المحلل الأمريكي أن حقيقة الموقف تشير إلى تورط الولاياتالمتحدة في عملية (تكيف استبدادي).. مغيرة الشكل ولكن ليس الجوهر." وتدعم الولاياتالمتحدة رفض الحكومة المصرية للاعتراف بالإخوان المسلمين كحزب على الرغم من أنهم أقوى قوة معارضة ، ونادرا ما يشير المسئولون الأمريكيون إلى الجماعة صراحة ، كما أكد مسئولون أمريكيون مرارا رفضهم لعقد أي لقاءات مع ناشطين بالجماعة . لكن سعد الدين إبراهيم ، أستاذ علم الاجتماع السياسي المصري الأمريكي ، لفت إلى أن الضغوط الأمريكية من اجل الإفراج عن السجناء السياسيين أدت في نهاية الأمر إلى مساعدة الإخوان المسلمين ، حيث إن بعضا ممن تم الإفراج عنهم كانوا من الأعضاء المهمين داخل الجماعة . وكشف إبراهيم ، الذي يرتبط بصلات قوية مع واشنطن ، أن المسئولين الأمريكيين "محبطون جدا" للأداء الانتخابي الضعيف لحزبي الغد والوفد ، اللذين يعدان أبرز القوى الليبرالية في مصر . وخسر ايمن نور زعيم حزب الغد مقعده في البرلمان ، رغم أنه احتل المركز الثاني في انتخابات الرئاسة بأكثر من نصف مليون صوت . واعتبر إبراهيم انه يتعين على الأمريكيين إعادة تقييم رهاناتهم على تلك القوى والتي أخفقت بشكل واضح في أن تتجسد بشكل معقول داخل البرلمان