بعيدا عن الصخب الذي انتشر أمس في الفضائيات والصحف والمواقع الإخبارية وصفحات التواصل الاجتماعي حول "الورطة" التي وجد نفسه فيها الإعلام المصري الرسمي والموالي ، بعد وصول الوفد الرسمي المصري الرفيع إلى قطاع غزة واللقاءات الأخوية الحميمية التي جرت بين الوفد وقيادات حماس ، واصطحاب الوفد الرسمي لنفر من الإعلاميين بالأمر والتكليف لإجراء مقابلات مع قادة حماس ، رغم أن نفس تلك الوجوه كانت تسب وتلعن في حماس وتتهمها بكل نقيصة وبالتورط في الدم المصري . بعيدا عن ذلك كله ، فلا ينبغي أن تنسينا "الهوجة" ذلك الجهد الصبور والعقلاني والوطني الذي قامت به المخابرات العامة المصرية طوال السنوات الماضية في هذا الملف تحديدا ، وهو جهد تجرد من "الانتهازية" السياسية التي كانت تجري في الداخل والفهلوة التي جرت حتى بين أجهزة رسمية ووزارات ، ومسلسل التهييج على حماس ومحاولة تحويلها إلى شيطان أو شماعة نعلق عليها كل الخراب الذي حدث في السنوات الماضية والدم المسفوك حتى الآن ، نأت المخابرات العامة بنفسها وبالوطن عن هذه "الهلاوس" وحافظت بذكاء على خطوط الاتصال مع القيادات الفلسطينية المختلفة ، بما في ذلك قيادات حماس والجهاد الإسلامي ، وما لا يعرفه كثيرون أنه في عز الأزمات والاتهامات وشيطنة حماس في الإعلام وفي تصريحات حكومية مصرية ، كانت المخابرات العامة تستضيف قيادات رفيعة من حماس ، وبعضهم كان يقيم بما يشبه إقامة دائمة في القاهرة في حماية الدولة. وعندما أعلنت المخابرات العامة أنها ستستضيف وفدا رفيعا من قيادة حماس العام الماضي عقد وزير الداخلية مؤتمرا صحفيا في نفس الأسبوع ليعلن فيه اتهام حماس رسميا بالتورط في اغتيال النائب العام ، وأن الأجهزة الأمنية أثبتت أن التوجيهات صدرت من هناك وتدريب القتلة تم هناك على يد كوادر حماس وأن قيادات حماس في غزة كانت تتابع العملية أولا بأول ، وأخذت "التمام" على نجاحها بعد إنجازها ، وكان الأمر وقتها كاشفا بوضوح على تباعد الرؤى بين أجهزة الدولة ومؤسساتها تجاه القضايا الوطنية الأكثر حساسية ، مثل القضية الفلسطينية ، وحتى أمس ، بعد أن استبان الأمر ، واستقبل الوزير خالد فوزي مدير المخابرات العامة بالأحضان في غزة مع الحديث العاطفي عن "الأشقاء" في حماس ، خرج أحد مذيعي الفضائيات ، وهو معروف بأنه "ميكروفون" لجهاز بعينه ، لكي يهاجم حماس ويتهمها بأنها إرهابية ومتورطة في دم الجيش المصري ، وهو كلام كارثي ، لأنه اتهام ضمني للمخابرات المصرية بالتآمر على الوطن ، ولا يوجد عاقل ولا مجنون يمكنه أن يستوعب هذا الكلام الرخيص . الحديث عن المصالحة الفسلطينية قديم ، وليس جديدا ، وكان سابقا على قصة "صفقة القرن" بسنوات ، ولكن حراكه تجدد بقوة الآن بسبب تغيرات إقليمية فرضت حصارا مشددا على الشعب الفلسطيني في غزة ، وأحرجت حماس ، السلطة القائمة في القطاع ، والمطالبة بتوفير بنية أساسية ووقود وغذاء ودواء ورواتب وفرص عمل لأكثر من مليون ونصف المليون مواطن فلسطيني في غزة أجهدهم الحصار الذي زادت وطأته ، وكان ينبغي على حماس أن تتخذ هذه الخطوة من وقت مبكر بدلا من القبول بها في حال اضطرار ، خاصة وأنها تملك قاعدة سياسية شعبية قوية في الضفة الغربية وفي غزة أيضا تضمن أن تكون جزءا أصيلا من أي ترتيبات جديدة . أعتقد أن صيغة "حزب الله" في لبنان ستكون هي الأقرب لوضع حماس في غزة ، شريك في السلطة السياسية ومؤسساتها التشريعية ، وفي الوقت نفسه تحفظ سلاحها باعتباره سلاح المقاومة ، وكلام محمود عباس عن نزع سلاح حماس هو للاستهلاك الإقليمي ليس أكثر ، فهو واقعيا لا يقوى على ذلك ، كما أن المنطقة لن تتحمل انفجارا جديدا في غزة بدون معنى ، خاصة وأن الملف الفلسطيني ما زال مفتوحا على المفاجآت ، رغم كل الحديث عن صفقات وترتيبات ، وهو يعرف كما يعرف الجميع في المنطقة أن حماس لن تتخلى عن سلاحها تحت أي ظرف . نتذكر بكل موضوعية أن المخابرات العامة المصرية نجحت في تحقيق مصالحة ، كانت حلما عربيا وفلسطينيا ، عجزت عن تحقيقه قوى دولية وإقليمية عديدة وكبيرة ، ولكن مصر من خلال هذا الجهاز المشرف أنجزتها ، وهذا ما يحسب لرجاله وتخطيطه ووطنيته. [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1