جاءت الأحكام الهزيلة على مبارك وعصابته لترجعنا إلى المربع صفر، ونعيد العد من بعد ال 18 ليبدأ اليوم التاسع عشر للثورة، ونطوى ما يقرب من عام ونصف لم تأخذ الثورة فيه شيئًا من حكم العسكر إلا ما فرضته الإرادة الشعبية وحكم الميادين. جاءت الأحكام الهزيلة لتطوى ملف الخلافات السياسية بين مختلف التيارات وتضع الجميع أمام خيار تاريخى إما الثورة وإما الثورة المضادة ورأس حربتها ممثلاً فى المجلس العسكرى واللاعب الكومبارس الذى يلعب نيابة عن غيره أحمد شفيق. جاءت الأحكام الهزيلة لتجعلنا أمام الفريق الحقيقى الذى يدير المعركة وإن حال حبسهم على ذمة قضايا أخرى دون خروجهم النهائى، إنما يبدو ما حدث تمهيدًا لأحكام البراءة للنظام بعد أن أدانت المحكمة رأس النظام ومنحته هو البراءة. جاءت الأحكام الهزيلة لتضع نهاية لما يحدث فى مصر منذ عام ونصف مضوا بخيرهم وشرهم بأخطائهم وتجاوزاتهم من مختلف الأطراف إسلاميين وثوريين ومن كان منهم بلا خطيئة فليرمى الإخوان بحجر. جاءت الأحكام الهزيلة لتمنح الجميع فرصة الالتقاء ونسيان ما مضى وفتح صفحة جديدة فى سبيل مشروع وطنى يكتَّل مختلف التيارات على الحد الأدنى المجمع عليه والمتفق عليه وهو طى صفحة نظام مبارك ليس فقط رأس النظام إنما جسد النظام الذى ما زال يحكمنا ويتحكم فينا ويفرض علينا إراداته وفلسفته ونظرته للأمور. معركة الفرصة الأخيرة هى معركة الأيام القادمة وهى معركة فاصلة فى تاريخ النضال الوطنى المصرى ضد إرث مبارك الكئيب ورئيس وزراء معركة الجمل، وهى معركة حياة أو موت للثورة، معركة لا تحتمل الخطاب المراوغ ولا أنصاف الحلول ولا تحتمل مسك العصا من المنتصف أيًا كان حجم الخلاف السابق. جاءت الأحكام الهزيلة لتشكل الخطر الداهم الذى يوحد الصفوف ويدفع لكثير من التنازلات الفكرية والعملية، فالثورة على وشك السرقة الحقيقية، والمركب كلها مهددة بالغرق، وسفينة الثورة على وشك الارتطام بصخرة المجلس العسكرى وذراعه السياسية أحمد شفيق وكوادر وأمناء الحزب الوطنى، الذى لو ظن أحد أنه تبخر فى الهواء أو تلاشى فى السماء لكان مغفلاً، هذه هى الفلول التى تحاول هزيمة الثورة وإنجاح الثورة المضادة ولا ننسى طبعا ذراعهم الإعلامية الجبارة ممثلة فى قنوات الفلول وإعلام الفلول التى ينفق عليها من المليارات التى سرقت من قوت الشعب. اصطف الباطل على باطله وتوحد وتجمع وشد أزره من أزر بعض ويعيش فعلا حالة نفسية ملحوظة بوحدة صفة وخطورة معركته، توحدت الثورة المضادة على مرشح واحد وعجز أصحاب الثورة على التوحد فى مرشح واحد. وإذا كان هذا حال الباطل والثورة المضادة فلا أقل من أن تتوحد الثورة والحق الوطنى والإسلامى والثورى على أن تعيش نفس الروح، روح المعركة وفاصليتها، بل ربما كانت المعركة الأخيرة ضد نظام الفساد والاستبداد ذلك النظام السرطانى المنتشر فى كل أرجاء الحياة فى مصر (فهو الامتداد الحقيقى لنظام مبارك). ومن المهم الخروج بالحالة الثورية من الالتقاء تحت مطارق الخطر إلى بناء حالة اصطفاف وطنى حقيقى تتوحد به الجماعة الوطنية على القسم المشترك من المطالب والحد الأدنى الذى يجمع أغلب التيارات، وأن ترتفع التيارات السياسية لمستوى اللحظة فتدع حالة الغلو فى المطالب أو الشطط فى التصورات. الموقف فعلا عجيب واللحظة فعلا حرجة، والأمر لا يحتمل التسويف، والثورة على وشك الضياع، وأهدرت أحكام القضاء دماء الشهداء أدانت القتل ولم تسم قاتلا ولم ترِه لخلو الأوراق المقدمة من النيابة من أدلة حقيقية لإثباته.