التفوق الذى حققه أحمد شفيق فى انتخابات الرئاسة لم يكن مفاجأة لى على المستوى الشخصى، بل أسررت بتلك الحقيقة لكثيرين من المقربين لى، وقبل عصر اليوم الثانى للتصويت كنت على يقين تمامًا أن أحمد شفيق سيخوض جولة إعادة مع محمد مرسى، ووصلت إلى هذه النتيجة بناء على معطيات الواقع والمنطق. لقد كفر قطاع كبير من الشعب بالثورة، إذا انتهت الثورة بمصر إلى فوضى فى كل شىء، ومجموعة من البلطجية احتلوا ميدان التحرير ونصبوا خيامهم فى وسطه مثل قطاع الطرق، وفى المساء تأتى الفضائيات ببعض هذه الوجوه وتقدمهم للجمهور على أنهم أبطال!! كان سقوط مبارك حدثًا مدويًا وتاريخيًا بكل المقاييس، فهو الطاغية المستبد الفاسد الذى أحاط نظامه بسياج أمنى شديد التحصن، قيل إنه أقوى جهاز أمنى فى الشرق الأوسط، ولم تكن قوته منصرفة لمعنى الأمن الحقيقى، الذى يعنى حفظ أمن البلاد واستقرارها وتوفير الطمأنينة للمواطنين بمنع الجريمة، وتطبيق القانون على الجميع بدون تفرقة، لكن قوته كانت منحصرة فى نقطة حفظ نظام الحكم من أن ينال منه أحد، فكان على قدر ظلمه وطغيانه يستقوى جهاز الأمن، فاختزل معنى الأمن فى مسألة واحدة هى أمن النظام وزمرته، لذلك كان سقوط هذا النظام فى ظل هذا "التحوصل" الأمنى أشبه بمعجزة. سقط رأس النظام، وتشرذمت عصاباته من هول المفاجأة، لكنه بكل أسف ما لبث أن استرد عافيته، واستجمع قواه، ونشط فى لملمة أشتاته، فنشر أتباعه ومأجورينه وعصاباته تعتصم فى الميادين بسبب وبدون سبب، وفى نفس الوقت كانت الفضائيات المملوكة لرجال أعمال النظام من اللصوص والحرامية تصنع من هؤلاء أبطالاً ومثلاً عليا، وتضفى عليهم هالة من الصفات النبيلة وكأنهم فرسان من العصور الوسطى، وتقنعنا بأنهم دائمًا على حق, فالبلطجى الذى يقاوم رجال الجيش والشرطة، والذى يحرق مؤسسات البلد، والذى يشهر بالجيش، والذين يغلقون الميادين، ويعطلون المرور، ويتسببون فى غلق المحال وأبواب الرزق، وهبوط البورصة، وفى غلق المصانع والمؤسسات الإنتاجية، و.. ، و.. ، كل هؤلاء أظهرهم الإعلام الفلولى كأبطال استثنائيين، فهذا "ناشط" وذاك "ثائر"، وغيرهم مناضلون فى سبيل "الدولة المدنية" وهكذا. وفى خط مواز كانت وما زالت البلاد تشهد حالة انفلات أمنى غير مسبوق، فكل شىء جائز، ويستطيع أى فرد أن يحتل الشارع ويبتنى فيه محلاً، أو يبنى على أى أرض زراعية أو مملوكة للدولة وبدون أى تراخيص أو موافقات، وجرائم الخطف والسطو تتم نهارًا جهارًا بدون أى رادع، وأصبحت جزءًا من حياتنا اليومية، حتى أن أغلب محلات الذهب يحجم أصحابها عن عرض بضائعهم فى الفتارين، وتمكن المجرمون من فتح ميادين جديدة لنشاطهم كالمستشفيات والمدارس ورياض الأطفال. تم كل هذا المخطط تحت غطاء إعلامى مشبوه، ونجح هذا الإعلام الفلولى العميل فى تشويه صورة الثوار الحقيقيين، الذين هبوا من كل صوب وحدب بإرادة وطنية طاهرة لإسقاط النظام الفاسد، وقدم البلطجية الذين زج بهم أذناب النظام الذى سقط، قدمهم على أنهم هم الأبطال الحقيقيون، ليس هذا وفقطْ، بل كان أغلب من يستضيفهم هذا الإعلام ك (مفكرين ومحللين وخبراء واستراتيجيين) أغلبهم من رموز النظام الفاسد الذى سقط رأسه فى 11 فبراير 2011، وكثيرون منهم كانوا أعضاء فى لجنة السياسات التى أسسها راعى دولة الفساد فى مصر نجل الرئيس المخلوع المدعو جمال مبارك، وبعضهم يحمل جنسيات غير مصرية، ومنهم من يعمل فى مؤسسات صهيو أمريكية، نجح هؤلاء فى النهاية فى إقناع الرأى العام بأن الثورة هى هذه الحالة من الفوضى فى كل شىء. النتيجة الحتمية لهذا المخطط القذر، هى أن كفر الناس بالثورة، وهناك جملة سمعتها بنفسى كثيرًا من أفواه أناس بسطاء ليس لهم أدنى علاقة بأى فصيل سياسى، وهى: "الله يرحم أيام مبارك والعادلى.. كانت البلد أحسن 100 مرة من دلوقتى". الجملة السابقة لم يرددها البعض بشكل عفوى، بل جاءت نتيجة لمخطط رهيب اجتمعت فيه كل مفردات الخسة والقذارة، ونجح هؤلاء بما معهم من أموال تسد البحور، وإعلام جبار، فى تنفيذ مخطط صهيو أمريكى رهيب. لأجل هذا، وجد أحمد شفيق ملايين تنتخبه، ومقتنعة بأن زمن مبارك كان أفضل، دون أن يفطن أحد لخطورة المخطط الذى كان يتم تنفيذه منذ سقوط النظام، ودون أن تحاول القوى الوطنية الشريفة أن تستقطب إلى صفها البسطاء المغرر بهم، بل تورط كثيرون ممن يراهم الناس من رموز الثورة، تورطوا فى هذا المخطط، خاصة الأسماء التى لم يكن أحد يسمع عنها قبل 25 يناير 2011، وهم كثيرون جدًَا. هل تستطيع القوى الوطنية الشريفة أن تقنع الناس خلال المدة القصيرة المتبقية على جولة الإعادة فى إقناع البسطاء بأنهم غرر بهم، وأن الثورة بريئة من الفوضى التى شهدتها البلاد؟ ..أتمنى ذلك؟ [email protected]