وجّه الشعب المصرى رسالة مهمة، عبر صناديق اقتراع "حقيقية" هذه المرة، لا لبس فيها ولا تزوير، ولا رئيس معروف سلفا بقدرته على اكتساح الانتخابات، كما اكتسح قلوب مواطنيه (بأساليب مختلفة كأقبية التعذيب على سبيل المثال) ليبقى "الريّس" حاكما بأمر الله إذ إنه رسول العناية الإلهية لإنقاذ هذا الوطن والمواطن من التحديات والمؤامرات (وغير ذلك من الشعارات الوطنية). كشفت الانتخابات المصرية عن حقائق داست عليها قوى الثورة أكثر من عام، وبدا الثوريون (مثقفون ومدونون) مندبة اللطم التى تنعى الثورة ودماء الشهداء لأن من حصد نتائج السباق الرئاسى اثنان هما أبعد ما يكونان عن الثورة وشباب ميدان التحرير الذين مرت عجلة التغيير على ظهورهم وأعناقهم فإذا هم خارج حسابات مرحلة "مصر ما بعد الثورة". صعود مرسى (مرشح الإخوان) وأحمد شفيق (وتهمته أنه من الفلول) تضعان مصر (وتضعنا معها) على أعتاب فهم جديد ومختلف لا يرفع (بالضرورة) الجمل الثورية وهتافات (الشعب يريد إسقاط النظام)، كأنما الشعب تعب من كل ذلك، وأنه (ليس الجميع) متفقا على ما حدث خلال فترة مفصلية فى تاريخ بلد محورى كمصر، فمرشح الإخوان جاء من الصفوف الخلفية أو وفق التعبير الكروى (من صف الاحتياط) بديلا للشاطر، ومن البديهى أن يحتشد الإخوان بما لهم من ثقل معروف وراء مرشحهم أيًا كان اسمه، لكن أن يختار أكثر من خمسة ملايين مصرى أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء حسنى مبارك، ليكون الرئيس المقبل، فهذا من مفاجآت (صيف مصر) الساخن. انحازت أصوات الأكثرية لاسمين لهما حضورهما اللافت فى الساحة السياسية المصرية (ومعها العربية) فى المرحلة المقبلة، قالت الأصوات كلمتها، ولها الحق فى احترام رغباتها طالما أن الديمقراطية تتيح لرجل الشارع اختيار مرشحه الذى يريده، بمنأى عن حسابات الربح والخسارة فى أجندة آخرين يريدون هذا أو ذاك طبقا لمتغيرات ما بعد الثورة، فهناك "إخوانجى" وآخر من "الفلول" وصلا إلى جولة الإعادة (المباراة النهائية والحاسمة)، وربما وصولا إلى "الركلات الترجيحية) التى سيحدث بعدها ما يمكن أن يبقى أشد تأثيرًا فى حاضرة العرب مما حدث خلال مراحل الثورة وسقوط النظام ومعركة كسر العظم فى فترة الدعاية الانتخابية وصولا إلى آخر جولات المعركة الرئاسية.. ماذا لو فاز شفيق؟ وماذا لو فاز مرسى؟ من لا يأمن العسكريين ورموز النظام السابق (الحرس القديم) فإنه يريد مرسى أيا كان الاختلاف معه، على اعتبار أن الطيف الواحد (مهما كانت عيوبه) سيحقق استقرارا سياسيا بعيدا عن المناكفات التى تعرفها الأوساط السياسية العربية جيدا، لكن وجود الرجل (الخبير) ورجل الدولة تحتاجه مصر فى هذه المرحلة باعتبار أن اللون الواحد سيطيب له فعل ما يراه من رؤية (أحادية) ترى أن الوقت الذى انتظرته أكثر من نصف قرن، وأن حصاد عقود من التعذيب والاعتقالات حان أوان قطف حصاده. ومن شهد على تغيير المواقف (فى مسألة الزهد بالرئاسة) فإنه سيقول بأن نار (الفلول) أرحم من جنة أصحاب الذقون الذين يريدونها دولة دينية مهما تلونت التصريحات، والخشية من نماذج (حماس) فى غزة و(طالبان) فى أفغانستان حاضرة، مهما بدا لنا أن الفوارق جد مذهلة، لكن مصر ما بعد الثورة التى اختارت (أيضا) واحدا من رجالات مبارك ليس بغريب عليها أن تدهشنا بحكومة أمامها فرصة تاريخية لتعيد إلى الأذهان شعار: الإسلام هو الحل.. إنما.. أى إسلام!! www.facebook.com/msrahby [email protected]