أغلب التوقعات كانت تروج لخوض عمرو موسى، أو عبد المنعم أبو الفتوح، أو محمد مرسى جولة الإعادة، فى حين تم استبعاد أحمد شفيق تمامًا من حسابات الكثيرين، لكن المفاجأة أن موسى وأبو الفتوح خرجا من السباق، وانحسرت المعركة فى جولة الإعادة التى ستجرى يومى 16 و17 يونيه القادم بين مرشح الإخوان د.محمد مرسى، ومرشح الفلول الفريق أحمد شفيق. ويمكن القول إن مجرد دخول "رئيس وزراء موقعة الجمل" لجولة الإعادة انتكاسة للثورة، تؤكد أن رموز طره والثورة المضادة نجحوا فى اختراق قوى الثورة، وتبديد رصيد ما عرف بالربيع العربى، بشكل وصل إلى تصويت أسر متدينة، وجامعيين ، لرجل مبارك أحمد شفيق، والذى نجح فى اللعب بورقة الأمن والقضاء على الانفلات والبلطجية خلال 24 ساعة، وهى ورقة لاقت هوى لدى الكثيرين. من يتحمل المسئولية؟ الإخوان يتحملون جزءًا كبيرًا من المسئولية عما حدث من تفتيت للصوت الإسلامى الذى ضم كتلة تصويتية فى انتخابات البرلمان بلغت 18 مليون صوت، تم تفتيتها بين أربعة مرشحين، أحدهم ورغم استبعاده وهو الشيخ حازم أبو إسماعيل، فإن البعض صوت له فى ورقة الاقتراع، والبعض قاطع العملية الانتخابية تضامنًا معه، وفريق ثان صوت لمرسى، وفريق ثالث صوت ل"أبو الفتوح"، وفريق رابع صوت ل"العوا". الانقسام الإسلامى هو السبب الرئيسى فى دخول شفيق جولة الإعادة، وعدم حسم المعركة الرئاسية من الجولة الأولى لصالح مرشح إسلامى واحد فى حال تم التوافق عليه، والخلاف السياسى بين الإخوان والسلفيين وذراعيهما السياسيتين كان بداية لهذا التصدع الذى نجح فى استغلاله مرشح الفلول. أما السبب الثانى وراء دخول شفيق جولة الإعادة فهو يتماس مع السبب الأول، ويتعلق بتشتت قوى الثورة، وتقدم أكثر من مرشح يقدم نفسه للشارع المصرى أنه مرشح ثورى، الأمر الذى وضعنا أمام 8 مرشحين هم "مرسى، أبو الفتوح، العوا، حمدين، الأشعل، والبسطويسى، خالد على، الحريرى"، فى مواجهة "فلين" هما مرسى وشفيق، وكانت النتيجة خروج 7 منهم من السباق، وتأهل واحد فقط بفارق ضئيل عن مرشح جهاز أمن الدولة. دلالات واضحة اللافت فى السباق الرئاسى أن 21 مليون مصرى أدلوا بأصواتهم فى انتخابات الرئاسة من إجمالى 51 مليون لهم حق التصويت ما يعنى أن30 مليونًا مازالوا تابعين ل"حزب الكنبة"، يضاف إلى ذلك ومقارنة بانتخابات البرلمان التى حظيت بمشاركة 31 مليون ناخب أن 10 ملايين أحجموا عن المشاركة فى انتخابات الرئاسة ممن شاركوا فى السباق البرلمانى، وهو تصويت عقابى له دلالاته. الدلالة الأولى أن قطاعًا ليس هينًا لا تشغله سوى "لقمة العيش" بدأ يتذمر من الثورة، وطول الفترة الانتقالية، وتواصل المظاهرات والاعتصامات والمليونيات بشكل أفقد ميدان التحرير بريقه، وخصم من رصيد الثورة التى كان يتغنى بها الكثيرون فأصبحت موضع ازدراء ونقمة. الدلالة الثانية أن نسبة كبيرة من المصوتين للإسلاميين فى انتخابات البرلمان لم يعجبهم أداء الإخوان والسلفيين سواء تحت القبة، أو فى أزمة اللجنة التأسيسية، أضف إلى ذلك أزمات البوتاجاز والسولار وغيرها، ما جعل رجل الشارع يطرح هذا السؤال "ماذا فعل لنا الإسلاميون"؟! الدلالة الثالثة أن الإخوان فقدوا 6 ملايين صوت كانت قد منحت لهم فى سباق البرلمان الذى حصلت فيه قائمة الحرية والعدالة على 12 مليون صوت، والأخطر من ذلك أن مرشحهم خسر فى معاقل تاريخية للجماعة مثل الشرقية والدقهلية والغربية، وخسروا فى بنى سويف ومرسى مطروح ودمياط لصالح أبو الفتوح، ما يعنى أن الجماعة فى حاجة ماسة لإعادة ترتيب أوراقها وترميم البيت من الداخل، ورأب الصدع مع أبو الفتوح لصالح الحركة والوطن. الدلالة الرابعة أن نزعة التمرد تتزايد داخل التنظيمات السياسية، سواء داخل الإخوان أو السلفيين، وتفوق المرشح الناصرى حمدين صباحى فى الإسكندرية معقل الدعوة السلفية له دلالاته، وبات مبدأ السمع والطاعة يتعرض لاهتزازات، وتصدعات، وهو أمر يحتاج مراجعة وخطاب وآليات جديدة تتماشى مع روح الثورة، وما يجب أن يستتبعها من تطور فى آليات ومناهج وأسلوب تفكير الجماعات والأحزاب الإسلامية. الدلالة الخامسة أن مدفعية التوك شو أفقدت الإخوان والسلفيين الكثير بريقهم، وأن الإسلاميين يقفون موقف الدفاع دومًا أمام الآلة الإعلامية التى يمتلكها الليبراليون، وأن نظرة بعض القيادات والمشايخ للإعلام ووصفه بأنه "سحر" يجب أن تتغير، وأن تترسخ القناعة بأن الإعلام شريك فى الثورة، وأن المشروع الإسلامى فى حاجة ماسة ل"مدفعية توك شو" قوية، وآلة إعلامية مهنية احترافية بعيدًا عن الشللية، تستطيع أن تكون قوة ردع تتصدى ل"السحرة"، وتلقف ما يأفكون. قراءة المشهد الرئاسى تحوى فى طياتها الكثير من الدلالات والرسائل ذات المغزى، ومعركة الإعادة لها حسابات خاصة، وتكتيكات مختلفة، تتطلب خطابًا توافقيًا من الإخوان، ولغة تصالحية مع الجميع، وصفحة جديدة مع أبو الفتوح وحمدين واللذين حصدا 8 ملايين صوت، من المؤكد أن الإخوان فى حاجة ماسة لها، مع الأخذ فى الاعتبار أن كتلة عمرو موسى ستصوت ل"شفيق"، وأن الفلول سيحتشدون فى معركتهم الأخيرة والفاصلة لهم ولنا.