لم أتصور أن يصل الإسفاف إلى حد توظيف مباني المساجد وأسمائها في الصراعات السياسية العابرة ، ولكن هذا مع الأسف هو الذي حدث على يد وزارة الأوقاف المصرية ، التي أرادت أن "تجامل" الرئيس في الأزمة التي نشبت بين دولة قطر وعدد من دول الخليج العربي وبعض الدول العربية ومنها مصر ، فتورطت في سلوكيات مشينة ، لا ترجو لله وقارا ، ولا تحترم قدسية بيوت الله وحرمتها ، كما لا تحترم شروط الأوقاف التي يفترض أنها أمينة عليها ، وذبحتها ذبحا كقربان لنفاق سياسي لم يطلبه منهم أحد . لقد أذهلني ما قرأته من أن مديرية الأوقاف بالبحيرة قررت تغيير أسماء عدد من المساجد بالمحافظة، التي أُنشئت بتمويل من مواطنين من دولة قطر ، وتحمل أسماءهم ، وأن لجنة موسعة من مديرية الأوقاف قامت بإزالة لافتات 24 مسجدا من مساجد بمركز أبو حمص وأتت بلافتات أخرى تحمل أسماء الله الحسنى، وأسماء الشهداء والشخصيات العامة المصرية. وكما ورد على لسان وكيل وزارة الأوقاف بمحافظة البحيرة، الشيخ محمد شعلان، قوله إنه جار حصر جميع المساجد والمؤسسات الدينية التي تحمل أسماء مواطنين من قطر لتغييرها على الفور، تدعيما لجهود الدولة في مواجهة الإرهاب، خاصة مع قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وفق قوله الأسطوري في فجاجته . وأضاف الأخ شعلان أنه تم تشكيل لجنة من إدارة أوقاف أبو حمص؛ ضمت مدير الإدارة ومفتش المساجد والإدارة الهندسية والتفتيش والمتابعة، لإزالة اللافتات القديمة التي تحمل أسماء مواطنين قطريين ، واستبدال أخرى بها ، وأشار إلى تغيير أسماء 24 مسجدا أقيمت بتبرعات رجال أعمال قطريين، وتحمل أسماء قطرية تخليدا لذكراها ، وكشف "الداعية الجليل" أن أشهر المساجد التى تم تغيير أسمائها مسجد مبارك يوسف الكوري بقرية الزنط، وتم تغيير اسمه إلى مسجد الشهيد يوسف البنا، ومسجد نورا بنت آل خاطر بقرية أبو عرب، وتم تغيير اسمه إلى مسجد التقوى، وكذلك مسجد عبد الله أحمد آل سعود بقرية الصالحية إلى المسجد الكبير، ومسجد محمد بن سعود آل عبد الرحمن بقرية زكي أفندي إلى مسجد السلام. ولزيادة الطين بلة ، دافعت عضوة برلمانية في لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب عن هذا القرار، وقالت النائبة أمل زكريا إنها خطوة على الطريق لتقليص النفوذ القطري داخل مصر ، أي والله ، هكذا نقلت الصحف عنها . لا أعرف أي وجه للمعقولية لمعاقبة سيدة قطرية أو خليجية أنفقت جزءا من مالها قبل عشرين عاما لإقامة بيت من بيوت الله يحمل اسم زوجها الراحل ويكون وقفا شرعيا لعل حسناته تصل إليه ، ما دخل تلك السيدة بالأزمة المصرية القطرية الحالية ، ولعلها توفيت الآن وأصبحت في ذمة الله ، وما ذنب رجل نبيل أراد أن يجري وقفا على روح زوجته الراحلة أو أمه ببناء مسجد يحمل اسمها ، أو آخرون يتقربون إلى الله ببناء مساجد التماسا لبركتها وإيمانا بأحاديث للنبي الكريم تعد من يبني لله بيتا أن يعوضه بيتا أفضل منه في الجنة ، ما دخل هذه الروح الدينية الخالصة والمتبتلة في صراع سياسي هنا أو هناك ، وما هو النفوذ القطري أو غير القطري في مسجد يتم تسليمه للدولة لتديره وتشرف عليه وتحدد خطباءه ووعاظه بمعرفتها ودون أدنى تدخل في الأمر ، هل يصل الإسفاف إلى هذا الحد ، هل يصل النفاق الرخيص إلى حد الاعتداء على قدسية المساجد والتنكيل بذكرى من بنوها أو أسمائهم ، رغم أنهم مواطنون عاديون لا صلة لهم بأي خلاف سياسي أو غير سياسي ، وأغلبهم أفضى إلى ربه قبل أن يكون هناك أي خلاف أساسا بين الأشقاء في الخليج ، أو بين مصر وغيرها . أرجو أن يكون هناك عقلاء في هذا البلد يوقفون هذا التهريج الذي يتورط فيه البعض في وزارة الأوقاف ، بل وأطالب بإخضاع من جرؤ عليه للتحقيق حول فعلة السوء التي فعلها ، وأرجو أن يكون للأزهر الشريف وهيئة كبار العلماء موقف مع وزارة الأوقاف وسلوكياتها النفاقية الرعناء التي تشوه سمعة المؤسسات الدينية في بلادنا ، بل وتشوه سمعة البلد نفسه . أبعدوا المساجد عن العبث السياسي ، ونزهوا بيوت الله عن التجارة الرخيصة . [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1