تعدد القصف الذي تعرضت له مدينة درنة في شرق ليبيا ، وذلك بعد الحادثة الإجرامية التي راح ضحيتها عشرات من المواطنين الأقباط في حافلة بالمنيا ، وتعهد الرئيس عبد الفتاح السيسي بالثأر للضحايا ، فقامت الطائرات الحربية المصرية بقصف درنة ، وقلت في حينه أن هذا يمثل الذهاب إلى العنوان الخطأ لمحاربة الإرهاب ، لأن درنة ليس فيها دواعش ، بل إن درنة وثوارها هم الذين خاضوا المعركة الأهم والحاسمة مع إرهابيي داعش وسحقوهم وشتتوهم في الصحراء وطهروا المدينة من وجودهم بالكامل ، وبالتالي فعندما نذهب لنقصف تلك المدينة تحديدا ، فنبدو وكأننا نقدم جميلا للتنظيم الإرهابي الذي تبنى عملية المنيا ، أضف إلى ذلك أن مدينة درنة محاصرة بالكامل من جميع جهاتها ، بما فيها البحر ، بقوات الجنرال خليفة حفتر المتحالف مع السيسي ، فإذا خرجت أي سيارة أو مجموعة من هناك فيسأل عنها حفتر أولا ، كيف خرجوا . الملف الليبي معقد ، وهناك انقسامات واسعة ، بين الشرق والغرب والجنوب ، وتحالفات للقبائل ضد بعضها البعض ، وهناك جيشان في ليبيا ، جيش حكومة الوفاق في طرابلس بقيادة المهدي المبرغثي وزير الدفاع ، وجيش مجلس نواب طبرق بقيادة خلفية حفتر ، ناهيك عن عشرات الكتائب المسلحة في الشرق والغرب والجنوب لها استقلال تسليحها وقيادتها وحساباتها السياسية ، أمام هذا "المستنقع" يحتاج التحرك المصري إلى شيء من التروي والحكمة وبعد النظر ، وليس الاستجابة للتوتر العارض أو ردود الأفعال أو الرهان على أشخاص ، لأنه ليس من مصلحتك أن ترمي بثقلك خلف قوة بعينها على حساب الآخرين ، لأن كل ما تربحه هنا أن تصبح جزءا من المشكلة والأزمة ، وليس جزءا من الحل ، وتخرج مستقبليا من الحسابات الأهم لأي تسوية سياسية وتقاسم النفوذ وحصص المصالح . كانت مصر مندفعة في البداية لتأييد خليفة حفتر ، وحذرنا من ذلك حينها ، وناشدنا القيادة السياسية أن تفتح جسور التواصل مع الجميع ، وهذا ما حدث بعد ذلك ، فتم فتح قنوات اتصال مع القيادات المعارضة لخليفة حفتر في طرابلس ، وبدت مصر على أعتاب مرحلة جديدة ، كوسيط وأخ أكبر لمجموع الليبيين ، وبدأت القاهرة تستقبل شخصيات من كل الأطراف ، حيث يحمل الليبيون بشكل عام احتراما كبيرا لمصر الجارة والشقيقة الأهم ، فضلا عن تداخل العائلات والقبائل والعشائر مع مصر في الشرق الليبي خاصة ، حتى أتت واقعة المنيا فبدا أن هناك من تحمس لخليفة حفتر من جديد ، ووقع المحذور حيث أصدرت الحكومة الليبية في طرابلس ، حكومة الوفاق المعترف بها دوليا ، بيانا نددت فيه بالهجمات المصرية على درنة ، وحذرت من خطورتها وأنها بصدد رفع شكوى لمجلس الأمن . ليبيا معقدة عسكريا ، وهناك إجماع دولي على أن الحسم العسكري مستحيل فيها ، لأن القوى متكافئة والسلاح عند الجميع ، ومصادر التسليح أيضا سهلة وميسورة للجميع ، سواء من دول الجوار أو من قوى إقليمية ودولية ، رغم الحظر الرسمي على توريد السلاح لليبيا ، وخليفة حفتر مغروز في مدينة بنغازي منذ ما يقرب من ثلاث سنوات وهو عاجز عن حسم الأمور فيها ، مدينة واحدة ، فكم يستغرق الوقت لكي يبسط سيطرته كما يتصور البعض على بقية المدن الليبية في الشرق والغرب والجنوب ، والتعقيد في ليبيا ليس عسكريا فقط ، بل سياسيا أيضا ، لأن هناك رؤية أمريكية تختلف عن الرؤية الأوربية ، التي يتزعمها بالأساس فرنسا وإيطاليا ، كما أن روسيا ترتب أمورها وتحشد على فترات قطعاتها البحرية بالقرب من السواحل الليبية لتقول : أنا هنا ، وجميع هؤلاء يتعاملون بحذر شديد وحكمة تصل إلى حد التردد مع الملف الليبي ، فلماذا نحن في مصر نندفع ونرمي رهاننا على شخص ونجازف بالانخراط في القتال هناك ونتحمل ثمنا قد يكون باهظا على مستقبل البلاد وأمنها وعلى مصالحنا المستقبلية أيضا في هذا البلد الجار والمهم . [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1