"رأسه يكاد يمس ظهر الناقة"، يا الله، ودخل مكة وهو راكب ناقته مطأطئ الرأس خاشعًا حتى ليكاد رأسه يمس ظهر راحلته.. وللسيرة النبوية مئات الكتب، قديمة جدا، وحديثة أيضًا، وللسنة النبوية مسانيد وكتب صحاح، وبعض الشيوخ- أقول بعض وليس كلا- ممن تصدروا مشاهد الثورة، يعرفونها كما يعرفون أبناءهم، إلا موقفا واحدا، وجملة رائعة الحسن والجمال، من النبى البشر حائز الكمال صلى الله عليه وسلم، وهى معروفة للجميع، لكن ينساها دعاة بدلوا جلابيب السلف إلى رابطات عنق الخلف، فحينما دخل مكة بأبى هو وأمى وولدى، قال لكفار قريش"يا معشر قريش، ما تظنون أنى فاعلٌ بكم؟ "قالوا" أخ كريم وابن أخ كريم". قال: "اذهبوا، فأنتم الطلقاء".. وخذ بالك: المقولة كانت لكفار قريش، يعنى الذين عذبوا المسلمين، وسرقوا أموالهم، وحاصروهم فى شعب مكة، وآذوهم، بل منهم من وقف فرحًا مسرورًا، يشاهد على الهواء مباشرة حجرا ثقيلا فوق صدر مؤذن هذه الأمة بلال بن رباح رضى الله عنه، وبلالٌ يردد"أحد أحد".. ومن هؤلاء أيضا من شتموا محمدا صلى الله عليه وسلم، وتآمر على اغتياله، وألب القبائل على حربه، وشارك فى الخيانة مع اليهود، وقتل المسلمين صبرا وتنكيلا، يعنى كانوا مجرمى حروب، وكانوا صناديد كفر-بحسب مصطلحات المؤلفين القدامى- وعلى الرغم من كل هذا.. قال المبعوث رحمة للعالمين: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، لم يقلها لمجرد الرحمة المطلقة، بل قالها كذلك لبدء بناء دولة باقية خالدة ستكون كالشمس للدنيا، والعافية للبشر، وهو حينما قالها، لم يكن يخشى أن يصبح أولئك الكفار الذين عفا عنهم فلولا، ولا بقايا نظام ساقط، بل إن منهم من سارع وركب البحر الأحمر هربا من دخول المسلمين مكة، وقد عفا عنهم، وعفا المسلمون عنهم.. فكانت دولة عظيمة. محمد سيد الكونين والثقلين والفريقين من عرب ومن عجمِ فانسب إلى ذاته ما شئت من شرف وانسب إلى قدره ما شئت من عظمِ هل عرفت كيف بنى سيد الكونين والثقلين دولة، وكيف أدب رجالا، وسطر دستورا مجتمعا فوق حروف كلمة الأخلاق؟ أتذكر هذا الذى رفض صفقة الشمس والقمر موضوعين عن يمينه وشماله، وأنا أتابع توعدات رفقاء الاضطهاد لبعضهم البعض، ومعاملتهم كل من ينتقد تصرفا لهم على أنه ضد الثورة كلها، بل أحدهم يعتبر فيديوهاته يوم موقعة الجمل، وكأنه واحد ٌمن (ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا) شاركوا وشهدوا غزوة بدر، فيظل يَمُنُّ على بقايا شركائه، ويعايرهم ويستعدى الناس، ويضر بمرشحه، ويزيد فى بذاءة لا تليق بلحية. أتذكر كامل الأوصاف الذى كانت الدنيا ظلاما حوله، وهو يهدى بخطاه الحائرينا- صلى الله عليه وسلم- وأنا مصدوم وغير مصدق، أن نوابا ذاقوا ظلم السجن والاعتقال، يعطلون قانون العفو، الذى سيستفيد منه سجناء حاليون لرفقاء نفس المشروع بسبب خلاف على مرشح رئاسي، لا أصدق الخبر المنشور أمس الأول بالمصريين، وكم أتمنى لو كذبوه. خلاصة مقصدى، أنه لن تنالوا الدولة والتمكين، حتى تنفقوا من مخزون العفو والصفح، لو أنكم تملكون من هذين الصنفين النادرين جدا. [email protected]