لم تشكل نتائج الانتخابات التمهيدية التي أجرتها حركة "فتح" لاختيار قائمة مرشحيها للانتخابات التشريعية مفاجأة لكل من يتابع الشأن الفلسطيني، وتحديداً التطورات داخل حركة "فتح". فقد كان من المتوقع أن تحقق القيادات الشابة وقادة العمل المسلح في الحركة فوزاً ساحقاً على "الحرس القديم" من أعضاء مجلس اللجنة المركزية للحركة، والوزراء و النواب الذين يمثلون الحركة في البرلمان الحالي. ويمكن ببساطة وصف نتائج الانتخابات التمهيدية بأنها تمثل احتجاجاً على الطريقة التي تُدار بها شؤون الحركة، وحجباً للثقة عن القيادات التي تتولى إدارة دفتها. فبالنسبة لجماهير حركة "فتح" فقد ارتبط "الحرس القديم" بقضايا الفساد التي عصفت وتعصف بالسلطة الفلسطينية، إلى جانب تحميل "الحرس القديم" المسؤولية عن حالة الجمود الذي حول الحركة إلى جسد ميت. لقد دللت النتائج -بما لا يقبل مجالاً للشك- على أن انعدام الفصل بين "فتح" والسلطة قد أدى للمسّ بثقة الجمهور الفتحاوي بقيادات الحركة الذين يتبوؤون مناصب في السلطة الفلسطينية؛ فبالنسبة لجمهور حركة "فتح" كما هو بالنسبة للرأي العام الفلسطيني، فإن هذه القيادات تتحمل المسؤولية الكاملة عن كل الإخفاقات في عمل السلطة الفلسطينية ومؤسساتها المختلفة. وتدلل نتائج الانتخابات على التفاف جماهير الحركة حول خيار المقاومة في مواجهة الاحتلال. فالتصويت الجارف لمروان البرغوثي أمين سر الحركة الذي يقضي حكماً بالسجن المؤبد خمس مرات في سجون الاحتلال، لم يكن فقط لشخص البرغوثي، بل تعبيراً عن الثقة بخط المقاومة الذي سلكه مروان وقاده داخل الحركة ، حتى دفع حريته ثمناً له عندما زُجّ به خلف قضبان سجون الاحتلال البغيضة . ونجاح العديد من قادة "كتائب شهداء الأقصى" الجناح العسكري للحركة الذين تعرضوا دوماً لانتقادات القيادات المتنفذة في الحركة بسبب إصرارهم على مواصلة عمليات المقاومة ضد الاحتلال، إنما يدلل بشكل لا يقبل التأويل على أن جماهير "فتح" قد حجبت ثقتها عن الذين لا يعنيهم إلا تأمين مصالحهم الخاصة. إلى جانب ذلك فقد دلت نتائج الانتخابات على احتجاج الجمهور الفتحاوي على الكيفية التي تُدار بها الأجهزة الأمنية الفلسطينية. وقد تجسد ذلك عندما فاز العقيد ماهر فارس مدير الاستخبارات العسكرية في مدينة نابلس بعدد كبير من الأصوات، على الرغم من أنه رفض الانصياع لأوامر وزير الداخلية اللواء نصر يوسف، بالاستقالة من منصبه بسبب قيامه بتوجيه انتقادات حادة ليوسف، واتهامه له بالتواطؤ في اغتيال اللواء موسى عرفات مدير الاستخبارات العسكرية في الضفة والقطاع، مع العلم أن اللواء يوسف هو عضو في اللجنة المركزية للحركة. وعلى صعيد مستقبل الأمور في قيادة الحركة، فقد دللت نتائج الانتخابات على أن مروان البرغوثي هو المرشح الطبيعي لخلافة محمود عباس في قيادة الحركة في حال تم إخلاء سبيله من سجون الاحتلال، وهذا يعني أن هذه الانتخابات تؤذن بغياب واسع لقيادات الحرس القديم من المسرح السياسي الفلسطيني في المستقبل غير البعيد. وواضح تماماً أن انعقاد المؤتمر العام السادس للحركة ، العام القادم سيشكل منعطفاً تاريخياً في حياة الحركة؛ إذ من المتوقع أن يتم تكريس هذا المؤتمر للتخلص من قيادات الحرس القديم وإلى الأبد.لكن على الرغم من كل هذه الدلالات الهامة لنتائج الانتخابات التمهيدية في الحركة، فإن هناك تخوفاً من أن تؤدي هذه النتائج تحديداً إلى تفاقم أزمة الحركة، بدلاً من حلها. فعلى سبيل المثال فقد أعلن معظم قيادات الحركة الذين يشغلون مقاعد في البرلمان الحالي وأخفقوا في الانتخابات التمهيدية بأنهم عازمون على خوض الانتخابات التشريعية التي ستُجرى في الخامس والعشرين من يناير المقبل كمستقلين، على الرغم من قرار المجلس الثوري للحركة الذي انعقد مؤخراً، والذي نص على وجوب طرد كل عضو من أعضاء الحركة في حال ترشح في الانتخابات كمستقل. لكن مما لا شك فيه أن أكبر ما يهدد الحركة بعد الانتخابات هو تطبيق أحد قرارات المجلس الثوري في اجتماعه الأخير، والذي لا يجعل أي قيمة للانتخابات التمهيدية التي أجرتها الحركة. وينص هذا القرار على أن تفرز الانتخابات التمهيدية (264) مرشحاً هم ضعف عدد نواب المجلس التشريعي، على أن تقوم لجنة عليا برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس باختيار (132) مرشحاً من هؤلاء المرشحين وإدراجهم في قائمة الحركة للانتخابات التشريعية. وهذا يعني أنه لن يتم اختيار مرشحي الحركة حسب ما حققوه من أصوات في الانتخابات التمهيدية، بل حسب تقدير ومعايير أعضاء اللجنة العليا برئاسة أبو مازن. أبو مازن وأعضاء اللجنة المركزية فسروا هذا القرار بالقول: إنه ليس بالضرورة أن كل من يختارهم جمهور حركة "فتح" في الانتخابات التمهيدية يكونون معروفين لجماهير الشعب الفلسطيني. وواضح تماماً أن تطبيق هذا القرار الغريب يعني تكريس الأزمة والانشقاقات داخل الحركة، فليس من المعقول أن يقبل المرشحون الذين حازوا على ثقة الجمهور استبعادهم من قائمة المرشحين، وتقديم أشخاص لم يحظوا بثقة أعضاء الحركة، لمجرد أن أعضاء اللجنة العليا يرون أن هؤلاء المرشحين غير معروفين بالنسبة لبقية جماهير الشعب الفلسطيني. وواضح تماماً أن حركة حماس المنافس الرئيس ل"فتح" في الانتخابات القادمة ستكون أكثر المستفيدين من الواقع الجديد. فهناك مؤشرات واضحة من الكثير من قيادات الحركة الذين أخفقوا في الانتخابات التمهيدية بأنهم عازمون على عدم القيام بدور في الحملة الانتخابية للحركة، وبالتالي فإنه من المتوقع أن يكون أداء "فتح" في هذه الانتخابات غير جيد، لكن مما لا شك فيه أن تحقيق هذا (السيناريو) يتوقف على طبيعة قائمة المرشحين التي ستقدمها حركة حماس للجمهور الفلسطيني. وواضح تماماً أن الفرز لن يكون فقط على أساس البرامج السياسية المختلفة على الرغم من أهميتها، بل أيضا هناك أهمية قصوى للانطباع الذي يتركه المرشحون لدى عموم الجمهور الفلسطيني. المصدر الاسلام اليوم