الحكومة تبدأ تنفيذ مشروع أحمد نظيف في سرية بالتعاقد مع مستثمرين عرب ودوليين الفكرة قائمة على إزالة مقابر الفقراء وتحويل مقابر الأثرياء إلى «مزارات سياحية» المشروع يهدد مقابر ناصر والعندليب ومشرفة والسباعى والجبرتى وابن خلدون.. ويجدد مقابر السادات ومبارك والعادلى وسرور وفاتن حمامة ونور الشريف! شركات دولية تبدأ بناء مليون مقبرة بالجيزة وأطراف القاهرة لنقل رفات الموتى سكان المقابر: أبلغونا بالإزالة.. وشركات أجنبية تتفقد المقابر لعمل مسح شامل
فكرة وصفت ب"الشيطانية" وقت أن طرحتها حكومة أحمد نظيف، رئيس الوزراء في عهد مبارك، منذ ما يزيد على 15 عامًا، وهى نقل مقابر وسط القاهرة بالكامل إلى الأطراف لاستغلال المساحات الشاسعة التي يرقد فيها الأموات والأحياء معًا في سلام وتحويلها إلى مساحات خضراء جميلة كما قيل في البداية، إلا أن الصمت سرعان ما خيم على المشروع بعد الهجوم الذي لاقته الفكرة وصعوبة تنفيذها، إضافة إلى تأكيد دار الإفتاء في أكثر من فتوى عدم جواز نقل المقابر ورفات الأموات بدون سبب شرعي.. وها هى حكومة المهندس شريف إسماعيل تعيد طرحها من جديد وبقوة.. بل وتأخذ أولى خطوات التنفيذ في هدوء وصمت يبدو معه وكأن الأمر سرى للغاية حتى تتمكن الحكومة منه! ووفقًا لمعلومات أكيدة حصلت عليها "المصريون"، فقد بدأت الحكومة طرح مقابر "الغلابة" بوسط القاهرة للبيع على كبار المستثمرين، لسد العجز في الموازنة، تحت ستار إحياء مشروع "تطوير القاهرة التاريخية"، رغم كل ما يحيط بالمشروع من شبهات ومشكلات وعراقيل ربما يأتي ضمن أخطرها أن هذه القبور يقيم بها أكثر من 1.5 مليون نسمة، إضافة لعدد كبير من مقابر وأضرحة الشخصيات التاريخية من فنانين وحكام وشخصيات تراثية وأولياء صالحين وأفراد من الأسر الحاكمة وغيرهم من الشخصيات الشاهدة على تاريخ قاهرة المعز، بينما تؤكد المعلومات أنه على الجانب الآخر سوف يتم تحويل مقابر الأثرياء وكبار رجال الدولة إلى "مزارات سياحية" مثل مقابر عائلة مبارك وأحمد فتحي سرور وزكريا عزمي وصفوت الشريف وكذلك عائلة السادات وبعض الفنانين أمثال حسين فهمي ونور الشريف وفاتن حمامة وغيرهم. «المصريون» تنفرد في هذا التحقيق بتفاصيل خطة الحكومة لبيع مقابر «الغلابة» بوسط القاهرة. «الميت ملوش حرمة» «الميت له حرمة، ولكنه فى مصر للتربح».. بهذه الكلمات عبر عبد التواب رشيد، «تربي» مقابر الغفير بالدرب الأحمر عن شعوره بالمأساة، مضيفًا أن محافظة القاهرة ترتكب حاليًا جريمة غير مسبوقة في التاريخ وهى بيع المقابر الموجودة وسط العاصمة وطرحها للمستثمرين ورجال الأعمال للتربح من جثث الموتى. وأضاف عبد التواب، أن هذه المقابر تضم رفات آلاف الشخصيات التاريخية مثل حكام وقضاة ووزراء مصر منذ الفتح الإسلامي حتى العصر الحديث، كما تضم بعض رفات الصحابة، وما قبل الصحابة، وفى مقدمتهم أصحاب وحواري سيدنا يوسف عليه السلام، فكيف تسمح الدولة بانتهاك حرمة الأموات بعيدًا عن الرموز التاريخية. وأشار عبد التواب إلى أن هذه المقابر يقيم بها أكثر من 1.5 مليون نسمة، بعد أن فشلت الدولة في توفير مسكن لهم، متسائلاً: "كيف تتصرف الدولة مع سكان المقابر وهل سيتم إلقاؤهم في الشارع كما حدث في زلزال 1992؟". وشدد عبد التواب على أن سكان المقابر لن يغادروا أماكنهم إلا جثثًا هامدة. «مقابر لها حصانة» «أم كامل» 68 عامًا من سكان المقابر بترب الغفير أكدت أن الحكومة "طمعانة فى مقابر الغلابة"، ولكنها لا تجرؤ على الاقتراب من مقابر الأثرياء لأنها ببساطة مقابر لها حصانة – حسب وصفها. وشددت أم كامل على أنها لن تخرج من مقبرتها إلا وهى جثة هامدة، قائلة: «هنروح فين.. إحنا غلابة وماعندناش سكن ولا مأوى غير التربة دي، ولو عاوزين يخرجونا لازم يدونا شقة بديلة». وأشارت إلى أن المسئولين بمحافظة القاهرة أبلغوهم بمشروع إزالة المقابر وأنهم يقومون حاليًا بعمل مسح شامل وخريطة جديدة للمنطقة. «شركات أجنبية» الحاج محمد سلامة 56 عامًا، أكد أنه يقيم بمقابر الإمام الشافعي منذ 25 سنة بعد أن ضرب زلزال القاهرة 1992 منزله القديم بمنطقة الخليفة. وأضاف: عشت مع زوجتي في الخيام التي أقامتها محافظة القاهرة أكثر من 3 أشهر، رغم أنى كنت عريسًا جديدًا ولم يمر على زواجي 8 أشهر تقريبًا، وبعد أن تخلت عنا محافظة القاهرة تمامًا اضطررت إلى الذهاب إلى حوش جديد بمقابر الإمام الشافعي وأقمت فيه مع زوجتي وأنجبت داخل هذا القبر ثلاثة أطفال وجميعهم الآن في مرحلة الشباب. وأضاف: "الحكومة لا يهمها سوى الربح وجمع الأموال ولو كان على حساب الغلابة، فأين نذهب وهل نعود إلى الشارع مرة أخرى، بعد أن قررت الحكومة بيع أرض المقابر لرجال الأعمال". وأكد سلامة أن هناك بعض الشركات المحلية والأجنبية تقوم حاليًا بالمرور على المقابر بحجة عمل مسح شامل لإعادة تطويرها كما يقولون إلا أن الحقيقة أن المسح هدفه إزالتها وإعادة بيع أرضها للمستثمرين العرب والأجانب. «مقابر الأثرياء والغلابة» أما بالنسبة لمقابر الأثرياء التي قررت الدولة إعادة تطويرها على حساب مقابر الفقراء، فيأتي في مقدمتها مقابر مدينة نصر، وبعض مقابر الإمام الليثى والتى تضم بعض مقابر الأسرة الملكية، والتى تنوى الحكومة إزالة بعض المقابر العشوائية منها، وإبقاء بعض المقابر الأثرية فقط. وخلال جولتنا داخل مقابر مدينة نصر، وجدنا أنها تضم مقابر عائلة مبارك، وهى عبارة عن مقبرتين كبيرتين تتجاوز مساحتهما ألف متر، وتضم صالة كبيرة لاستقبال الزوار، واستراحات وساحة لانتظار السيارات، وتحيط بها أسوار شاهقة تعلوها كشافات إضاءة مستوردة من الخارج، وبداخلها أشجار من الأنواع النادرة يأتي في مقدمتها أشجار الورد، كما أن لكل مقبرة بوابة حديدية ضخمة، مزودة بزجاج عاكس للرؤية، أما حوائط المقبرة فقد تم بناؤها بالطوب الوردي، وتم تبطينها بأجود أنواع الرخام والجرانيت المستورد من الخارج. وبعد مقابر أسرة مبارك بأمتار قليلة نجد مقبرة الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب الأسبق، يليها مقبرة صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى، ووزير الإعلام الأسبق، وبجوارهما مقبرة الدكتور زكريا عزمي رئيس ديون رئاسة الجمهورية. كما تضم مقابر مدينة نصر مقابر عائلة السادات المملوكة لبناته الثلاثة رقية وراوية وكاميليا، بالإضافة إلى مقابر عائلة أشرف مروان، ومقابر الدكتور عاطف صدقى رئيس وزراء مصر الأسبق، ومقبرة المستشار فاروق سيف النصر وزير العدل الأسبق. لم تقتصر هذه المقابر على الوزراء فقط، وإنما ضمت عددًا من المشاهير والفنانين ورجال الأعمال من أبرزهم مقابر أسرة الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، ومقبرة ممدوح الليثى وزير الإعلام الأسبق، ومقبرة الشيخ شمس الدين عبد الله الفاسى شيخ مشايخ الطرق الصوفية الأسبق. كما تضم مقابر حبيب العادلى وزير الداخلية الأسبق، ومصطفى قدري وعائلة نور الشريف، ومقابر عائلة الفنان حسين فهمى، والتى تضم رفات والدهم محمود باشا فهمى، والتى تم بناؤها على أحدث طراز معماري ومزودة بأجود أنواع الرخام المستورد من أوروبا. كما تضم مقابر الأثرياء مقبرة الفنان يوسف شعبان، وهى مقبرة فاخرة جدًا من فئة الخمس نجوم، تليها مقبرة الفنانة فاتن حمامة والتي قام بتصميمها زوج ابنة الفنان الراحل أحمد مظهر بمساحة 120 مترًا. كما تضم مدفن الفنان الكوميدي عبد المنعم مدبولى ويعتبر من أفقر مقابر النجوم. أما مقابر الغلابة فتضم عددًا من الشخصيات التاريخية سيئة الحظ والتي لا نعرف حتى الآن مصير أضرحتها ومن بينها على سبيل المثال: تربة مصطفى مشرفة باشا وتربة أبو الخير الصوفى وتربة الأستاذ حسن عبد الوهاب أستاذ الأثريين والجبرتي وعمر مكرم وابن خلدون في العصر الحديث، يوسف السباعي وعلى لبيب والأميرة شويكار عمة الملك فاروق والملكة ناريمان وجمال عبد الناصر وعبد الحليم حافظ فضلاً عن مقبرة شاه إيران والمدفون في مسجد الرفاعى بمنطقة القلعة وغيرهم من الشخصيات التي أثرت فى المجتمع المصرى وكيانه السياسى والاجتماعي. «مشروع تطوير القاهرة» ومن جانبه قال مصدر مسئول بمحافظة القاهرة، إن هذا المشروع تابع لوزارة الإسكان وليس محافظة القاهرة، مضيفاً أن المحافظة مجرد شريك استشاري بصفتها صاحبة الولاية على أرض المقابر، وأنها الجهة الإدارية المنوط بها إصدار التراخيص اللازمة، وقرارات الإزالة، ورخص المبانى والإنشاءات الجديدة. وأضاف المصدر -الذي رفض ذكر اسمه- أن المشروع الجديد ينص على تفريغ العاصمة تمامًا من جميع المناطق العشوائية بما فيها إزالة جميع المقابر الموجودة بوسط العاصمة، بعد نقل رفاتها إلى مقابر جديدة بأطراف القاهرة والجيزة، وإعادة طرح أراضى هذه المقابر للمستثمرين. وأضاف المصدر أن محافظة القاهرة تعاقدت بالفعل مع مجموعة من المستثمرين ورجال الأعمال لبناء نحو مليون مقبرة جديدة بأطراف القاهرة والجيزة لنقل رفات المقابر القديمة إليها، وأن إحدى هذه الشركات التى تم التعاقد معها تدعى شركة «ج ن تى» للاستثمار العقارى، والمملوكة لرجل الأعمال «م. د.»، وقد حصلت على 430 فدانًا لبناء المرحلة الأولى من هذه المقابر، وأن الشركة رصدت 100 مليون جنيه لتنفيذ العملية. أما الشركة الثانية التي بدأت التنفيذ الفعلى فهى شركة «غ» للاستثمار العقارى، والتى حصلت على 11 فدانًا كمرحلة أولى لتنفيذ المشروع. كما ينقسم المشروع حسب كلام المصدر إلى مشروعين الأول هو إزالة جميع المقابر القديمة بوسط القاهرة وفى مقدمتها مقابر الغفير بالدرب الأحمر، والإمام التونسي، والإمام الشافعى ومقابر الإمام الليثى والسيدة نفيسة، ومقابر السيدة عائشة، ومقابر المجاورين أمام مشيخة الأزهر الشريف. أما المشروع الثانى والذى يأتى تحت بند «إعادة تأهيل المقابر التاريخية» بالقاهرة، فينص على إعادة تأهيل مقابر الأثرياء وفى مقدمتها مقابر مدينة نصر، وبعض مقابر الإمام الليثى خاصة المقابر الأثرية الخاصة بالأسرة العلوية، وذلك بعد اعتراض وزارة الآثار على مشروع الإزالة، باعتبار أنها مسجلة ضمن الأماكن الأثرية. كما يشمل المشروع إزالة جميع المقابر العشوائية بهذه المنطقة، واستبدالها بمقابر استثمارية فئة «خمس نجوم»، يبدأ سعر المقبرة الواحدة من 250 ألف جنيه إلى 2 مليون جنيه وهى المقبرة التي تبلغ مساحتها 1000م. هذا ولم يملك المصدر أي معلومات خاصة بآليات تنفيذ نقل الرفات أو السكان الأحياء إلى المناطق الجديدة، أو عن تنظيم الأمر مع الأسر المالكة للمقابر نفسها، بينما أكدت مصادر أخرى داخل المحافظة أنه سيتم إقامة "أوتيلات" وفنادق سياحية ومشاريع سكنية ضخمة فى المناطق التى سيتم إخلائها من المقابر والسكان.