القاهرة والجيزةوسيناء تتصدر العمليات الإرهابية فى مصر تمر مصر الآن بموجة عنيفة من العمليات الإرهابية، تختلف عن نمط الإرهاب الذى ضرب البلاد خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، حيث اتخذت العمليات الإرهابية مؤخرًا أشكالاً متنوعة على الأرض منها استهداف بنية الدولة متمثلة فى شبكات الكهرباء والاتصالات والسكة الحديد والمواصلات العامة، مع استهداف متزايد لقوات الأمن سواء كانت قوات شرطية أو قوات الجيش ورجال القضاء. وقد ارتفعت معدلات العمليات الإرهابية الموجهة ضد الشركات الاقتصادية كشركات الاتصالات والمطاعم الكبرى مع ارتفاع معدلات استخدام العبوات الناسفة كوسيلة فى العمليات الإرهابية، وهذا يعنى تغيير تكتيكات التنظيمات الإرهابية، من حيث الأشكال المستهدفة بجانب الاستخدام العالى للتكنولوجيا سواء فى العمليات الإرهابية أو فى عملية الاستقطاب التى تقوم بها. ورغم تصدى الدولة للإرهاب، إلا أنها تقف عاجزة عن إنهائه واقتلاع بذرته من أساساها، سواء بالمواجهة المسلحة أو بالخطاب، فحادثا تفجيرى كسنتى طنطاوالإسكندرية فى يوم واحد، تزامنًا مع عيد القيامة خير شاهد على ذلك. فالإرهاب يكلف الدولة فاتورة باهظة من حيث الخسائر فى الأرواح، بالإضافة إلى الخسائر المادية والمباني، مما يؤثر بالتبعية على الاقتصاد المصرى ويطرد الاستثمار الأجنبى من مصر. وهذا ما قد توقعه الخبراء فى الشأن الاقتصادي، بأن تصل الخسائر من العمليات الإرهابية الأخيرة والتى وقعت بمحافظتى الغربيةوالإسكندرية إلى مليارات الجنيهات بشكل مباشر، من أضرار مادية، فضلاً عن خسائر كبيرة للسياحة والاستثمار والأنشطة التجارية الأخرى. 110 مليارات جنيه خسائر بسبب الإرهاب أكدت مؤسسة "مؤشر الديمقراطية"، أن العمليات الإرهابية فى مصر خلال العامين الماضيين قد كبدت مصر فاتورة باهظة تزيد قيمتها على 110 مليارات جنيها، مشيرة إلى أن هذه الخسائر تنوعت بين خسائر فى البنية الأساسية من محطات توليد كهرباء وسكك حديدية، وخسائر فى قطاعات خدمية كالسياحة والبورصة والتجارة. وتضمن تقرير المؤسسة السنوي، أحداث العنف والإرهاب التى كان صداها واسعًا فى العديد من المنشآت والمؤسسات، بعدما كبدت قطاع الطاقة أكثر من مليارى جنيه، بينما تقدر خسائر السكك الحديدية بمليار جنيه، وكان قطاع السياحة والاستثمار الأكثر تضررًا بعدما قدرت خسائره بحوالى 40 مليار جنيه، فيما هرب العديد من المستثمرين خارج الدولة. وانتقد التقرير "سياسة المواجهة الأمنية وآلة الحشد الإعلامية" تجاه الإرهاب، مشيرًا إلى أن تلك الاستراتيجية تغلق العديد من متنفسات العمل السياسى والعام، وتنتهك المزيد من الحقوق تحت شعار محاربة الإرهاب، على رأسها الحق فى الحياة والمحاكمة العادلة والتظاهر، فضلاً عن التضييق الفج على التنقل وغيرها من الحقوق، حسبما يرى المؤشر. على الرغم من الحملات الأمنية المكثفة، والتصريحات الرسمية بشأن دحر الإرهاب فى سيناء وجميع أنحاء مصر، واصلت معدلات الهجمات الإرهابية فى مصر ارتفاعها، بحسب إحصاءات حديثة أصدرها معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط بواشنطون فى تقرير مؤخر له . وسجل المعهد 228 هجومًا فى الربع الثانى من عام 2016، وهو المعدل الذى مثّل ارتفاعًا عن نظيره فى الربع الأول من عام 2016، الذى شهد 211 هجومًا على مستوى الجمهورية، والذى ارتفع بدوره عن الربع الأخير من عام 2015 الذى شهد 119 هجومًا. وبحسب تقرير المعهد، وقعت 195 هجمة فى الربع الثانى من 2016 فى محافظة شمال سيناء وحدها، بينما وقعت 8 هجمات فى الجيزة و6 فى القاهرة و4 فى الإسكندرية. ورصد التقرير، أن جماعة ولاية سيناء الموالية لتنظيم الدولة الإسلامية، "داعش " قامت بتبنى 133 هجومًا فى شمال سيناء فى الربع الثانى من عام 2016، وهو ما مثّل، بحسب التقرير، أعلى معدل للهجمات التى تبنتها ولاية سيناء فى أى فترة سابقة، بما فى ذلك الربع الأول من عام 2016 الذى شهد 118 هجومًا تبناه تنظيم سيناء. ولكن فى الوقت نفسه، رصد تقرير المعهد انخفاضًا فى إعلان الجهات الرسمية عن القيام بعمليات لمكافحة الإرهاب فى الأشهر الستة الأولى من عام 2016، بمتوسط 36 عملية شهريًا، فى حين قدّر عدد العمليات فى النصف الأول من عام 2015 ب 213 عملية شهريًا، بالإضافة إلى 92 عملية شهريًا فى النصف الثانى من العام نفسه. القاهرةوالجيزةوسيناء الأعلى فى العمليات الإرهابية احتلت المحافظات الثلاث (القاهرة، وسيناء، والجيزة) موقع الصدارة من حيث عدد أعمال العنف المسلح خلال عامى 2015/ 2016، حتى أنه يمكن وصف هذه المحافظات بأنها الأكثر اضطرابًا، ولعل تصدر القاهرة، جاء انعكاسًا لموقعها كعاصمة لمصر تشهد كثافة سكانية عالية، وكذلك الجيزة، والتى تعد موقع تمركز للوافدين من محافظات الجمهورية المختلفة، وفى هذه المحافظات يتسنى لأعضاء التنظيمات الإرهابية التخفى وتنفيذ العمليات بسهولة أكبر مع صعوبة التتبع، فضلاً عن الرسالة السياسية التى تسعى التنظيمات الإرهابية لتوصليها بأنها قادرة على استهداف العمق المصرى وخاصة العاصمة. ومن الملاحظ حدوث انخفاض فى العمليات الإرهابية بشمال سيناء حاليًا من قبل تنظيم بيت المقدس الإرهابى مقارنة بأعوام 2014/2015، كنتيجة لحدوث نجاح فى عمليات قوات الجيش، خاصة بعد عمليات "حق الشهيد 1/2/3". 50% خسائر التجارة والمصانع تعرّضت الشركات الخاصة والمحال التجارية والمصانع لخسائر فادحة، فقد وصلت خسائرها إلى أكثر من 50 فى المائة، بسبب الأوضاع غير المستقرة، وبالنسبة للقطاع الخاص، فقد خسر أغلب مستثمريه بسبب ضعف الإقبال، الذى نال من حركة البيع والشراء على مستوى الدولة عمومًا والعاصمة والمحافظات بنحو 300 إلى 450 مليون دولار خلال شهر. النجار: الإرهاب ليس قاصرًا على مصر يقول الدكتور محمد النجار، أستاذ الاقتصاد بجامعة بنها وعضو لجنة الاقتصاد بالمجلس الأعلى للثقافة، إن الإرهاب له مردود سيئ على الاقتصاد القومى مؤكدا أن الأهم من الخسائر الاقتصادية هى الخسائر فى الأرواح، حيث إنه يكبد الدولة الكثير من الخسائر مشيرًا إلى أنه مهما بلغ حجم الخسائر المادية فإنها لن تضاهى الخسائر البشرية وإزهاق روح مواطن آمن، تم ترويعه فى وطنه، فالشخص غير الآمن غير منتج. وأشار أستاذ علم الاقتصاد إلى أن الدولة متمثلة فى الموازنة العامة هى من تدفع فاتورة الإرهاب الذى يعصف بالمجتمع فى الوقت الحالي، وأن وزارة المالية هى من تقوم بدفع الفاتورة من ميزانيتها الخاصة والتى تتحصل عليها الوزارة من الموارد المختلفة كالضرائب والمشروعات القومية وغيرها من الموارد وهذا هو الأصل. وكشف أستاذ علم الاقتصاد، أن معظم حوادث الإرهاب والتى تقع فى الوقت الحالى وتؤثر على المنشآت والمبانى تتكبدها الإدارة الهندسية للجيش المصرى كبديل استثنائى لوزارة المالية، حتى تعود المبانى والمنشآت المتضررة لهيئتها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. أما عن الخسائر البشرية، أكد النجار أن وزارة التضامن المنوط بها تحديد القيمة المادية أو التعويضية والتى تعطى للمصابين وضحايا الإرهاب أو لذويهم عن الأضرار التى عصفت بهم. وأشار النجار إلى أن الإرهاب أمر خارج عن الإرادة السياسية للنظام الحاكم فى مصر، كما أنه ليس قاصرًا على مصر فقط، بل إن كبرى الدول تقع فيها حوادث إرهاب مماثلة، ولكن الفارق أن حجم الفساد فى مصر، والإهمال والتسيب قد بلغ مداه، مما يزيد الأمر تعقيدًا عن مختلف البلدان. وشدد النجار على أن خسائر الفساد فى المجتمع أشد خطورة من الإرهاب، مؤكدًا أن الفساد متمثل فى الرشوة والوساطة والمحسوبية والإهمال يكبد الدولة خسائر أعظم وأكبر من الإرهاب ذاته، فتكلفة مسئول فاسد فى المجتمع قد يفوق ما تتكبده الموازنة العامة حال تعويض ضحايا الإرهاب والإضرار التى تلحق بالمنشآت والمباني. البرى: الشعب المتضرر الأول من العمليات الإرهابية من جانبها، أكدت الدكتورة أمانى البرى، مدرس بقسم إدارة الأعمال بتجارة عين شمس, أن العمليات الإرهابية تؤثر بالسلب على الاقتصاد المصرى والمناخ العام للدولة. وأضافت البري، أن المتضرر الوحيد من تلك العمليات الإرهابية هو الشعب قبل الدولة، موضحة أن الشعب هو الذى يتحمل تكلفة العمليات الإرهابية متمثلة فى زيادة الضريبة وارتفاع الأسعار، لأن الدولة ما هى إلا مجموعة أشخاص يديرون الدولة لتقديم خدمات يستفيد منها جميع فئات المجتمع بمختلف طوائفه. وتابعت، أن العمليات الإرهابية تؤثر على المواطن، مما يجعل الدولة عاجزة عن تقديم خدمات مثل بناء مستشفيات أو رصف طرق نتيجة التكاليف الباهظة التى تنفقها على ترميم هذه الأماكن المتضررة من العمليات الإرهابية، بجانب التعويضات التى تدفعها الدولة من جيوب الشعب للمتضررين من تلك العمليات التى تستهدف المنشآت ودور العبادة وغيرها من الأماكن التى يستهدفها الإرهاب. وأشارت البري, إلى أن العمليات الإرهابية تؤثر سلبا على جميع الوزارات والهيئات الحكومية فى الدولة وخاصة وزارتى الاستثمار والسياحة، موضحة أن قطاع الاستثمار يتأثر بعدم وجود مستثمرين، مما يجعل الخوف يسيطر على نفوس رجال الأعمال، ويجعلهم متخوفين على حياتهم وأموالهم.