دخلت الثورة مرحلتها الأخيرة، ولابد أن يعي الإسلاميون ملامح هذه المرحلة حتى يحسنوا التعامل معها ،ولابد أن نفهم ان لكل مرحلة من مراحل الصراع طريقة مختلفة في إدارتها وتوجيهها والا لو تعاملنا بنفس الطريقة في كلا الاحوال لأخطانا خطأ قد لا نستطيع إصلاحه . ولكي نتمكن من تحديد ملامح التحرك المطلوب من الإسلاميين الفترة القادمة لابد أولا ان نقرأ بوضوح محددات الحركة وخيارات الفعل المتاحة للفاعل الأساس في اللعبة الان وهو المجلس العسكري. وقراءة في عقلية العسكري التي تشكلت كثيرا من ملامحها بوضوح من بداية الثورة وإلى الآن تمكننا من تحديد منطلقات الحركة المطلوبة: أولا: سقف أهداف العسكر سقف الاهداف الذي يتحرك صوبه العسكر يجمع بين ثوابت استراتيجية لا يمكنه التنازل عنها أو النزول أسفل منها لأنها تمثل له خطوط حمراء تتمثل في الخروج الآمن وعدم إدخال مصر في صدام مع إسرائيل ،والحفاظ على علاقة مستقرة مع أمريكا . وبين أهداف تكتيكية متغيرة تصل في أقصاها إلى إعادة إنتاج نظام مبارك بالكامل بصورة جديدة، وبين إبقاء مجموعة من مراكز القوى المؤثرة تحت يديه حتى يتمكن من خلالها من الاحتفاظ بخصوصية ودور فاعل في الوضع المصري الجديد. ومن المؤكد أن المجلس لا يسعى ابتداء لتحقيق أهدافه الاستراتيجية وسقف أهدافه الادنى فقط، بل يتجه بقوة نحو السقف المرتفع حتى إذا فشل في الوصول له كان أمامه مساحة واسعة يمكنه التحرك فيها والتفاوض عليها، وهذه من بدهيات التفاوض الذكي ومبادئ اللعبة السياسية. ومن المؤكد أيضا ان المجلس العسكري لا ينفرد وحده بتحديد النقطة الحقيقية التي يمكنه الوصول لها في سقف أهدافه وإلا لما تنازل عن أعلى نقطة ممكنة (إعادة إنتاج نظام مبارك)، وفي الحقيقة فإن جزءا كبيرا في تحديد ذلك يكمن في يد بقية الفاعلين المؤثرين في المشهد الآن-وعلى رأسهم التيار الإسلامي- الذي ما زال –برغم الضعف الذي أصابه – هو المرشح بقوة لتضييق سقف طموح العسكري إلى أقل نقطة ممكنة، وهذا يفسر لنا التركيز الشديد على إضعافه من جانب العسكر. بعض سياسات وأدوات المجلس العسكري للمرحلة الأخيرة من المعركة استخدم العسكر مجموعة منوعة من السياسات وأدوات التأثير وأساليب الفعل في طريقه لرسم المشهد المصري بالصورة التي يراها ، وينتظر ان تظل كثيرا من تلك الأدوات مستخدمة في معركته الأخيرة مضافا إليها أدوات جديدة أشد خطرا حيث بات الوضع لا يحتمل الطبطبة أو التأخير ومن السياسات البارزة التي استخدمها بذكاء شديد وحقق بها نجاحات كبيرة الفترة الماضية: -القضاء على الروح الثورية ( الدفع بالجميع بعيدا عن الميدان بتشويه صورة الثوار- والسماح بالبديل الشرعي " مجلس الشعب " – اثارة الشعب على الثوار وإظهارهم في صور المتسبب في التدهور الذي وصلت إليه البلاد) - سياسة التفريق : بين الإسلاميين بعضهم وبعض، وبين الإسلاميين وبقية القوى الثورية والأحزاب الليبرالية، وتم له ذلك إلى حد كبير. - استخدام سياسة الفزاعة من سيطرة الإسلاميين على البلاد : واستخدام كل الأدوات الإعلامية والقوى المعادية للإسلاميين لتحقيق ذلك الهدف داخليا وخارجيا" ويبدو تحقيقه لبعض النجاحات في هذا الاتجاه. وبالنسبة للسياسات والأدوات الجديدة فينتظر أن يضاف ألى ما سبق بعض السياسات التي تتعلق في غالبها بقضية الرئاسة وهي المحطة الأهم في المرحلة الاخيرة: -سياسة التخلص من الخصوم وإقصائهم وقد زرع المجلس العسكري مجموعة من الألغام الجاهزة للتفجير في أي وقت: وقد بدأت بالفعل هذه الخطوة مع المرشح الأخطر بالنسبة للعسكر وهو الشيخ حازم، -وبدا بوضوح الدور المخابراتي الكبير في تجهيز هذا الملف وإدارته- وينتظر الا يتوقف الامر عنده وأن يتجاوزه الى غيره سواء بنفس الطريقة، أو بطريقة اخرى مثل مسألة الدعاية الانتخابية، أو تحريك الطعون في بقية المرشحين المزعجين للمجلس، وقد يتطور الوضع لما هو أكثر من ذلك. - سياسة لي الذراع : بتهديد بعض القوى بسحب جزء من المكتسبات- في مقابل التغاضي عن بعض مواقف المجلس وقراراته أو الحصول على بعض التنازلات –(التهديد بالطعن على مجلس الشعب) سياسة الصفقات : وهي مرشحة للتصاعد بقوة في حال وجود طرف مقبول شعبيا يمكنه تحقيق نتائج جيده في الانتخابات ويقبل في نفس الوقت بتقديم ضمانات الخروج الآمن للعسكر.(مرشحي الفلول والعسكريين أقرب في هذا الخيار في حال النجاح في تلميع أحدهم شعبيا واعلاميا ، ويحتاج هذا الخيار ليكتمل استبعاد المرشحين الإسلاميين ذوي الشعبية من السباق)، ولا يستبعد -في حال التأكد من احتراق أوراق مرشحي الفلول شعبيا - أن يتغير السيناريو ويتم الاتفاق مع أحد الاسلاميين، أو أحد المرشحين غير المحسوبين على الفلول في حال وجود من يقبل منهم بذلك. – وقد يشارك في تلك الصفقة بعض الأحزاب التي تريد جزءا من الكعكة ويتوارى خلفها المجلس العسكري، وتدفع هي بالمرشح المناسب. -تزوير الانتخابات: المؤشرات تدل على الرغبة(من جهات فلولية عدة) في استخدام تلك السياسة- ويتزايد الخوف من ذلك في ظل(الاصرار على عدم تغيير قانون 28 الخاص بعدم قابلية الطعن على نتائج لجنة الانتخابات - الإبقاء على معظم الرموز التي أشرفت على الانتخابات في عهد النظام السابق)- وربما تكون هذه السياسة صعبة في ظل اليقظة الشعبية وخبرة الاحزاب بهذا الأمر والحضور الشعبي الكبير المتوقع للناخبين، مما يصعب من هذا الخيار ويقلل من فاعليته إلا أنه لا يلغيه. -تفجير الموقف والانقلاب على الثورة: بافتعال أزمة ضخمة وتاجيل الانتخابات على إثرها أو إعلان الأحكام العرفية حتى يتم ترتيب الموقف بصورة جديدة. وهذه السيناريو قد يكون آخر السيناريوهات المطروحة بسبب خطورة نتائجه وصعوبة السيطرة على الموقف او اقناع الشعب به، ولا ينتظر أن يلجأ اليه العسكر إلا في حال تأكده من فشله في الحفاظ على الحد الأدنى من أهدافه الاستراتيجية . استراتيجية الإسلاميين للمرحلة المتبقية : في ظل الملامح السابقة للعسكر يمكننا تحديد أهم ملامح الاستراتيجية المطلوبة من الإسلاميين للمرحلة المتبقية : - المبادرة: حيث لا يصح استراتيجيا في هذه الفترة أن تظل تحركاتنا –كما كانت منذ انتهاء الثورة- ردود أفعال بل لابد من المبادرة ووضع الخصم في موضع الترقب -التحرك على أكثر من جبهة في آن واحد كل بما يناسبه( اعلاميا- شعبيا- سياسيا) مع التركيز الشديد على تعظيم التواجد والتأثير الإعلامي، فالمعركة في جانبها الأكبر معركة إعلامية، ومن يستطيع أن يحسمها لصالحه الفترة القادمة يكون قطعا شوطا كبيرا في حسم الصراع لصالحه. -التخلص من سلبية البطء في اتخاذ القرارات –التي شابت نهج التيار الاسلامي في كثير من المواقف ،وخسر بسببها كثير من رصيده – مع التحرك السريع المناسب في الأحداث فقد أصبحت اللعبة تدار بصورة مكشوفة مما يخفف العبء في كثير من التحركات ويسهل طريقة اتخاذ القرار. -بذل الجهود لتوحيد صفوف القوى الثورية والوطنية، ومن لم نستطع كسبه يمكننا تحييده، وهي سياسة بالغة الأهمية في هذا التوقيت، فتقليل دائرة الخصوم تعني بالضرورة تقليل نقاط الضعف، وتضييق فرص الاختراق ( ويتم السعي لتوحد صفوف التيارالاسلامي كحد أدنى للتوافق المطلوب في حال فشل التوافق العام) -الالتحام بالشعب: العودة الى الالتحام بالجماهير والتعامل بشفافية كبيرة في القرارات والمواقف لتفويت الفرصة على محاولات التشويه وابراز جهود التيار الاسلامي في الحفاظ على الثورة واعادة الحقوق، وفضح تحركات القوى المناوأة للثورة. مقترح مبادرة من 3 خطوات للحفاظ على الثورة من السرقة في هذه اللحظة الخطيرة، يمكن من خلالها تحقيق السياسات السابقة والوصول بالثورة لبر الأمان بإذن الله : 1- عودة دور الميدان : (وهو الخطوة الأهم والأكثر تأثيرا) نزول الميدان بزخم شعبي كبير"مستمر" تشارك فيه كل الفصائل فقد أثبتت الأحداث ان الميدان هو العنصر الوحيد الذي لم يمكن للمجلس العسكري تجاهله طوال الفترة الماضية ( وتستخدم هذه السياسة للضغط على العسكري والمطالبة بعدة طلبات يتم التوافق عليها لوقف تلاعب العسكري في الانتخابات ووضعه في موقف رد الفعل ) وإرسال رسالة واضحة بأننا لن نسمح بسرقة الثورة. -2- تفعيل دور مجلس الشعب : واستمرار ضغطه وتصعيده في اتجاه حل الحكومة وعدم الاكتفاء بتقديم طلبات إحاطة وفضح الحكومة والتهديد بوقف جلسات مجلس الشعب ونزول الميدان مع الثوار، مع تركيز أعضاء المجلس الفترة القادمة على مناقشة القضايا الحيوية التي تمس الشعب والانتهاء فيها إلى نتائج يلمسها رجل الشارع. -3- مبادرة لجمع فصائل العمل الاسلامي :على كلمة سواء ومرشح واحد فقد أصبحت التبعات أكبر من أن يتحمل نتائجها فصيل بمفرده. ويقترح في هذا الشأن تكوين (مجلس قيادة) المرحلة للإسلاميين يتكون من رمز أو اثنين من كل تيار فاعل من التيارات الاسلامية مضافا اليهم بعض الشخصيات الإسلامية المقبولة داخل التيار " الدكتور صفوت والدكتور راغب السرجاني كمثال" ( من الممكن أن يبدأ في التحرك لتكوينها شخصيات إسلامية بارزة تحظى بالمصداقية داخل التيار الاسلامي ، أو هيئة مؤثرة مثل الهيئة الشرعية للحقوق والاصلاح أوغير ذلك) واذا أمكن توسيع الدائرة لتشمل بعض الرموز الوطنية والثورية الحريصة على استكمال أهداف الثورة بصورة لا تمثل عبئا في الحركة ولا اتخاذ القرار. ويناط بهذا المجلس التحرك الفاعل السريع في اتخاذ القرارت الهامة بصورة جماعية ملزمة للجميع. مع الحذر الشديد الفترة المقبلة من التحرك الفردي لبعض الفصائل الإسلامية بإمضاء بعض "الاتفاقات" أو اتخاذ قرارات بصورة منفصلة بمعزل عن بقية الفصائل، الأمر الذي قد يزرع الشكوك بينها، وحينها يزداد أمر التوافق صعوبة. عضو الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح- عضو الهيئة الاستشارية لحزب الإصلاح