لا تثير القمة العربية أي توقعات إيجابية أو سلبية. هي مجردة قعدة عرب تتكرر سنويا يتصافح خلالها الحكام ويتبادلون كلمات معدة سلفا توزع على الصحفيين قبل يومين أو ثلاثة. حتى بيانات القمة توزع قبل أيام من انعقادها. ومع ذلك فقدت القمة نكهة كوميدية برحيل القذافي، كانت الوحيدة التي تجدد نفسها ولا يمكن توقع الإفيهات فيها. وقد عانى الرئيس حسني مبارك كثيرا عندما ترأس إحدى القمم في تقديم القذافي لالقاء خطابه، فالمناصب التي يتبوأها تشبه الطريق الدائري في طولها بدءا من اسم "الجماهيرية" ونهاية بملك ملوك أفريقيا. منذ القمة الأولى في أنشاص التي ترأسها الملك فاروق ملك مصر والسودان، إلى آخر قمة حضرها القذافي زعيم الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى وملك ملوك أفريقيا، لم نشهد كوميديا تفطس من الضحك كعباراته ومداخلاته المفاجئة والصادمة، حتى أنه هو الذي كشف للمتابعين حقيقة بيانات القمة المعدة سلفا، فقد أمسك بالبيان ولوح به خلال فورة حماس الملوك والرؤساء الحاضرين، ليقول إن كل شيء منته فلا تتعبوا أنفسكم. القمة العربية هي المؤسسة الوحيدة التي تجمع القادة العرب، لكنها ستغيب يوما ما كما ستغيب جامعتها، فقد انتهى العالم العربي كقوة إقليمية وحل محله فعليا قوى إقليمية أخرى يمكن أن نسميها شرق أوسطية. والمأساة التي يجب أن نقر بها، أنه ليس بينها دولة عربية واحدة. لا مصر الأكبرمن حيث عدد السكان والقوة العسكرية، ولا غيرها. في يوم من الأيام كنا نعول على مصر، لكنها انكفأت على داخلها فمشاكلها معقدة، وتحتاج إلى دعم اقتصادي كبير جدا تعجز معه على مواصلة دورها القيادي الذي بدأته في عهد فاروق وتألق في عهد عبدالناصر، وانتهى باتفاقية كامب ديفيد. البديل كان العراق لكن صدام حسين قضى عليه بتهوره وغزوه المجنون للكويت، فقدم بلاده على طبق من ذهب للقوى الكبرى لكي تدمر شعبا ذكيا متحضرا وقوة عسكرية جبارة واقتصادا ثريا. وجاء الدور على سوريا ففعل فيها بشار الأسد أكثر مما فعله صدام، فقد تكفل بتدميرها نيابة عنهم. الخليج لم يستفد من سنوات الطفرة البترولية، فلا مصانع شيد ولا مشاريع اقتصادية عملاقة تعوض نضوب النفط وأسعاره المتدنية، بل عجز عن تطوير مجلس التعاون إلى وحدة كاملة، وبالتالي غير مؤهل ليحل محل القوى الإقليمية العربية التقليدية. لقد خرج العرب من المعادلة في النهاية، وأصبحوا لقمة سهلة الهضم لسايكس بيكو جديدة، فدخلت إليهم قوى إقليمية غريبة عليهم، من بينها إسرائيل. صرنا ضيوفا على موائدنا وفي مناطقنا الجغرافية، وغيرنا هو من يقرر أمرنا. السؤال الآن.. هل القمة التي تشهدها اليوم العاصمة الأردنية "عمان" ستكون الأخيرة، أم ستعقبها قمم في السنوات القادمة، فقط للاحتفال بتراثنا الخطابي المندثر كسوق عكاظ؟! [email protected]