ما إن رشفت الشاى، حتى ارتفع بى خيالى وطار بى مُناى، فاعتدلت على الأريكة، مرهفًا السمع بعد الفجر لصياح الديكة، وراعنى أن خالط صياحَها نعيقُ غراب، فنظرت إلى الشاى الهباب، وتمنيت لو كان لى افتكاسة، أو شطحة هذيان، من كاتب غلبان، وسامحونى فيها، وإن طالكم الضيق، فقولوا مقالة صديق: "هى جت عليك يا حاج موافي، ياللا افتكس. فقلت وبالله التوفيق، وسأظل أقول حتى تستبين الطريق، وحتى يقضى الله أمرًا كان مفعولا: "إن الناس ثلاثة، والكلام مروى عن الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه، بأن الناس موزعون بين عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، ثم همج رعاع، أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق". وراجع ما حدث أمام السفارة السعودية، وتابع ما دار على فضائيات العبث، ثم اصنع لنفسك كوب شاى ثقيلا، أو فنجان قهوة سادة، وتأمل بهدوء مقولة "همج رعاع".. ولو توصلت لشىء، إذن فقد وصلك ما أريد قوله، وإلا فراجع ما حدث أمام المجمع العلمى قبل شهور، وضُم إليه ما جرى فى شارعى مجلس الوزراء ومحمد محمود، ولف معهما ماسبيرو، وتذكر تلك الكاميرا المثبتة والموصولة بشاشة البث المباشر لقناة غسيل الأموال، ثم اعتدل فى جلستك، وتأمل عبارة "أتباع كل ناعق". "بالمناسبة كلمة (ناعق) تدل على النعيق وهو صوت الغراب، الذى تشاءم منه العرب، وتأتى بمعنى صياح الراعى على الغنم لتحريكها، وفى القرآن الكريم { كَمَثَلِ الَّذِى يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ}: أى أن الذى يدعوهم إلى الإيمان، مثَلُه كمثل النَّاعق بالبهائم، التى لا تسمع". ونعود لموضوعنا، وتأمل ما سبق، ولو ارتسمت على وجهك ابتسامة أسى وحزن، فقد وصلك المعنى، وإن لم يكن ذلك كذلك، فصبرا فى مجال التأمل صبرا، فما نيل الافتكاسات بمستطاعِ، وشاهد على الهواء مباشرة اعتصام المئات فى العباسية، وانظر إلى مقاطع المشاهد لمواجهة المعتصمين مع البلطجية، ثم اسأل نفسك: من ذا الذى تصور أنه ما ساء قط، حينما دعا إلى الاعتصام، ومن له الحسنى فقط، حينما دعا البلطجية إلى مواجهة المعتصمين، وخذ نفسا عميقا وقل "لا إله إلا أنت سبحانك، إنى كنت من الظالمين" ثم أعد التأمل فى جملة"همج رعاع أتباع كل ناعق". ولا أدرى، هل أنا مسحور، أم قد كرف على الشاى البخور، لو تساءلت: هل كان من علم الإمام على رضى الله عنه، أن الناعق ونعيقه سيكون أمرًا حادثًا بعد قرون على الهواء، فهو يقول"همج رعاع ، أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح"والريح فى أيامنا النحسات، تحمل إشارات الفضائيات، وتغذى به الأطباق الرابضة فوق الأسطح وعلى الشرفات، كالغربان، أما قمة الهذيان، فهو عصر الهمج الرعاع، ورعاتهم الضباع.. ويا خال ويا عم، ويا أخى: أقيموا بنى أمى صدور مطيكم، حتى أتوقف عن الافتكاسة.. ودمتم فى رعاية الله وأمنه. [email protected]