أحدثت التصريحات الأخيرة للدكتور اسامة اباز في الغرب والخاصة بعدم قلق النظام من الفوز الذي حققته جماعة الاخوان المسلمين !! وكذلك ما أعلنه من ان النظام لن يمنح شرعية قانونية للحركة- ردود فعل متباينة.. بين أوساط سياسية واعلامية عديدة هنا في الغرب فمن قائل ان الشرعية القانونية - سياسياً – فرضتها وتفرضها اولاً واخيراً - ارادة الناخب على الأرض ، واختياراته الواجب احترامها والتعامل معها على انها جزء رئيسي من العملية الديموقراطية لا ينبغي التغاضي عنه، بل وازالة كل النصوص القانونية والدستورية التي لا تتوافق مع ارادة الناخب بحكم ان الأخيرة هي الأساس الموضوعي لصياغة الحقوق والواجبات في نصوص ومواد قانونية ودستورية..ومثلما هو حادث فعلاً في كل الدول الديموقراطية. وعليه فقد انزلق الدكتور اسامة الى منزلق لا يقع فيه الا كافر بالديموقراطية لا يعنيه من قريب أو بعيد أصوات الناس. أو سياسي لا يعي من الديموقراطية الا قشورها وخاصة تلك التي تربطه أكثر بمقاعد السلطة..ونحن نربأ بالدكتور اسامة الباز ان يكون أحدهما ومن قائل ان الدكتور اسامة الباز ناقض نفسه بصراحة منقطعة النظير حين تحدث عن سلطة الحكم في مصر وكأنها في موقع يعلو المجالس التشريعية المنتخبة والتي يحق لها – دون غيرها في النظم الديموقراطية – اضفاء الشرعية او حجبها على الحركات والمنظمات السياسية المعبرة عن حاجات الناس، والتي يُقاس مدى قربها أو بعدها عن مصالح مؤيديها عبر التصويت الحر المباشر، وهو المعيار الرئيس لمنح أو منح الشرعية في المجتمعات الديموقراطية. وعليه فإذا كان الناخب في مصر قد اتى بقوة بحركة الاخوان المسلمين الى البرلمان يكون قد حسم شرعية وجودها من عدمه. وبغض النظر عن الحظر الذي تفرضه عليها السلطة في مصر ..اللهم اذا كان الدكتور اسامة الباز لا تعنيه على الاطلاق ما أفرزته الانتخابات الاخيرة من نتائج.. ويعتبرها كأن لم تكن.. – ليس ذلك فقط – بل وما يعنيه ايضاً ايمانه عبر تلك التصريحات بإمكانية سلب ومنع الناخب المصري حقه في التشريع – عبر برلمانه المنتخب ديموقراطياً ومنح ذلك الحق للنظام الحاكم وحده في مصر، وبذلك الفهم ..لم يكن من الضروري اساساً شل حركة الدولة واجهزتها المختلفة قبل واثناء عملية اجراء الانتخابات وعمل دعايات وسقوط قتلى ومكافأة البلطجية وتشويه صورة بلد بأكمله عبر مسرحية هزلية لا تعني لمستشار الرئيس أي شيء مع ضرب هذا واصابة ذاك وحبس تلكم واولئك وهؤلاء ..اذا كان الأمر في النهاية ستقرره السلطة وحدها – دون ممثلي الشعب. ومن قائل ان الدكتور اسامة الباز قد نسى ربما بحكم السن ما كان قد قرأه قبل ثلاثين أو اربعين سنة عن التحولات الديموقراطية في أوروبا.. والتي أفرزت منذ نهايات القرن الخامس عشر والساس عشر أحزاباً دينية – مدنية اعادت صياغة سلطة الكنيسة بشكل متوافق مع ارادة الناس، وخاصة بعد عمليات الاصلاح الديني التي قام بها مارتن لوثر، وابرزت حق الاتجاهات الدينية المختلفة في ايصال صوت تابعيها بصور واشكال تنظيمية سياسية ودينية مختلفة وهو الشكل الذي يحكم اوروبا الغربية حتى الآن ..فألمانيا مثلاُ تحكمها كما يعلم الدكتور اسامة الباز حكومة تحالف من ثلاثة أحزاب اثنان منهم هما حزبان دينيان مدنيان. المسيحي الديموقراطي الذي ترأسه المستشارة انجيلا ميركل والمسيحي الاجتماعي الذي يرأسه شتويبله ، ينسحب هذا الكلام على معظم بلدان أوروبا الغربية التي تسود فيها حكومات برئاسة أحزاب مسيحية مدنية سواء في الحكم أو المعارضة دون ان يتساءل أحد حول شرعية هذا أو ذاك لانتفاء الحق في التساؤل اذا كان الناخب نفسه هو من جاء بتلك الأحزاب.. بل يعلم الدكتور اسامه الباز ان القبول بتحول قوى سياسية فرضها الناخب الى أحزاب تجاوز في الكثير من دول العالم الحركات الدينية الى حركات وقوى فوضوية وبيئية وغير ذلك تنادي بأفكار قد يُحرق اصحابها أو يُعدموا أو يُصلبوا من خلاف اذا نادوا بها في مكان آخر..لكنها الديموقراطية يا دكتور اسامه..التي سمحت بتحول الحركات الدينية المدنية وفق رغبة الناخب في اوروبا الى احزاب تحكم أو تعارض في البرلمان ، وعكس ذلك هو الدكتاتورية بعينها التي ترفض ممارسة نفس الحركات لنفس الحق في اماكن اخرى. حيث لا أعتقد ان المستشارة في دولة كألمانيا التي يحكمها الحزب المسيحي الديموقراطي ستتعجب اذا ما أتت الى مصر واستقبلها حاكم ينتمي للحزب الديموقراطي الاسلامي..فالمعيار هنا هو الممارسة السياسية من جهة ورغبة الناخب من جهة أخرى – وليست التسميات ، وأبلغ الأمثلة على ذلك تخص الحزب الحاكم في مصر واسمه الوطني الديمقراطي..! لكنك تعلم يا دكتور اسامه ما يُقال عنه وعن اعضائه والمنتمين له في الغرب. المعايير الديموقراطية يادكتور اسامة تعتمد بالدرجة الأولى على ما يريده وما يقبله الناخب بالدرجة الأولة كممارسة سياسية تتم باسمه وتحقق مصالحه وليست التسميات..ولذا فالغرب حتى الآن لم يفهم تصريحك الأخير، واعتبره من باب المحاولات الساعية الى طمأنة الغرب بعدم قدوم حزب ديني في مصر ..رغم ان الغرب نفسه لم يعد لديه اية موانع في حدوث ذلك..وهو نفسه يُحكَم منذ قرون بأحزاب دينية مدنية..كذلك فقد فُهم التصريح المشار اليه في سياق الدفاع عن بقاء سلطة غير ديموقراطية. من منظور الدفاع عن المصالح الخاصة وبحكم انتمائك لتلك السلطة .ورفض ارادة الناخب المصري في مجيء المعبرين عنه من الذين منحهم صوته في الانتخابات الأخيرة..فهلا أعدت النظر يا دكتور اسامه في تصريحك الأخير..والعودة لقراءة ذلك الجزء من التاريخ الأوروبي الذي يتعرض لكيفية تحول الحركات الدينية الى أحزاب دينية - مدنية تحكم بأمر ورغبة الناخب هناك. مع مراعاة المفهوم الكنسي بشكل رئيسي أثناء الحكم ..وخاصة وانه في الاعادة افادة كما علمتنا يا دكتور. يقول الشاعر: خفف الوطء .....ما أظن أديم الأرض الا من هذه الأجساد. [email protected]