جاء قرار رئيس الجمهورية بتفويض المحافظين في هدم وبناء الكنائس التي سبق الترخيص لها وتفويض الأحياء في عمليات الترميم، ليطرح تساؤل حول دلالة التوقيت. وقد يرى البعض أنها رسالة للإدارة الأمريكية والغرب، مفادها أن النظام جاد في حل مشكلات الأقباط، خاصة بعد ما أثير حول أداء النظام في الانتخابات البرلمانية. وقد يكون هذا صحيحا من حيث رغبة النظام المستمرة في مقايضة الإدارة الأمريكية حول شروطها أو متطلباتها، ولكن الواقع يؤكد أن الإدارة الأمريكية كانت متواطئة مع النظام في ما قام به من تدخلات في الانتخابات، رغبة منها في بقاء النظام في الفترة الحالية. ولكن الترجيح الثاني عن أسباب هذا القرار أو أسباب توقيت هذا القرار ترتبط بما حققه الإخوان من تقدم في الانتخابات البرلمانية، خاصة وقد قيل في العديد من التحليلات الإخبارية أن جماعة الإخوان تدرس تبني أعضائها في البرلمان لمشاكل الأقباط، ومنها مشكلة بناء الكنائس. والمتابع لما نشر من أخبار يعرف أن أجهزة النظام الحاكم قد رصدت بالفعل توجه جاد لدى الإخوان المسلمين لتبني بعض القضايا المهمة الخاصة بالأقباط. ونعتقد أن ما تم رصده، قد رفع في تقارير للقيادة السياسية، مما عجل بالقرار. لهذا نفهم من هذا القرار أنه رسالة من النظام الحاكم للأقباط، مفادها أنه هو القادر على حل مشكلاتهم، وهو الذي يملك السلطة لتحقيق ذلك. يتضح هنا رغبة النظام في إبعاد قضية مشكلات الأقباط عن المعارضة السياسية وقوى التغيير والإصلاح، ومنهم جماعة الإخوان المسلمين. حتى لا يرى الأقباط أن حل مشكلاتهم يمكن أن يتحقق من خلال التغيير السياسي الذي تنادي به العديد من الحركات والقوى السياسية. كما نرى في ما حدث، محاولة للنظام لجعل الأقباط شريحة مؤيدة للنظام الحاكم وبقاءه في السلطة. وهي رغبة ظهرت في العديد من المواقف، وقد كان من الواضح أن النظام يستخدم فكرة صعود التيار الإسلامي خاصة جماعة الإخوان لتخويف الأقباط، وحتى يكسب تأييدهم لبقائه. وهنا قد يكون من أسباب هذا القرار، محاولة للرد إيجابيا على تأييد الكنيسة لانتخاب الرئيس مبارك، وتأييدها للحزب الوطني في الانتخابات، رغم عدم ترشيحه لعدد معقول من الأقباط على قوائمه. وليس لدينا شك في أن النظام يحاول جعل الأقباط حكرا عليه، ليفوز بتأييدهم، خاصة بعد أن أتضح له فقدانه للتأييد الشعبي. وهنا يستخدم النظام المشكلات الخاصة للأقباط، والتي تسبب النظام في جزء منها، ويحاول تخويفهم من أن تغيير سياسي. وهذه المحاولة تقوم على تكريس وضع الأقباط ككتلة سياسية واحدة، ومحاولة تأكيد عزلتهم عن مسار الحركة السياسية وإبعادهم عن التيارات السياسية المختلفة. وكأن النظام يقول للأقباط أنه أتضح من الانتخابات مدى ضعف القوى السياسية المعارضة، والبديل الوحيد القادر على الفوز في الانتخابات هو الإخوان المسلمون، وعليه لم يبقى للأقباط إلا مساندة النظام الحاكم. والإعلام الحكومي يؤكد لنا يوميا أنه بالفعل يلعب على وتيرة تخويف الأقباط من الإخوان المسلمين، ويتضح لنا من قرار رئيس الجمهورية مدى خوف النظام من التقارب بين الأقباط وجماعة الإخوان المسلمين بوصفها تيارا سياسيا جماهيريا. والمقصود من التقارب، إدراك الأقباط بحقيقة موقف الجماعة، فإذا انتهت مخاوف الأقباط من الإخوان، ولم يعد لديهم تخوف من وصولهم للسلطة، فقد يمثل ذلك خطرا حقيقيا على بقاء النظام الحاكم في السلطة. فمجرد معرفة الأقباط بحقيقة جماعة الإخوان المسلمين، قد ينهي لعبة الفزع التي يمارسها النظام على الأقباط، وأيضا على الإدارة الأمريكية، وهنا لن يستطيع النظام تمرير تدخله العنيف في الانتخابات ضد إرادة الناخبين. وهذه اللحظة ليست الأولى، التي يتأكد فيها أن الحوار أو التفاهم بين الأقباط بوصفهم فئة مهمة من الجمهور وبين جماعة الإخوان المسلمين، يمثل بالنسبة للنظام بداية لسقوط الدعاية الموجهة التي شنها على الجماعة وكل التيارات الإسلامية المعتدلة. فإذا رأى الأقباط أن وصول الإخوان للسلطة لا يؤثر على وضعهم القانوني أو الدستوري، فهذا سيعد دليلا مهما على مدى صدق خطاب الجماعة الذي أكد على قبول قواعد العمل السياسي طبقا للدستور والقانون، وطبقا لقواعد العدل والمساواة. وبعد ما حققته جماعة الإخوان من مقاعد في البرلمان، أصبح عليها دور مهم في تعميق وتأكيد رؤيتها السياسية حتى يتضح خطابها السياسي لجميع الأطراف، والجماعة تدرك بجدية كاملة أهمية تحقيق هذا الهدف، وتدرك أيضا أهمية توضيح موقفها للأقباط، وهو ما أثر على النظام الحاكم وجعله يبادر بهذا القرار. ويصبح السؤال متعلقا بالأقباط كجزء من الجماعة الوطنية، والإخوان كجزء من القوى السياسية الفاعلة، بل أكثرهم فاعلية. فمن المهم أن يدرك الأقباط ضرورة تفاعلهم مع كل القوى السياسية الفاعلة، وضرورة أن يكونوا كغيرهم جزء من عملية التغيير والإصلاح. ولا يمكن أن يظل الأقباط رهينة للنظام الحاكم، والذي طالما تسبب في العديد من المشكلات التي عانوا منها. ولا يصح استخدام الأقباط بهذه الصورة، والتي تجعلهم ضد الحق السياسي لجماعة الإخوان في العمل السياسي وتشكيل حزب. فالنظام يستخدم الأقباط ضد قوى سياسية جماهيرية، وهي التيارات الإسلامية بما فيها جماعة الإخوان المسلمين. وهذا الاستخدام يحقق مصلحة النظام ويضر الأقباط. وعلى جماعة الإخوان تفويت الفرصة على النظام، حتى لا يلعب على وتر التوترات الأهلية لتأمين بقاءه في السلطة.