نعم، هو مفتى آخر الزمان، أساء لنفسه قبل أن يسىء للأزهر، وأخطأ فى حق نفسه قبل أن يخطئ فى حق دار الإفتاء المصريّة، عندما زار مدينة القدس والمسجد الأقصى الأسير فى ظلّ سيطرة العدو الصهيونى، أقلّ ما يقال عن تلك الزيارة أنها اعتراف صريح بالوجود الإسرائيلى، بل يعتبرها الكثيرون خرقًا للإجماع الوطنى الرافض للتطبيع، ومخالفة صريحة لفتوى علماء الأمة والمجامع الفقهيّة بتحريم زيارة القدس. زيارة المفتى للمسجد الأقصى خدمة مجانيّة لإسرائيل التى ترحّب بتلك الزيارات، ويرفضها الشعب الفلسطينى، الجميع يدرك الآن أن زيارة مفتى مصر للقدس تصبّ فى ميزان المصلحة الإسرائيليّة، وليس أدلّ على ذلك أن يكون رئيس بلدية القدس "نير بركات" فى مقدمة المرحبين بزيارة مفتى مصر على جمعة والداعية اليَمَنى الحبيب على الجَفرى للمسجد الأقصى، والصهيونى بركات هو صاحب مشروع تهويد المدينة المقدسة بشكل كامل، وفرض "السيادة اليهوديّة" على المسجد الأقصى، وكان يقول ذلك صراحةً خلال حملته الانتخابيّة، ومثل هذه الزيارات تصبّ فى تحقيق هذا الهدف من أجل إضفاء شرعيّة على سيطرة "إسرائيل" على القدس. بل إن الاحتلال يسعى من خلال تلك الزيارات إلى دفْع الجماهير العربيّة للتسليم بالسيادة اليهوديّة على القدس والأقصى؛ لذا فهو مصمم على توجيه الدعوات للمزيد من دعاة وعلماء المسلمين، وهذا ما قاله نائب رئيس الوزراء الإسرائيلى سيلفان شالوم، والذى اعتبر زيارة مفتى مصر والجفرى "إنجازاً هائلاً لإسرائيل". ويا لَلأسف!، "إسرائيل" "تُعرِّى" المطبِّعين كعادتها، وهى لا تتردد فى إحراجهم وفضحهم، ففى اليوم الذى غادر فيه مفتى مصر القدس، أصدر وزير الداخليّة الإسرائيلى قراراً يحظر بموجبه على خطيب المسجد الأقصى الشيخ عِكرِمة صبرى دخولَ الأقصى، وفى اليوم التالى أصدر قراراً بتجديد حظر دخول الشيخ رائد صلاح المسجد الأقصى، وهو قرار يدلل على أن "إسرائيل" تعى تماماً مَن يَقدُم للأقصى للرباط والدفاع عن إسلاميته، ومَن يأتى للإسهام - من حيث يدرى أو لا يدرى - فى إضفاء شرعية على تدنيس الصهاينة له. "إسرائيل"، يا مفتى آخر الزمان!، تفتح أبواب القدس أمام المطبّعين، وتغلقها أمام المرابطين المجاهدين الذين يدافعون عن إسلاميّة المدينة وعروبتها، لا تتعلَّل بالنظام الأردنى وتزعم إشرافه على زيارتكم العار؛ فالأردنّ يشارك فى التهويد، وتلك الزيارات تمت بتنسيق كامل مع السلطات العسكريّة الإسرائيليّة وتحت حراسة مشددة من قِبَل رجال الأمن الصهاينة، وهو ما يفسر حجم الإطراء والمديح الذى خلعه الصهاينة على النظام الأردنى لدوره فى تنظيم الزيارتين. كان الأحرى بك "يا مولانا" أن تساند الجوعى والمرضى المحاصَرين فى غزة، بدلاً من تعزيز السيادة الصهيونيّة على القدس، وكان الأوْلى بك "يا مولانا" أن تناصر الأسرى الفِلَسطينيين فى السجون الإسرائيليّة وهم يخوضون معركة الأمعاء الخاوية احتجاجاً على الظلم والاضطهاد الذى يتعرّضون له على أيدى الصهاينة. نحن نطالب جميع الأحرار فى بلادنا وجميع القوى السياسيّة والإسلاميّة بالوقوف ضد محاولات التطبيع التى يقودها البعض مع العدو الصهيونى؛ حتى يستردّ الشعب الفلسطينى حقوقه المغتصبة، وتحرَّر مقدسات المسلمين. أما أنت يا "فضيلة مولانا" فتُبْ إلى ربك واستغفره؛ فإن الله يقبل توبة العبد ما لم يُغرغِرْ.