لا شك أن ما يجرى على الساحة يؤذى مشاعر المواطنين, بل ويغضب كل حليم, فالخطب جلل والمصيبة كبيرة والنظام البائد يحاول العودة إلى موقع السلطة بعد أن أخذ قسطاً من الراحة فى الجحور, فعاود الوثب لعله يدرك شيئاً يحمى به نفسه وأعوانه, ظناً منه أن الشعب المصرى بطبعه الكريم قد نسى الإساءة, وتجاوز الأحزان, وغابت عن ذاكرته شخوص المفسدين لرجالات النظام السابق, وهم فى الحقيقة لا يقلون خطراً عن المجرمين الأصليين, بل هم وجه واحد يحمل أقنعة متعددة, فبصمة الكبر والغرور والاستعلاء هى الصفة الغالبة فى قيادات النظام السابق, والظلم والعدوان هما سمة متجذرة فى سلوكياته وأخلاقياته. لقد أطل علينا عمر سليمان بوجه عابس لا يبتسم, وملامح جامدة كالصخر, وهو يلوح بالصناديق السوداء فى وجه الجميع, تلك اللغة التى غابت عن المشهد منذ مطلع الثورة فى 25 يناير, وها نحن نؤكد له أن الشعب المصرى لم يعد يُصدق تلك التقارير، التى تركز على خصوصيات الناس وتتغافل عما كانت تقوم به الثلة الحاكمة من جرائم وفساد فى مجالات شتى, بل كانت هناك مؤامرات تحاك ضد إرادة الشعب لن تشملها هذه الصناديق, كما أننا لم نعد نخشى الصناديق السوداء أو الحمراء, لأن الشعب الذى انتزع حريته لن يعيدها إلى جلاديه, وأن الذى تحرر لن يقبل أن يرسف فى الأغلال مرة أخرى, إنه لم يعد أمامنا خيارات أخرى سوى الوحدة والصمود والتغاضى عن خلافاتنا الماضية, وتوحيد الصف والمواقف, كى نعبر هذه المرحلة الدقيقة، التى يشتد فيها الصراع حول مراكز السلطات فى البلاد. إن صاحب الحق الأصيل فى جميع السلطات هو الشعب فله أن يولى وله أن يعزل, وليس لأحد أى سلطان عليه سوى ضميره الذى سيسأل عنه يوم القيامة, إذا لم يؤد الأمانة إلى أهلها, ويضع الأمور فى نصابها. إن حالة الغضب فى الشارع لا يصح أن تصل بنا إلى حد الشغب, الذى يدمر ممتلكات شعب بأسره فالبلد بلدنا والوطن عاد إلينا, فلا تخريب بعد الثورة وإنما بناء وتنمية, حرية وعدالة, أمن وأمان, حب ووئام, تكافل ومساواة, صدق وشفافية, كل هذا تحت مظلة مصر أولاً, فهى أم الجميع وحاضنتهم لها من التقدير والاحترام ما لأحد سواها فالمحافظة.. المحافظة على المكاسب والتصدى.. التصدى للمخربين الذين يريدون إخراج الثورة عن مسارها فهؤلاء من المأجورين الكارهين لهذا الوطن الكبير. إن قوة الثورة تكمن فى سلميتها, وفى وضوح أهدافها, وعزم رجالها, وإرادة شعبها النابض بالحيوية المستعد للتضحية من أجل مطالبه العادلة التى سقط على طريق تحقيقها المئات من الشهداء والآلاف من الجرحى. إن التوقيتات التى تم الاتفاق عليها والمحطات، التى رسمتها خارطة الطريق لابد وأن تتم وفق ما تم التخطيط له دون تأخير لأن آخر موعد لتسليم السلطة هو يوم 30 يونيه فلابد وأن يكون فيه الرئيس الجديد قد شغل وظيقته, وإذا لم يحدث ذلك فعلى المجلس العسكرى الاستقالة من مهام منصبه وتسليم السلطة إلى مجلس الشعب فهو السلطة الوحيدة المنتخبة بإرادة شعبية حرة, حيث يتم إسناد مهام الرئاسة إليه ليشكل بالتشاور مع الميدان مجلساً رئاسياً يضم عدداً من الكفاءات والثوار الذين صمدوا فى الميدان لإدارة البلاد حتى إتمام الانتخابات والانتهاء من الدستور إذا لم تكن قد انتهت الجمعية التأسيسية من صياغته. إن الحالة الثورية التى ينبض بها الشارع السياسى, لابد أن تتمخض عن تلك اللجان الشعبية, التى كان عليها المجتمع فى بداية الثورة لحماية المنشآت, والتصدى لأعمال البلطجة أو التعدى على الممتلكات العامة والخاصة, كما أن لجان الانتخابات هى من أهم الأماكن الحيوية التى ينبغى حمايتها لكونها تعبر عن إرادة الجماهير وطموحات هذا الشعب التى يجب أن يحترمها الجميع فى داخل مصر وخارجها. والله المستعان