(1) قديمًا قيل عن بعض الناس أنهم (ملكيون أكثر من الملك)، في إشارة لشدة ولائهم الذي يجعلهم في كثير من المواقف يتقدمون حتى عن (الذين أتُبِعُوا)، وهنا يبدر السؤال: ولماذا يمكن أن يكون البعض ملكيين أكثر من الملك ؟، الإجابة: لا يمكن أن يكون ذلك لأسباب موضوعية، وإنما مرجعه إلى أحد عاملين أساسيين أو لاجتماعهما معًا، الهوى القلبي أو المصلحة المادية.
(2) وتجدها كثيرًا حولك اليوم حينما يحدث خطأ أو خطيئة من طرف من الأطراف السياسية فيسارع أنصاره إلى تشغيل بطاريات الدفاع السياسي بصورة عشوائية حتى قبل أن يبادر ذلك الطرف نفسه بإبداء دفاعه، لذلك تجد بعض أنصاره يذهبون في دفاعهم أقصى اليمين بينما يذهب أنصار آخرين في اندفاع عشوائي إلى اتجاه آخر، فكلُّ وراء هواه أو مصلحته.
(3) لذلك تجد تكوينات سياسية عجيبة، تجد مواطنين يعبرون عن وطنيتهم بالتفريط في الأرض ورفع أعلام دولة أخرى وذلك دفاعًا عن موقف الحكومة، أو تجدهم يدافعون عن نفس الممارسات التي انتقدوا بعضها بمنتهى الشراسة قبل أعوام قليلة، فإذا رأيت هذا فأعلم أنه الهوى أو المصلحة أو كلاهما.
(4) خلال الأعوام الماضية خرجت تسريبات في منتهى الخطورة منسوبة لمسؤولين رفيعي المستوى، بعضها يوضح آليات (تصنيع) الهبة الشعبية في يونيو 2013 ومصادر تمويل الحطب الذي ساعد على اشتعالها، وتسريبات أخرى تتحدث عن الأذرع الإعلامية وكيفية تكوينها، وتسريبات ثالثة تتحدث عن أوجه تحصيل وصرف المساعدات الخارجية، وتسريبات أخرى تتحدث عن كيفية تدخل السلطة التنفيذية في بعض أعمال القضاء بإتصالات هاتفية، وتسريبات تتحدث عن تعاملات من تحت الطاولة مع إسرائيل تتجاوز كل الحدود، وكثير غيرها من التسريبات البالغة الخطورة فيما يتعلق بمصائر الشعب والدولة المصرية، بل والأمة العربية بأسرها وأوضاعها الاستراتيجية.
(5) فهل يتخيل أن يكون رد البعض أن هذه التسريبات تتعارض مع الأخلاق العامة ؟!!، وأنها اختراق لحرمة (الحياة الخاصة) المكفولة للمواطنين ؟!!، هل يمكن أن يكون الرد في إطار استعراض للتسريبات التي كانت منذ سنوات بين رجل أعمال وراقصة، أو إعلامي وفتاة رقيعة ؟!!، أو أن يكون القياس تسريبات تتعرض بأمن الوطن بحالة عمر بن الخطاب حين تسور البيت على شارب خمر في بيته لما سمع أصواتًا، فرد شارب الخمر على عمر أنني عصيت الله في واحدة وأنت عصيته في الثلاث !!، علمًا أن عمر لم يعف عن الرجل - إن صحت القصة - إلا بعد أن وعد بعدم العودة لمثلها مجددًا، فكيف سيكون القياس في حالتنا، وعد بعدم الحصول على تمويلات أجنبية مجددًا أم وعد بعدم الارتماء في أحضان إسرائيل مجددًا ؟!!.
(6) أيمكن أن يكتفى بالرد أن تسريبات مزعومة لا ندري أحق هي أم باطل ؟!!، أبمثل هذه الخفة تعامل مصائر الشعوب ؟!!، أيمكن أن يكون هذا موقفًا موضوعيًا من صاحبه يمليه الضمير والحرص على المصلحة العامة، أم هو – بداهة – موقف غير موضوعي يمليه الهوى أو مصلحة شخصية تضرب عرض الحائط بكل معيار للمصلحة العامة ؟.
(7) أيمكن أن يكون الرد أن لكل طرف تسريباته – بمبدأ (سيب وأنا أسيب) !!، و(الكل ملطوط) !!، و(لا تعايرني ولا أعايرك) !! - ورغم أن هذا كله غير حقيقي، فلكم أفتروا على شرفاء بالباطل ومازالوا يقبعون داخل السجون بتهم ما أنزل الله بها من سلطان، وما عندهم من بينة واحدة ولا تسريب واحد، إن هو إلا الإفك المبين، وعند الله تجتمع الخصوم، لكن هب أن هذا حقيقي، فهل تعامل مصائر الشعوب بمثل (سيب وأنا أسيب) و(لا تعايرني ولا أعايرك)، وإذا كان هذا هو المبدأ فإنه لا يتبع، ومازال مسؤولين سابقين يقبعون في السجون بتهما مماثلة ولكن دون بينة، فأين هي (سيب وأنا أسيب) ؟!، فإذًا حتى معياركم الهزلي المتهافت غير مطبق، على أن مصائر الأوطان لا تعامل بهذا التفريط، بل تعامل – إن جاز التعبير – ب(إمسك وأنا أمسك)، (حاسب وأنا أحاسب)، (كل ملطوط ذنبه على جنبه)، غير هذا فهو عين التفريط وعين الخيانة للأمانة وعين اتباع الهوى.
(8) إن مصطلح (حرمة الحياة الخاصة) يعرفه القاصي والداني، حتى الصبي يعرف الفارق بين تسريب يتناول علاقة شخصية محرمة أو ذنب بين العبد وربه يقع داخل جدران بيته والله حسيب عليه، وبين جريمة مجتمعية أو خيانة وطنية جرت وقائعها داخل المكاتب الرسمية أو تتعلق بمصائر الأوطان، والخلط بينهما نوع من الإستغفال البحت (الإستعباط باللغة الدارجة) سيكتبه التاريخ، وربط تلك التسريبات بتسريبات أخرى مفبركة عام كذا في دولة كذا لإضعاف مصداقية الكل هو استغفال (استعباط) آخر مماثل، إذ لم يتبين فبركة تلك المفبركات في تلك الدول إلا بتحقيق مستقل أجرته تلك الجهات، لم تتعامل تلك الدول مع هذه التسريبات بالتجاهل ولا الإستعباط ولا العبث، فهذا ببساطة ما نطالب به وتطالبون بمنعه !!، كل المطلوب هو تحقيق (مستقل) ليتبين الحق من الباطل، وأنى لنا به وأنتم تقفون سدًا منيعًا بين الشعب وبين الحقيقة....يا سادة....يا من تقولون هذا الكلام.. ستكتب شهادتكم وتسألون، فأتقوا الله في أنفسكم وأوطانكم، وتذكروا قول الله سبحانه لنبيه " إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ، وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ".
م/يحيى حسن عمر عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.