فى هذا الشهر يحتفل العالم العربى بيوم اليتيم.. والذى يشعر فيه اليتيم بوصمة العار الموجودة على جبهته، والتى لا يستطيع أن يتخلص منها.. ومما يزيد طينته بلة حفلات يوم اليتيم التى تكون عذابا حقيقيا للأيتام فى هذا اليوم. أعتقد أنهم لن يكونوا سعداء بتجمع الناس حولهم فى هذا اليوم.. ولا يريدون رؤية مصمصة الشفاه، ونظرات الشفقة التى تنتهى عادة بتوزيع بعض الحلوى عليهم.. ولو' خيروا لأسقطوا هذه الحفلات. وهذا ليس تقليلا من جهد الجمعيات الخيرية فى مجال رعاية الأيتام، ولكنه نوع من إلقاء الضوء على مشكلة اليتيم الحقيقية، فمشكلة اليتيم ليست فى ملبس، أو شىء مادى ينقصه، إنما مشكلته الحقيقة أنه يريد أن يشعر بأنه طفل عادى كالآخرين بدون النظرات التى ترهقه طوال حياته. ولقد كانت نظرة الإسلام إلى مجتمع اليتامى نظرة إيجابية واقعية فاعلة، لعب فيها عنصر الإيمان وحافز الثواب دورا أساسيا.. فهم فى المجتمع المسلم ليسوا عالة على المجتمع ولا عبئا على أفراده، وإنما هم من المنظور الشرعى حسنات مزروعة تنتظر من يحصدها ليفوز بجوار النبى ورفقته يوم القيامة. فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَن النَّبِى قَال "خَيْرُ بَيْتٍ فِى الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْه.ِ وَشَرُّ بَيْتٍ فِى الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ". وفى هذا السياق علينا أن نصحح مفهوما خاطئا عن اليتم، وهو ارتباطه فى الأذهان بالظلم والقهر والحرمان النفسى.. فلا نكاد نسمع عن يتيم إلا وتقفز أمامنا صورة طفل ذليل تتقاذفه الأبواب والطرقات.. والواقع أن هذه صورة صحيحة، ولكن ما ليس بصحيح هو عزو سبب ذلك إلى اليتم والحال أنه ليس شرا فى ذاته وليس هو المسئول عن هذا الواقع، وإنما المسئول هو المجتمع.. فمظاهر الظلم والقهر والإهمال وكل الاضطرابات النفسية التى تحتل نفوس معظم الأيتام، لا علاقة لها باليتم أو بفقد النسب، بل هى من صناعة المجتمع الذى يهمل يتاماه. فاليتيم يريد أن يبلغكم أنه ليس عيبًا أن يكون يتيما، فأشرف الخلق سيدنا محمد كان يتيم الأب مبكرا، ثم توفيت أمه وهو غلام صغير لم يبلغ الحلم بعد, وفى القرآن الكريم يخاطب الله تعالى النبى محمد عليه السلام مذكرا إيّاه يتمه وكيف أن الرحمة الإلهية وسعته، فوجد من يكفله، و يرعاه كما يعرف قدره، ويحسن إليه. وهذا هو بيت القصيد أنه وجد أسره تحتضنه وتجعله واحدًا ممن أفرادها، أخرجته إلى العالم فردا طبيعيا، له تأثيرا فى المجتمع. لذلك فهل تتوقع من شخص ظل' يعاقب طوال عمره، على شىء لم يكن له ذنب فيه، أنه سيخرج ليشكر المجتمع الذى استثناه وخذله من دون سبب أو مبرر؟، أم أنه يخرج لهذا العالم، وبداخله الغضب والعنف وعدم الانتماء وعدم الثقة، إضافة إلى الشعور بالوحدة النفسية والحقد الذى كان يكبر بداخله يوماً بعد الآخر؟ سؤال لن أجيب عنه........................ مروة رسلان [email protected]