هل من المعقول أن ينتفض الشعب ويشعل أعظم ثورة سلمية ثم لا يجنى شيئا من ثمارها، بل على العكس يعانى الأمرين من تزايد الفساد وانهيار الأمن والنظام؟!.. ما الذى يجرى بالضبط؟، ولماذا سبقتنا الثورات العربية المنتصرة؟. ومن الذى يخطط لإقصاء الإسلاميين (بالطريقة المصرية) كما حدث بالجزائر وغزة بعد الانتخابات الحرة التى اختار فيها الشعب الإسلاميين؟. لقد حدث ما سبق أن حذرنا منه لحظة انتصار الثورة؛ عندما قلنا إن الثورات لا تنتهى بانصراف الثوار إلى بيوتهم قبل التأكد من تحقيق كل أهدافها.. ومن المعلوم أن الأهداف الثورية لا يحققها إلا الثوار أنفسهم، وكان ينبغى ألا ننصرف من التحرير قبل تسليم السلطة إلى قوى ثورية، يختارها الثوار.. وإذا قمنا بتحليل الأوضاع فى مصر ما بعد خلع الطاغية، وحتى الآن، نجد أننا تعرضنا لخدعة كبيرة تدل على أنه وكأن المخلوع لم يُخلع والمحروس ابنه لم يُسجن، وأن طرة قد تحولت- بالتعاون مع زوجة المخلوع- إلى مركز يدير المؤامرات ويخطط لإحداث الانهيار فى الدولة ليكفر الشعب بالثورة ويلعن الثوار ويقول (ليت أيام المخلوع تعود)! فى الأيام الأولى لانتصار الثورة؛ أصيب المفسدون وفلول النظام بالرعب وسارعوا إلى دخول جحورهم مرتعدين من احتمالات المد الثورى وأعمال التطهير التى عادة ما تعقب الثورات، ولاحظنا أن روحًا جديدة بدأت تسرى فى أوصال الشعب كله، فتوقفت الرشوة، وتحسنت الجودة بالأعمال العامة، وأقبل الشعب على خدمة الوطن تطوعا للبدء فى إصلاح ما خربه النظام المخلوع.. وكان الوطن مهيأ تمامًا للاستفادة من الطاقة الثورية الهائلة التى ولدتها الثورة. ولكن للأسف لم ينتبه أحد لمسألة استثمار الطاقة الثورية، فاكتفينا بخلع المخلوع دون المساس بنظامه، ورضينا بالقليل، وسلمنا الزمام لإدارة مؤقتة هى فى الواقع جزء من النظام المخلوع، وإذا لم تكن تنسق معه فهى فى أفضل الأحوال إدارة غير ثورية وعاجزة، تخضع للضغوط ولا تستطيع التعامل مع زلزال ثورى كان يمكن أن يقلب الأوضاع رأسا على عقب لو وُجِدت إدارة ثورية.. ولا ندرى من الذى يضع الخطط لإبقاء واستمرار النظام المخلوع عمليا حتى وإن رُفعت لافتات ثورية للخداع؟.. فالثورة لم تسفر حتى الآن عن أى مسئول تنفيذى ثورى، والغالبية العظمى من المسئولين الذين جاءوا بعد الثورة جاءوا من (مخازن) المخلوع وبطريقته.. ولو فكرنا قليلا فى طريقة اختيار المسئولين نجد أن هناك إصرارًا على عدم تمكين أية قوى ثورية أو إسلامية.. وعندما اختاروا قلة من خارج النظام على اعتبار أنهم معارضون أصروا على الأحزاب المفتقرة للشعبية والتى كانت عميلة للنظام، مُصرّين على أن هؤلاء هم "القوى الوطنية"، ولم يخطئوا ولو مرة واحدة باختيار أحد ممن يحظون بالرضا الشعبى، وقلنا وقتها إنهم معذورون لأن المناخ السياسى فى زمن المخلوع لم يكن ليسفر عن فرز وتمييز للقوى الوطنية الحقيقية فى ظل التزوير.. ولكن الانتخابات الحرة لمجلسى الشعب والشورى التى عكست بوضوح رأى الشعب وأظهرت القوى الوطنية الحقيقية لم تغير هذه السياسة الفاسدة، وظلت القوى السياسية الشرعية مستبعدة، وظلت الحكومة العرجاء بمكوناتها التى تفتقر للشعبية!. وإذا استعرضنا أسماء رؤساء الحكومة ونوابهم والوزراء والمحافظين وأعضاء المجلس الاستشارى... إلخ، نجد أن هناك إصرارًا على الاستبعاد الكامل للقوى الإسلامية التى حظيت بالقبول الشعبى وبالتالى الشرعية.. من الذى يخطط لذلك؟، ومن الذى يحتقر الإرادة الشعبية بنفس طريقة المخلوع؟! من الواضح أن هناك تدخلات أجنبية تسعى لتكرار ما حدث بالجزائر وقطاع غزة عندما فاز الإسلاميون فى انتخابات حرة وتآمر الجميع عليهم لحرمانهم من إثبات الوجود والكفاءة.. ولو كان من يخططون لذلك لديهم أدنى نسبة من احتمالات الفشل لتلك القوى الإسلامية لسارعوا بتمكينهم من الحكم لضرب هذه التجربة من جذورها، ولكنهم واثقون من رقى المشروع الإسلامى وقدرته على النجاح، فقرروا منعه، من الأصل.. ومما يثير السخرية والأسى، ويفضح المتآمرين على مصر وثورتها وعلى المشروع الإسلامى الذى اختاره الشعب بحرية، الموقف المعيب من تشكيل الهيئة التأسيسية للدستور.. فبعد أن فشلوا فى تمرير وثيقة السلمى للمبادئ (فوق الدستورية!)، ها هم الآن يتآمرون لإفساد الدستور الجديد بمحاولة منع نواب الشعب المنتخبين الشرعيين من تشكيل اللجنة، والعمل على دس أنوف من أسقطهم الشعب بهذه الهيئة، على الرغم من النص صراحة بالمادة 189 مكرر من التعديلات الدستورية التى وافق عليها الشعب: (يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلسى شعب وشورى تاليين لإعلان نتيجة الاستفتاء على تعديل الدستور لاختيار الجمعية التأسيسية المنوط بها إعداد مشروع الدستور الجديد خلال ستة أشهر من انتخابهم، وذلك كله وفقا لأحكام الفقرة الأخيرة من المادة 189). وهذه الفقرة الأخيرة تنص على: (وتتولى جمعية تأسيسية من مائة عضو، "ينتخبهم أغلبية أعضاء المجلسين" من غير المعينين فى اجتماع مشترك، إعداد مشروع الدستور فى موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها.. أين عى المشكلة إذاً؟، ومن الذى يعبث بأمن الوطن؟! أيها الحكام المؤقتون.. لقد ضيعتم الثورة، وزاد فى عهدكم الفساد والرشوة والمحسوبية، واختُلقت الأزمات والخلافات، وعمت الفوضى، وضاع الأمن وزاد الخوف، وبدأ الناس يكفرون بالثورة.. ما هو المطلوب أكثر من ذلك؟ يبدو أن الحل الوحيد هو العودة إلى التحرير بالروح نفسها التى كانت سائدة فى 25 يناير، حيث كان الشعب كله على قلب رجل واحد. [email protected]