(1) يقول المثل الشائع رُب ضارةٍ نافعة وفى القرآن الكريم"وعسى أن تكرهوا شئياً وهو خيرٌ لكم". (2) مثَّل وصول دونالد ترامب لمنصب رئيس أقوى دولة فى العالم حدثاً سيئاً بل وكارثياً للكثيرين داخل وخارج الولاياتالمتحدةالأمريكية. فالمعنى الأولى لنجاحه هو انتصارالشعبوية والشيفونية واليمينية المتطرفة وأن اليد العليا ستكون لها فى رسم سياسات الولاياتالمتحدة بل والعالم أيضاً. ولم يُخيب ترامب وفريقه التوقعات وبدا واضحاً منذ أيامه الأولى فى الحكم عزمه على إقرارسياساته العنصرية البغيضة التى بنى عليها برنامجه الرئاسى ومن ضمنها الشروع فى بناء جدار يفصل المكسيك عن الولاياتالمتحدة ,ثم كان قراره الأكثر كارثية وهو الحظر العام والشامل لمواطنين من 7 دول -غالبيتها مسلمين- من دخول الولاياتالمتحدة لتسعين يوماً (يشمل ذلك القرارمن يحملون الجرين كارد أيضا). ومن المتوقع أن تتسع هذا القائمة لتشمل دولاً أخرى مثل مصروالمملكة العربية السعودية وربما دولاً أخرى أيضاً. (3) ما إن صدر ذلك القرار إلا وانقلبت الدنيا فى الولاياتالمتحدة حيث صدرت أحكام قضائية ترفض هذا القرار جملةً وتقصيلاً وعمت المظاهرات الرافضة له الكثير من المدن الأمريكية وتوالت عبارات الرفض والشجب لهذا القرار على لسان الكثيرين من المشهورين فى الولاياتالمتحدة. وزيرة الخارجية الأمريكيه السابقة مادلين أولبرايت خرجت لتقول أنها ستسجل نفسها مسلمة كنوع من التضامن ضد سياسات ترامب, حتى داخل الحزب الجمهورى نفسه علت الكثير من الأصوات الرافضة لسياسات ترامب واستقال عدد كبير من كبار موظفى الخارجية الأمريكية احتجاجاً على سياساته الكارثية . وخارج الولاياتالمتحدة رفضت المستشارة الألمانية ميريكل هذه السياسات ووصفتها بالخاطئة. رفضها أيضاً رئيس وزراء كندا وأعلن عن ترحيب كندا بالمهاجرين. وفى بريطانيا صرح زعيم المعارضة جريمى كوربن بضرورة منع ترامب من دخول بريطانيا حتى يتراجع عن قرارته. .وهاهى الان جموع المواطنينن فى كبريات المدن البريطانية تستعد للانتفاض فى مظاهرات حاشدة اليوم الساعة السادسة بتوقيت لندن ضد قرارت ترامب بل وتطالب بمنع دخوله إلى بريطانيا احتجاجا على قرارته العنصرية البغيضة. (4) إذن ستتصدى الإنسانية داخل وخارج الولاياتالمتحدة لسياسات ترامب فمن وقف ضد اضطهاد المسلمين لم يكونوا مسلمين ,لم يكونوا من مواطنى الدول السبع الذين شملهم القرار, لم يحملهم على الدفاع عن المسلمين وحدة الدين أوالوطن بل رابطة الإنسانية التى تتخطى حدود الأوطان والأديان. هؤلاء المؤمنيين بوحدة الرابطة الإنسانية ستجدهم فى كل البلاد ومن مختلف الأديان والعرقيات يدافعون عم قيم الحرية والعدالة والمساواة للجميع بغض النظرعن دياناتهم وجنسياتهم وعرقياتهم ولكن بالطبع كفاحهم لن يكون سهلاً لأنهم لا يواجهون فقط حكاماً عنصريين متطرفين مثل ترامب وأمثاله بل يواجهون جزءاً آخرمن البشر الذين ملأت قلوبهم الكراهية للأخرين والنعرات العنصرية ولا يمانعون بل ويشجعون على الظلم والبطش بل والقتل أحياناً. وهؤلاء ممن يساندون ترامب ويدافعون عن سياساته لن تجدهم فقط فى الولاياتالمتحدة بل فى كل بلاد العالم ومن كل الديانات أيضاً. وليس أدل على ذلك أكثر مما رأيناه فى بلد مثل مصر غالبية سكانها من المسلمين- وقد يشملها قرار ترامب قريباً- حيث انطلقت الكثير من الأصوات فى الإعلام الرسمى والخاص مبتهجة بنجاح ترامب بل وانبرت للدفاع عن سياساته العنصرية بحجة محاربة الإرهاب بل وصل الأمر بأحد الأبواق الإعلامية الموجهة إلى أن صرح بأن الاخوان هم من يقفون وراء المظاهرات الرافضة لترامب بل ووصل الشطط بأمثال هؤلاء من الاعلاميين والنخبة إلى أن يخرج أحدهم بتصريح عجيب يقول فيه أن وصول ترامب للحكم هو رسالة من الله لإنقاذ البشرية !! الأعجب أن من قال هذا الكلام هو من عتاة العلمانية (والعلمانية منه براء) الذين يفصلون تماما بين الدين (الإله) والشأن العام ويهاجم من يفعل ذلك ويصفهم بأنهم يرون نفسهم مٌلاك الحقيقة المطلقة. ولكن ياللغرابة ظهور ترامب على الساحة أخرج النزعات العنصرية المتطرفة من كوامنها وأظهر الشعارات المزيفة على حقيقتها. (5) ومن ثم نرى أن وصول ترامب للحكم بقدر ما أطلق العنان لقوى التطرف والكراهية داخل وخارج الولاياتالمتحدة لتعبر عن مشروعها العنصرى الغيض فقد حفَّز-دون أن يدرى - قوى التعايش والتسامح والمحبة والإخاء بين البشر فتوحد صوتها وتجمع شملها لتنطلق متخطيةً كل الجواجز المصطنعة من حدود وعرقيات وأديان ,متحدة فقط فى إنسانيتها الرحبة التى تتسع للجميع فى واحدة من أعظم تجليات الإنسانية عبر تاريخها. فالصراع الآن لم يعد صراعاً بين أديانٍ أو أوطانٍ أوعرقياتٍ بل أنه -وربما للمرة الأولى والأكثر وضوحاً فى تاريخ البشرية -أصبح صراعاً بين قوى الانسانية المتطلعة للحق والعدل والمحبة من جهة وغرائز البشرالممعنة فى الكراهية والتطرف والعنصرية من جهة أخرى. والسؤال الآن ليس لمن تكون الغلبة فى هذا الصراع بل السؤال الأكثرأهميةً أين سيكون موقعك فى هذا الصراع؟.
Dr. Hussein Omar MB Bch, PgCert, MSc, MRCpsych and CCT Consultant psychiatrist in General Adult, Rehab and Substance misuse