منذ عدة أيام كنت أقوم بتوصيل ابنى إلى مدرسته وبعد ما ركنت سيارتي وتوجهنا إلى فصله لاحظت أن الجو كان بارداً إلى حدٍ ما ولكنى لم انتبه لذلك عندما غادرنا المنزل. كان ابني يرتدى قميصاً بنصف كم وبدا عليه بعض التأثر ببرودة الجو. شعرت حينها بالتقصير وبأنني غير جديرٍ بتحمل مسئوليتى كأبٍ تجاهه. دخل ابني إلى فصله وعدت إلى المنزل مسرعاً كي أحضر له البلوفر وعدت إلى المدرسة لأعطيه إياه وأنا لا زلت أشعر بتأنيب الضمير على تقصيري تجاهه. تذكرت هذا الموقف وأنا أقرأ عن كارثة مركب رشيد التي راح ضحيتها ما يقرب من خمسمائة شخص، بينهم أطفال فى عمر ابنى وربما أقل عمراً. من المؤكد أن هؤلاء الأطفال (والكبار كذلك) تجمدوا بردأ وهم يصارعون الأمواج قبل أن يلقوا حتفهم غرقى. أكاد أجزم أن أول ما سيخطر ببال إخواننا الدولتية (وأسهل شئٍ طبعاً) أن نلوم الضحايا ونحملهم المسؤلية لأنهم من ألقوا بأنفسهم وأطفالهم إلى التهلكة بسبب طمعهم، وأنهم يستحقون ما جرى لهم. لست هنا فى معرض الدفاع عمن يحاول الخروج من مصر فى مركب تهريب ويُعرض نفسه وذويه للخطر، لكن من الضرورى أن نتذكر بأن الظروف المعيشية لهؤلاء الناس من المؤكد فى غاية الصعوبة والضيق وأن هذا وحده كفيل بأن يقدموا على مثل هذه المغامرة الغيرمحمودة العواقب .إنه اليأس من واقعٍٍ شديد القسوة يقابله أملٌ ( ولوحتى واهٍ) فى غدٍ أفضل على أرضٍ تعدهم بحياةٍ كريمةٍ عجزت بلادهم عن توفيرها لهم. لا أعلم بماذا شعر رئيس الجمهورية فى غمرة مشاغله فى الأممالمتحدة عندما نما إليه خبر هذه الفاجعة؟ ربما لم يُخبره مساعدوه كي لا يفسدوا عليه الأجواء الاحتفالية التى صاحبت وصوله إلى الولاياتالمتحدة، أو ربما وصله الخبر فى صورة بيان المتحدث العسكرى الذى صور المأساة وكأنها فتحٌ كبيرٌ لقواتنا الباسلة التى نجحت فى تعقب المهاجرين غير الشرعيين والتصدى لهم قبل أن تنجح محاولاتهم الإجرامية فى ترك مصر أرض النعيم "وتشويه سمعتنا بالخارج". من المحتمل أيضاً أن يكون وصله الخبر صحيحاً وتأثر وبكى على ما آلت إليه الأوضاع فى عصره الميمون. لست متأكداً ولا سبيل لى ولا لغيرى للتأكد بما شعر الرئيس أو جال بخاطره لأن هذا بالقطع سٌر من الأسرار العليا التى لا ينبغى للعامة والدهماء أمثالنا أن يسألوا عنها أو لا سمح الله يطلعوا عليها. ولكن ما أنا متأكد منه أن الرئيس لم يذكر هؤلاء الضحايا فى أيٍ من خطاباته، ولم يتوجه بالعزاء لأسرهم، ولم يُشعرنا أن ما حدث كارثةٌ بكل المقاييس، ولم يُكلف مساعدوه بأن تعلن الدولة حالة الحداد الرسمى على الخمسمائة ضحية وكأن ما حدث شئٌ عاديٌ وأقل من أن يسترعي انتباهنا أو أن نفعل أي شيئ حياله. أنا متيقن أيضاً أن السيد الرئيس لم ولن يرى أنه المسؤل الأول(سياسياً وأخلاقياً) عن هذه المأساة باعتبارات منصبه الذي يجعله مسؤلاً عن تسعين مليون من البشر شاء قدرهم التعيس أن يولدوا ويعيشوا فى بلدٍ يصيرالموت المحتمل غرقاً فى أمواج البحر المتوسط أهون عليهم من استمرار العيش فيه. -- Dr. Hussein Omar MB Bch, PgCert, MSc, MRCpsych and CCT Consultant psychiatrist in General Adult, Rehab and Substance misuse