تمكنت الإمارات العربية المتحدة من تحقيق أرقام اقتصادية جديرة بالاهتمام خلال 2016، إذ ساهم تنوع اقتصادها، والقدرة على التأقلم مع انخفاض أسعار النفط، في تجنب البلاد الوقوع بدوامة اقتصادية سقطت بها معظم الدول المصدرة للنفط. الإمارات كالعادة حجزت المقعد الثاني خلف السعودية في تصنيف أكبر اقتصاديات العالم العربي خلال 2016 من ناحية الناتج المحلي الإجمالي، إذ صنّف صندوق النقد الدولي، اقتصاد الإمارات في المرتبة 31 عالميًّا، مسجلًا ناتجًا محليًّا إجماليًّا للدولة بالأسعار الجارية خلال 2016، نحو 375 مليار دولار (1.37 تريليون درهم)، ليساهم بنسبة 0.499% في الاقتصاد العالمي. وفي الوقت الذي تمكنت فيه الإمارات من تفادي ضربة عنيفة بسبب أسعار النفط، يثور تساؤل ملح، وهو: «كم يتبقى من الوقت لتتربع الإمارات على قائمة الاقتصادات العربية؟»، والإجابة من الناحية النظرية أنه ما زال الفارق بين السعودية والإمارات كبيرًا، ولكن عند تقييم وضع اقتصاد كلا الدولتين، نجد أن الإمارات باتت قريبة جدًّا من اعتلاء القمة في المنطقة. بعيدًا عن أن تراجع الاقتصاد السعودي بقوة في السنوات الأخيرة بسبب هبوط النفط قد يُعد السبب الأهم، إلا أن هناك عدة أسباب أخرى رصدها موقع ساسة بوست ترجح صعود الإمارات للقمة قريبًا، وأبرزها: السياحة
يتوقع مجلس السفر والسياحة العالمي، تسجيل عوائد القطاع السياحي في دبي فقط بنحو 26.4 مليار درهم بنهاية العام 2017، ثم 31.2 مليار درهم بحلول 2020، مقارنة مع 24 مليار درهم كانت سجلتها السياحة في دبي خلال عام 2015.
وسجّلت الاستثمارات في القطاع السياحي بإمارة دبي، نموًا نسبته 2.8% في 2016، ب12.3 مليار درهم، ومن المتوقع أن تنمو الاستثمارات إلى 13.5 مليار درهم خلال العام الجاري بنحو 6.8%، ثم إلى 16.5 مليار درهم بحلول عام 2020.
وتكشف خطة دبي الطموحة عن أن الإمارات استفادت بقوة من الأحداث الإقليمية، سواء في مصر أو تركيا، وهو الأمر الذي يجعلها قريبًا الأولى عربيًّا في حال واصلت هذه المعدلات، إذ تتوقع إمارة دبي استقطاب 20 مليون سائح، ومضاعفة عدد الغرف الفندقية لتصل إلى 160 ألف غرفة بحلول عام 2020، بالتزامن مع انعقاد معرض «أكسبو 2020»، مقارنة ب14.2 مليون زائر في 2015.
الاستثمارات
على مستوى الاستثمارات الأجنبية الكلية في الإمارات، وصل حجمها إلى 827.8 مليار درهم في نهاية 2015، مرتفعًا بحوالي 7.4% مقارنة بالعام السابق، إذ كشفت الهيئة الاتحادية للتنافسية والإحصاء، عن أن رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر في 2015 ارتفع بقيمة 32.4 مليار درهم. وما يرجح أن يجعل الإمارات تتفوق على السعودية قريبًا، هو أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ليست في قطاع الطاقة؛ بل إن 70% من إجمالي الاستثمارات، كانت تجارة الجملة، والتجزئة، وأنشطة العقارات، والأنشطة المالية، وهو ما يضيف مزيدًا من التنوع في اقتصاد، وهو الأمر الذي لم تنجح فيه السعودية بعد.
وكيل وزارة الاقتصاد لشؤون التجارة الخارجية والصناعة الإماراتية، عبد الله آل صالح، كشف من جانبه عن أن «النمو الاستثماري بالإمارات لم يقتصر على التدفقات الواردة، إذ بلغ حجم الاستثمارات الصادرة للخارج 9.3 مليار دولار خلال 2015، مرتفعة من 9 مليارات في 2014»، وذلك لتصبح أكبر مستثمر عربي في الخارج في نهاية عام 2015، ويصل الرصيد التراكمي لتلك الاستثمارات إلى 87.4 مليار دولار. الاحتياطي
وبعكس باقي الدول الخليجية لم تسحب الإمارات كثيرًا من الاحتياطي، وهو ما عزز من موقفها الاقتصادي الذي استطاع الصمود أمام أسعار النفط، فيما أعلن البنك المركزي الإماراتي مؤخرًا رفع قيمة احتياطي الذهب (الأونصات) لديه، بنسبة 12.6% على أساس سنوي إلى 1.052 مليار درهم في نهاية نوفمبر 2016، وذلك مقارنة ب 934 مليون درهم بنهاية نوفمبر 2015.
وبحسب البيانات فقد أضاف البنك المركزي الإماراتي أصولًا من الذهب قيمتها 112 ملايين درهم خلال الشهور ال11 الأولى من 2016، مقارنة بنحو 940 مليون درهم بنهاية 2015، وكان مصرف الإمارات المركزي قد قرر في أبريل (نيسان) 2015، العودة لتكوين احتياطي الذهب للمرة الأولى منذ ثماني سنوات، بعد أن اختفت في النصف الثاني من عام 2007.
التجارة الخارجية
تعتبر التجارة الخارجية من النقاط المضيئة في الاقتصاد الإماراتي، ويمكن أن تكون من أهم أسباب تسارع نمو البلاد، إذ كشفت بيانات صادرة مؤخرًا عن مركز إحصاء أبوظبي، أن قيمة التجارة الخارجية غير النفطية للإمارة بلغت في عشرة أشهر 141.3 مليار درهم، مقابل 140 مليار درهم خلال الفترة نفسها من عام 2015. التقرير كشف عن أن الارتفاع، جاء نتيجة زيادة قيمة المعاد تصديره إلى 19.2 مليار درهم، وهو الأمر الذي دفع فائض الميزان التجاري غير النفطي للإمارة، إلى 11.84 مليار دولار في الشهور العشرة الأولى من العام الماضي، مقارنة مع 11.34 مليار دولار في الفترة المناظرة من 2015. الطاقة النووية
قطعت الإمارات شوطًا كبيرًا في مجال الطاقة النووية السلمية، إذ قالت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية في 20 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إنها استكملت ما نسبته 50% من إجمالي العمليات الإنشائية للمحطتين الثالثة، والرابعة في مشروع براكة للطاقة النووية السلمية.
وبدأت عمليات الإنشاءات الخاصة بمشروع الطاقة النووية السلمية في براكة عام 2012، ومن المقرر إتمام بناء محطات المشروع الأربعة عام 2020، إذ ستوفر هذه المحطات ما يصل إلى ربع احتياجات دولة الإمارات من الكهرباء الصديقة للبيئة، والتي ستحدّ من الانبعاثات الكربونية في الدولة بواقع 12 مليون طن سنويًّا، وهو الأمر الذي يجعل الإمارات قريبة جدًّا من الوصول للقمة.
كريستر فيكتورسون، مدير عام الهيئة الاتحادية للرقابة النووية الإماراتية، قال مؤخرًا إن «عمليات الإنشاء الخاصة بالمشروع المكون من أربع محطات التي بدأت عام 2012، تسير وفق الجداول المحددة، ووصلت النسبة الكلية لإنجاز المشروع إلى أكثر من 75%، موضحًا أنه من المخطط تشغيل المحطة الثانية في العام المقبل، وتليها المحطة الثالثة في 2019، وتختتم بتشغيل المحطة الرابعة في 2020».
الطاقة المتجددة
دخول الإمارات في إطار التنوع في الاعتماد على الطاقة لم يقتصر على النووية فقط، بل دول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الراهن، تحاول تعزيز استثماراتها في قطاع الطاقة المتجددة؛ استعدادًا لمرحلة ما بعد النفط، وذلك في الوقت الذي وصلت فيه حجم الاستثمارات العالمية في الطاقة المتجددة إلى 300 مليار دولار في نهاية عام 2015، بزيادة خمسة أضعاف عما كانت عليه في 2004، ومن المتوقع ارتفاعه 900 مليار دولار سنويًّا حتى 2030، بحسب وكالة الطاقة المتجددة «آيرينا».
وعلى مستوى الإماراتي كشف سهيل المزروعي، وزير الطاقة الإماراتي، عن أن السنوات الثلاثين المقبلة ستشهد استثمار أكثر من 700 مليار درهم (190 مليار دولار) في قطاع الطاقة المتجددة، وفقًا لاستراتيجية الإمارات للطاقة حتى 2050.
وتتمثل الاستراتيجية الإماراتية في ضم خليط من مصادر توليد الطاقة، بواقع 50% من مصادر خضراء، منها 44% من الطاقات المتجددة، و6% من الطاقة النووية، و50% المتبقية من الوقود الأحفوري، بواقع 38% من الغاز الطبيعي، و12% من الفحم الأخضر، وفقًا للمزروعي. الأقل فسادًا
الشفافية، وسهولة الأعمال، ونسبة الفساد دائمًا ما تعتبر من أهم المؤشرات على مستقبل اقتصاديات الدول، ورغم الانحدار الذي سجله العرب في مؤشر مدركات الفساد 2016، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية الأسبوع الماضي، واصلت الإمارات احتلال المركز الأول عربيًّا، إلا أنها تراجعت إلى المرتبة 24 عالميًّا، مقارنة بالمرتبة 23 في تقرير العام الماضي.
ويرجح الخبراء أن يسجل اقتصاد الإمارات انتعاشة قوية خلال 2017، فيما يرى مبارك راشد المنصوري، محافظ البنك المركزي الإماراتي، أن عام 2017 سيشهد تحقيق نموٍ اقتصادي أفضل، وهو ما يُرجّح بالفعل مع سياسات التنويع الاقتصادي، بعيدًا عن النفط. النقاط السابقة تكشف أن الإمارات تسير بخطى ثابت نحو التربع على قائمة أكبر اقتصاديات العرب، وهو الأمر الذي من المرجح أن يحدث في وقت قريب، فيما يعجل من حدوثه الهبوط الملحوظ الذي تسجله المؤشرات الاقتصادية لنظيرتها السعودية، والذي يظهره الرسم البياني التالي، وربما يكون معرض «أكسبو 2020» نقطة تحول كبيرة للإمارات.