يبدو أن السلام الدافئ مع إسرائيل الذي تحدث عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال خطابه بالأممالمتحدة لن يتحقق، لاسيما بعد حكم المحكمة الإدارية العليا، الذي يلزم الحكومة باتخاذ الإجراءات الكفيلة بتعويض الأسري المصريين خلال حربي عام 1956 و1967 ومقاضاة إسرائيل دوليًا. وقضت دائرة فحص الطعون الأولى بالمحكمة الإدارية العليا في مطلع الأسبوع الماضي، بتأييد الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة في مارس 2008، بإلزام الحكومة المصرية باتخاذ الإجراءات الكفيلة بالقصاص للأسرى المصريين خلال حربي عام 1956 و1967، وتعويضهم عما لحق بهم من جرائم قتل وتعذيب. وقالت المحكمة في حيثيات حكمها، إن "الدولة ملتزمة بموجب الدستور بالدفاع عن حقوق المواطنين في مواجهه الدول الأجنبية لاسيما في الحالات إلى تكفل فيها قواعد القانون الدولي للأفراد حق مقاضاة الدول الأجنبية". وكان مقيمو الدعوى قد أكدوا امتلاكهم أفلامًا وثائقية تؤكد قتل إسرائيل للمئات من الأسرى المصريين. وقال الدكتور احمد حماد، أستاذ الدراسات الإسرائيلية جامعة عين شمس، إن "مصر عليها التريث خلال تلك الفترة ولا تقوم برفع أية دعاوى دولية ضد إسرائيل، إلا بعد اتضاح السياسة الأمريكية أولاً". وأضاف حماد ل "المصريون": "هذا الحكم يعطي الحق للحكومة المصرية لمقاضاة إسرائيل دوليًا لكن تنفيذه الآن لن يكون في صالح مصر"، مشيرًا إلى أن "قيام مصر بذلك ربما يترتب عليه إثارة بعض القلاقل والأزمات بين مصر من جانب وإسرائيل وأمريكا من جانب آخر". وأوضح أن "إسرائيل تحتفظ بحماية أمريكية ودولية، وتعد ابنة أمريكا المدللة، وإقامة دعاوى ضدها ربما يغضب الإدارة الأمريكية والتي لم تتحدد ملامحها حتى الآن تجاه مصر". وتابع: "من وجهة نظري أرى أن مصر عليها التريث خلال تلك الفترة، ثم تقوم بعد ذلك باختيار الوقت المناسب للتحرك ضد إسرائيل". من جانبه، قال حسني السيد، المحامي بالنقض والدستورية العليا، إن حكم المحكمة الإدارية العليا يعد حكمًا نهائيًا، كما أنه يلزم الحكومة المصرية وفقًا للدستور والقانون، بمقاضاة إسرائيل دوليًا للحصول على حقوق المتضررين إبان الحروب معها. وأشار إلى أن "الدستور والقانون ينصان على أن الدولة ملتزمة بالدفاع عن حقوق مواطنيها ضد الدولة الأجنبية؛ نظرًا لعدم قدرة المواطنين على مقاضاة الدول الأخرى"، لافتًا إلى أن "النزاعات بين الدولتين ستكون محددة بهذا الأمر فقط، ولن يكون هناك نزاعات أخرى خارج هذا السياق". وأكدت المحكمة الإدارية في حكمها أنه "يتعين علي الحكومة المصرية اتخاذ جميع الإجراءات التي تكفل حماية حقوق أبناء مصر من المواطنين العاديين أو من أفراد القوات المسلحة الذي قٌتلوا في الأسر أو عذبوا أو انتهكت حقوقهم التي كفلتها قواعد القانون الدولي و الاتفاقيات الدولة بموجب اتفاقية جنيف وذلك وفقاً لأحكام القانون الدولي". وعن الخطوات التي يمكن أن تتخذها الحكومة للحصول على حقوق هؤلاء المتضررين، أوضح السيد ل "المصريون" أن "هناك مجموعة من الطرق يمكن اتباعها وأولها الطرق الدبلوماسية، فإذا فشلت يمكن اللجوء إلى الأممالمتحدة، ثم بعد ذلك تأتي مرحلة اللجوء للمحكمة الجنائية الدولية". وقال إن "الحكومة عليها مخاصمة إسرائيل دوليًا عن طريق الطرق الثلاثة السابقة، للدفاع عن مواطنيها وحقوقهم التي تم انتهاكها"، مشددًا على أن "هذه القضايا لا تسقط بالتقادم، ولا يسقط حق المواطنين في الدفاع والمطالبة بحقوقهم بمرور كل هذه العقود، لكن يظل من حقهم إقامة الدعاوى ضد الحكومة، لحثها على التحرك نحو المطالبة بحقوقهم". واعتبر أن "تلك الجرائم لا تسقط بالتقادم ولا يسقط حق المواطنين الفرديين والدولة في التعويض". وقالت المحكمة إن اتفاقية جنيف توفر "آلية لإجبار إسرائيل على التحقيق مع مجرمي الحرب الإسرائيليين الذين ارتكبوا جرائم ضد الأسرى و المدنيين ومحاكمتهم على تلك الجرائم". وتابع الخبير القانوني: "من حق إسرائيل أن تدفع تلك التهم عنها، لكن بصدور حكم من الأممالمتحدة أو المحكمة الجنائية الدولية، سيكون على إسرائيل تنفيذ الحكم فورًا ودون مناقشة".