معركة الدستور التى تشن ضد الأغلبية المنتخبة شعبيًا هى معركة النفس الأخير قبل أن تستقر مؤسسات الدولة، ولهذا نرى ما فيها من شراسة وتحريض على الاستقالات من اللجنة التأسيسية. منذ مارس من العام الماضى والقوى العلمانية واليسارية لا تتوقف عن محاولات فرض وجهة نظرها الاستعلائية، وفى سبيل ذلك تضرب بالديمقراطية عرض الحائط وتتخلى عن مبادئها، فأحدهم وهو المرشح الرئاسى هشام بسطويسى يحث الجيش على التدخل والاستيلاء على الحكم زاعمًا أنه سيلقى تأييد الشعب.. كيف يتخيل بسطويسى أن الشعب الذى منح الأغلبية البرلمانية سيدعم الانقلاب عليها؟! القول بأنه ليس من حق المجالس النيابية صياغة الدستور كلام فارغ وبالونات تعتمد على أن أحدًا لا يقرأ ولا يبحث وراء من يدعونهم فقهاء دستوريين والذين يدسون على الناس تلك الأكاذيب بعد أن وجدوا أنفسهم على الرف فقد استنزفوا عمرهم الافتراضى فى خدمة نظام مبارك. دستور الولاياتالمتحدة دعا إليه مجلس الشيوخ وعقد أول مؤتمر فى 14 مايو 1784 فى فيلادلفيا بحضور نواب من كل الولايات، وبعد مساجلات عنيفة أقر الدستور الذى بدأت افتتاحيته باسم الشعب، وكانت كالتالى "نحن شعب الولاياتالمتحدة، وحتى نشكل وحدة متكاملة ويتم العدل ونضمن الأمن القومى، ونبنى مستقبلاً جيدًا، ونؤمن الحرية لأنفسنا، نتبنى هذا الدستور". أما الدستور الألمانى فوضعه البرلمان قبل أكثر من 62 عامًا ووقف صامدًا عند إعادة الوحدة بين شطرى ألمانيا، وحاليًا هو من أكثر الدساتير نجاحًا فى العالم.. وتعرف المعاهد المتخصصة فى العالم واضعيه بأنهم آباء الدساتير وأمهاته، فقد كان ذلك البرلمان يضم فى عضويته 4 سيدات شاركن فى صياغته. وتعطى معظم دساتير العالم البرلمان سلطة الفصل فى إجراء تعديلات على الدستور سواء كان من النوع المرن أو الجامد، باعتبار أن البرلمان يمثل الأمة وهو أكثر السلطات صلاحية للفصل فى ضرورة التعديل. وبعض الدساتير تزيد الأغلبية أغلبية، فتطلب موافقة الشعب على التعديل بعد موافقة البرلمان، ومعظم الدساتير عهدت له بمهمة وضع التعديل. وتعارف تاريخ الدساتير فى العالم على انتخاب جمعية نيابية تأسيسية لوضع الدستور باعتبار أن الشعوب صاحبة السلطة، واقتران صفة النيابية معناه أن الجمعية تتكون من أعضاء منتخبين من البرلمان المنتخب شعبيًا. أول من اتخذ تلك الطريقة أمريكا حيث وضعت بها دساتير الولايات ثم الدستور الاتحادى، واعتمد أيضًا رجال الثورة الفرنسية على الأسلوب ذاته، وعلى الدرب سارت معظم الدساتير التى صدرت عقب الحربين العالمية الأولى والثانية، مثل دستور فرنسا عام 1948. [email protected]