رغم مسارعة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للتحذير من أي انسحاب متسرع من أفغانستان على خلفية الاستياء الشعبي المتنامي هناك إزاء انتهاكات قوات حلف الناتو، إلا أن رد فعل حركة طالبان على مذبحة قندهار يرجح أن واشنطن ستجبر على هذا الأمر في القريب العاجل. وكان جندي أمريكي خرج من قاعدته العسكرية في منطقة بنجاواي في ولاية قندهار المضطربة في جنوبأفغانستان وهو مدجج بالسلاح وقتل في 11 مارس سكان ثلاثة منازل في قرية مجاورة، بينهم تسعة أطفال وثلاث نساء وشيوخ، قبل أن يحرق جثثهم. وعلى الفور، وصف أوباما مجزرة المدنيين الأفغان التي كان معظم ضحاياها نساء وأطفال بأنها "مؤلمة ومأساوية"، وأشار إلى أنه اتصل هاتفيا بنظيره الأفغاني حامد كرزاي وعبر عن حزنه العميق لتلك المذبحة، متعهدا بإجراء "تحقيق شامل" فيها. وحذر الرئيس الأمريكي في هذا الصدد من أي انسحاب متسرع من أفغانستان، قائلا في مقابلة مع محطة التليفزيون الأمريكية"KDKA" في 12 مارس إن من المهم لبلاده أن تؤمن انسحابا بطريقة مسئولة من أفغانستان كي لا تضطر فيما بعد للعودة إليها. وأضاف "الانسحاب المتسرع هو ما لا نريده من أفغانستان، لدينا مئات المستشارين على الأرض في المناطق المدنية، لدينا معدات عسكرية ضخمة يجب أن تسحب من أفغانستان، يتوجب علينا أن نتأكد من أن الأفغان سيكونون قادرين على تأمين حدودهم لتحاشي انتشار القاعدة في الداخل". وفي السياق ذاته، أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني أن حادث إطلاق النار في قندهار لن يغير الجدول الزمني لانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، قائلا:" لا أعتقد أن هذا الحادث سوف يغير الجدول الزمني لاستراتيجية وضعت وتطبق على نحو من شأنه أن يسمح بانسحاب القوات الأمريكية ونقل المسئولية الأمنية إلى الأفغان بنهاية 2014". ورغم التصريحات الأمريكية السابقة، إلا أن تهديدات حركة طالبان بعد مجزرة قندهار ترجح أن خسائر فادحة تنتظر القوات الأمريكية في حال استمرت بأفغانستان. ففي بيان لها في 12 مارس، توعدت طالبان بالانتقام لضحايا مجزرة قندهار من الأمريكيين الذين وصفتهم بالهمجيين، كما سارعت الحركة بإرسال عناصرها إلى مساجد بنجاواي لحضور تشييع الضحايا وحث السكان على الانضمام للمقاومة ضد قوات الناتو. وروى أحد سكان بنجاواي لوكالة "فرانس برس" أن عناصر طالبان كانوا يقولون للناس:"لقد أتى المحتلون الأمريكيون الكفار إلى منازلكم وأهانوا نساءكم وقتلوا أطفالكم، فماذا تنتظرون؟ عليكم الخروج والتظاهر والانضمام للمقاومة". ورغم أن واشنطن تحدثت عن عمل معزول، إلا أن روايات جيران الضحايا أكدت أن مجموعة من الجنود الأمريكيين نفذوا المذبحة، الأمر الذي من شأنه أن يدعم تحركات لتعبئة الشعب الأفغاني ضد قوات الناتو. وقال أحد الناجين من المذبحة إن الجندي لم يكن وحده بل مع رفاق له سكبوا البنزين على جثث القتلى من أهله وأحرقوها، بل وأفاد مراسل وكالة "فرانس برس" أيضا أن بعض الجثث كان عليها علامات سوداء نتيجة احتراق. وفيما شجب الرئيس حامد كرزاي المذبحة ووصفها ب "قتل عمد"، اتصل هاتفيا بأسر الضحايا، بمن فيهم فتى روى له كيف أن الجندي الأمريكي مزق ثياب النساء في المنزل وقام بإهانتهن. ويبدو أن التصريحات الصادرة من داخل الولاياتالمتحدة حول أن مرتكب المذبحة قد يكون مختلا عقليا من شأنها أن تضاعف أيضا استياء الأفغان أكثر وأكثر، خاصة أن البرلمان الأفغاني أصدر بيانا قال فيه إن صبر الشعب نفد لغياب الإشراف على الجنود الأجانب الذين يتخذون "إجراءات استبدادية". وكان مسئول أمريكي أعلن أن الجندي الأمريكي المتهم بقتل 16 قرويا أفغانيا خدم أيضا في العراق وسبق له أن عولج من إصابة شديدة بالدماغ بعد انقلاب مركبة قرب بغداد في 2010. ونقلت وكالة "رويترز" عن هذا المسئول القول إنه من المبكر جدا التأكيد إذا كانت هناك أي صلة بين تلك الإصابة والمذبحة التي ارتكبها الجندي في أفغانستان. وبالنظر إلى أن واشنطن رفضت محاكمة مرتكبي فضيحة إحراق المصاحف في قاعدة باجرام الأمريكية في شمال كابول في 21 فبراير الماضي، كما التزمت الصمت إزاء حادثة تبول جنود أمريكيين على جثث مقاتلين من حركة طالبان في بداية العام الحالي، فقد أكد كثيرون أن قوات الناتو باتت في مواجهة مفتوحة مع الشعب الأفغاني بأكمله وليس مع حركة طالبان فقط. وبصفة عامة، فإن الوقت ليس في صالح القوات الأمريكية في أفغانستان، بل وقد تخرج من هناك بفضيحة أكبر من هزيمتها في فيتنام.