لا يختلف اثنان على أن الفوز الساحق الذي حققته حركة حماس في المرحلة الرابعة من الانتخابات المحلية واكتساحها ثلاثة من أكبر المراكز الفلسطينية في الضفة الغربية، يشكل مؤشراً واضحاً على طبيعة النتائج في الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في الخامس والعشرين من يناير القادم. وأصبح واضحاً أن السلطة الفلسطينية تتعمد تأجيل الانتخابات المحلية في بقية المدن الكبرى في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومخيمات اللاجئين ذات الكثافة السكانية العالية، لإدراكها أن فوز حماس في هذه المدن وتلك المخيمات سيكون أكثر صخباً. ومما لا شك فيه أن تواتر فوز حماس في الانتخابات المحلية يدلل بما لا يقبل التأويل على أن الحركة باتت القطب السياسي الأكثر عمقاً في المجتمع الفلسطيني، في حين عكست هذه النتائج قيام الجمهور الفلسطيني بحجب الثقة عن حركة " فتح " المنافس الرئيسي لحماس في الشارع الفلسطيني، ويبرز عمق الأزمة التي تحياها هذه الحركة. لكن بقدر ما يمثله هذا الفوز من دلالات ، فإن هناك أكثر من سبب يدعو للتخوف من أن يستحيل هذا الفوز إلى طوق يطبق على عنق الحركة ويقيدها ويحاصرها،و ليكون سبباً في تراجعها وانزوائها. ونحن هنا بصدد مناقشة مسوغات هذا القلق: 1- تحاول كل من دولة الاحتلال والإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي توظيف الانتخابات لابتزاز حركة حماس وتخييرها بين الإقرار بشرعية نتائج الانتخابات التشريعية التي تشارك فيها، وبين توقفها أو تجميدها لعمليات المقاومة ضد الاحتلال. الذي يغري دولة الاحتلال تحديداً بممارسة هذا الابتزاز ، هو اعتقادها أن حركة حماس، وبالذات – قيادة الداخل – تولي اهتماماً كبيراً للمشاركة في الانتخابات. وبالمناسبة فإن اسرائيل تقبل أن تعلن حماس مواصلة التزامها بالتهدئة بدون تحديد موعد محدد، في الوقت الذي تواصل فيه قوات الاحتلال استهداف حركات المقاومة الأخرى وتحديداً في الضفة الغربية. والذي يشجع المسؤولين الصهاينة على هذا الاعتقاد هو حقيقة أن حماس كانت الحركة الأكثر التزاماً بالتهدئة ، بالمقارنة بحركات المقاومة الأخرى. وهناك من المسؤولين في اسرائيل من يرى أن السماح بمشاركة حماس في الانتخابات وحصولها على نتائج كبيرة سيدفعها ل " الاعتدال "، ويبعدها عن المقاومة، على اعتبار أن قيادة حماس ستأخذ بعين الاعتبار ردة الفعل الصهيونية على أي عمل تقوم به الحركة، سيما في حال شاركت الحركة في الحكومة الفلسطينية التي ستتشكل بعد الانتخابات. وفي حال لم تتحقق الرهانات الإسرائيلية، ووفت الحركة بتعهدها بعدم تجديد التهدئة ، وعادت لعمليات المقاومة، فإن الأمريكيين والأوروبيين قد ينفذون تهديدهم بقطع المساعدات عن مناطق السلطة الفلسطينية، بحيث يتحول انتصار حماس في الانتخابات إلى سبب لمزيد من التدهور في الأوضاع الاقتصادية، ودفع الجمهور الفلسطيني لتحميل حركة حماس المسؤولية. وهنا يتوجب أن نشير إلى أن الأمريكيين والأوروبيين الذي يطالبون حماس بالتوقف عن عمليات المقاومة لا يطرحون في المقابل أي أفق سياسي، بل يتركون المجال لشارون لفرض تصوره للتسوية. وفي المقابل، وفي حال أوقفت حماس عملياتها تحت هذا المبرر أو ذاك، فإنها تفقد صدقيتها ومبررات وجودها كحركة مقاومة. 2- وحتى إذا تجاوزت حماس المعوقات الإسرائيلية والأوروبية والأمريكية، فإنه سيكون من الأصعب تجاوز التحديات التي ستطرحها حركة " فتح " ومعسكراتها المتباينة. ف" فتح " لن تسلم بتحقيق حركة حماس العدد الأكبر من المقاعد في " المجلس التشريعي ". فالمتنفذون في " فتح " يدركون أن انتصار حماس سيكون مقروناً بخسارتهم الكثير من مراكز النفوذ التي يسيطرون عليها حالياً بدون منازع منذ تشكيل السلطة الفلسطينية في العام 1994. وإن كان أصحاب النفوذ لم يتورعوا في استخدام العنف ضد بعضهم البعض في الانتخابات التمهيدية التي أجرتها الحركة، فعلينا أن نتصور حجم العنف الذي سيبادر إليه هؤلاء من أجل إعاقة إجراء الانتخابات، فهناك خوف من أن تؤدي الانتخابات إلى نشوب حرب أهلية فلسطينية بكل ما تعنيه هذه الكلمة. من هنا كان من الأهمية بمكان أن تبادر حركة حماس إلى إقناع الفصائل الفلسطينية الأخرى لدعوة الجامعة العربية للاشراف على إجراء الانتخابات التشريعية من أجل منع أو تقليص عمليات العنف، وحتى يتم التصدي لأي محاولة لتزييف نتائج الانتخابات. 3- وفي حال تم احترام نتائج الانتخابات، فإنه سيكون هناك القليل أمام حماس لتعمله سواء كانت في السلطة أو على مقاعد المعارضة. فالنظام السياسي الفلسطيني القائم على الشللية لا يضمن احترام أدوات الرقابة على ما يجري في دوائر السلطة، وبالذات في الأجهزة الأمنية التي يعتبر قادتها وعناصرها أنفسهم بأنهم فوق القانون. وفي حال أصرت الكتلة النيابية لحماس في المجلس التشريعي على ممارسة دورها في الرقابة والتشريع، فإنها ستصطدم بالإرث الذي تركه الرئيس الراحل ياسر عرفات، حيث إنه سيكون هناك الكثيرون ممن هم مستعدين للتصادم مع الحركة لمنعها من المس بهم. والذي يجعل المهمة صعبة جداً هو صعوبة التوفيق بين تعليق الجماهير الفلسطينية الآمال العراض على التغيير والإصلاح، وحجم التحديات الجسام التي تواجه المجتمع الفلسطيني، فالفساد مستشري والفلتان الأمني يهدد كل شئ ، والأوضاع الاقتصادية متدهورة، والجهاز القضائي لا يتم احترامه. في نفس الوقت فإنه سيكون على حماس في حال شاركت في الحكومة التوفيق بين التزامات السلطة وبين برنامجها السياسي الذي على أساسه حصلت على ثقة الجمهور الفلسطيني. ويكفي أن نشير الى مثال واحد يبرز حجم المعضلة التي ستواجهها حماس، وهو ملف اعتقال احمد سعادات أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذي أصدرت محكمة العدل العليا الفلسطينية أمراً بالإفراج عنه، لكن السلطة تجاهلت الأمر، بسبب التزامها لكل من أمريكا واسرائيل بمواصلة اعتقاله بسبب مزاعم حول دوره في اغتيال وزير السياحة الإسرائيلية الأسبق رحبعام زئيفي. 4- لكن التحدي الأكبر الذي سيواجه حماس سيكون على صعيد سلامة صفها الداخلي. فليس سراً أن هناك انتقادات وجهت من قبل النخب المثقفة في الحركة ضد الآليات التي اتبعت لتشكيل لائحة مرشحي الحركة للانتخابات التشريعية، وهناك الكثير ممن يطعن في الاعتبارات التي اعتمدت لاختيار مرشحي الحركة، سيما أن معظمهم من خريجي العلوم الشرعية الذين لم يخبروا العمل السياسي، في حين تم استبعاد القيادات الشابة ذات الخبرة في المجال السياسي. في نفس الوقت فإن القرار المفاجئ بضم أعضاء القيادة السياسية للحركة لقائمة المرشحين، يعني أن الشقة ستتسع بين قاعدة الحركة وقيادتها التي ستنتقل الى أجواء عمل جديد، بعيداً عن الأعباء التي تطلع بها حالياً ، سيما في مجال الدعوة والتنظيم. والأهم من ذلك أنه في حال جمدت الحركة عمليات المقاومة تحت هذا المبرر أو ذاك، فإنه من المتوقع أن يتسرب الكثير من عناصرها إلى حركات أخرى توفر لهم مناخ لمواصلة المقاومة. من هنا فإنه يتوجب على حماس أخذ الحيطة لكل ما تقدم، والاستعداد لمواجهة تحديات المرحلة الجديدة التي تؤذن بها الانتخابات، وأن توفر مسبقاً إجابات مقنعة لأسئلة كثيرة سيتم طرحها بعد الانتخابات، في حال أجريت. المصدر : الاسلام اليوم