وزير الآثار: تدريب العاملين يسهم في تطوير الخدمات المقدمة للسائحين    «القاهرة الإخبارية»: غارات قوية للاحتلال الإسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية    بوتين: نشعر بالقلق إزاء الأحداث في الشرق الأوسط ولا نريد للصراع أن يتفاقم    بوريل يعرب عن انزعاج الاتحاد الأوروبي الشديد إزاء تقارير عن وجود جنود كوريين شماليين في روسيا    بث مباشر لمباراة الأهلي والزمالك في نهائي السوبر | عاجل    كل ما تود معرفته عن محفظة التذاكر بمترو الخط الثالث.. «صالحة لك ولغيرك»    أروى جودة بعد ظهورها مع خطيبها لأول مرة في مهرجان الجونة: «لا يتحدث العربية»    توقعات الأبراج للاعبي الأهلي والزمالك قبل القمة: عواد مشتت وعاشور لديه طاقة هائلة    إقالة مانشيني من تدريب منتخب السعودية.. والإعلان عن البديل في هذا الموعد    حصار إسرائيلي خانق لمستشفى كمال عدوان في غزة وسط نداءات استغاثة طبية    محمود عنبر: الفترة المقبلة ستشهد تطورا في التبادل التجاري بين دول «بريكس»    ل«ضمان جودة التعليم».. «الإسكندرية الأزهرية» توفد لجان فنية لمتابعة المعاهد (صور)    وزير الثقافة يصل دار الأوبرا لحضور حفل ختام مهرجان الموسيقى العربية    إعلام فلسطينى: 820 شهيدا فى العدوان الإسرائيلى على شمال غزة منذ 20 يوما    أمينة خليل: أنا بنت مهرجان الجونة وفخورة بعضوية لجنة التحكيم    وقولوا للناس حسناً.. خالد الجندي يوضح أهمية الكلمة الطيبة في الحياة اليومية    شمال سيناء: الكشف على 377 مواطنًا فى قافلة طبية بقرية النثيلة    بروتوكول تعاون بين جامعة حلوان و"الصحفيين" لتقديم الخدمات الصحية لأعضاء النقابة    أول ظهور لمحمود شاهين وزوجته بعد زفافهما في افتتاح الجونة السينمائي    بندوة علمية.. دار الكتب تحتفل بذكرى نصر أكتوبر    السجن 6 سنوات لمتهم يتاجر في الترامادول    خالد الجندي: أنا أؤمن بحياة النبي في قبره.. فيديو    بنك مصر يرفع الفائدة على الودائع والحسابات الدولارية    شريف فتحي يؤكد عمق العلاقات الثنائية بين مصر وإيطاليا في مجال السياحة    غادة عبدالرحيم تشارك في الجلسة الختامية لمؤتمر السكان والصحة والتنمية    الجريدة الرسمية تنشر قرار إنشاء صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية    تذكرتي تعلن ضرورة توفر بطاقة المشجع fan id وتجديدها لحضور مباريات الموسم الجديد    رئيس جامعة الأزهر يتفقد الإسكان الطلابي بدمياط    البابا تواضروس يستقبل وزيري الثقافة والأوقاف.. تفاصيل التعاون المقبل    وزير الأوقاف: مصر تهتم بالمرأة في شتى مناحي الحياة    نهائي السوبر المصري.. محمد عبدالمنعم يوجه رسالة للاعبي الأهلي قبل مواجهة الزمالك    مدبولي يستقبل الشوربجي: نحرص على تذليل التحديات أمام المؤسسات الصحفية    عرض الحلقة الأخيرة من مسلسل برغم القانون ل إيمان العاصى الليلة على on    "حياة كريمة" تحذر من إعلانات ترويجية لمسابقات وجوائز نقدية خاصة بها    القبض علي منتحل صفة ضابط شرطة للنصب علي المواطنين بأوسيم    تقدم 3670 مشاركا للمنافسات المؤهلة لمسابقة بورسعيد الدولية للقرآن الكريم    انقلاب سيارة نقل "تريلا" بطريق الإسماعيلية القاهرة الصحراوي    عارضة أزياء تتهم دونالد ترامب بالاعتداء عليها جنسيا    الاحتلال يشن غارة على موقع علمات جبيل جنوب لبنان    بث مباشر.. انطلاق الحفل الختامي للمؤتمر العالمي للسكان    رئيس هيئة الدواء: مصر تطوي صفحة النواقص ومخزون وطني لتأمين أدوية الضغط    انتهاء التوقيت الصيفي.. موعد وطريقة تغيير الساعة في مصر 2024    مولر عن خسارة البايرن برباعية ضد برشلونة: افتقدنا للثقة    هالاند يسجل أغرب هدف قد تشاهده فى تاريخ دوري أبطال أوروبا    بوتافوجو يقسو على بينارول بخماسية ... اتلتيكو مينيرو يضع قدما بنهائي كوبا ليبرتادوريس بفوزه على ريفر بليت بثلاثية نظيفة    "إيتيدا" و"القومى للاتصالات" يختتمان برنامج التدريب الصيفى 2024 لتأهيل الطلاب    الابن العاق بالشرقية.. حرق مخزن والده لطرده من المنزل    المشدد 5 سنوات لعاطلين شرعا في قتل سائق "توك توك" وسرقته بالمطرية    ضبط عامل بالفيوم لقيامه بإدارة ورشة لتصنيع الألعاب النارية والإتجار فيها    جامعة بني سويف تحتل المرتبة 11 محليًّا و1081 عالميًّا بتصنيف ليدن المفتوح    سيميوني: ركلة جزاء غير صحيحة منحت ليل الفوز على أتلتيكو    الطقس اليوم.. استمرار الرياح على البلاد وأمطار تضرب هذه المناطق بعد ساعات    عباس صابر يبحث مع رئيس بتروجت مطالب العاملين بالشركة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج دفعات جديدة في المعاهد الصحية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 24 أكتوبر 2024 في المنيا    برامج تعليمية وتدريبية.. تعرف على أنشطة مبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان المصرى"    بدائل الشبكة الذهب للمقبلين على الزواج.. خيارات مشروعة لتيسير الزواج    أول إجراء من الزمالك ضد مؤسسات إعلامية بسبب أزمة الإمارات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر.. سوريا.. اليمن.. ليبيا.. والمغرب العربى: تصدير البراءة.. عبودية القرن ال 21
نشر في الأهرام العربي يوم 09 - 12 - 2015


زينب هاشم
- الحروب والمجاعات والفقر أبرز الأسباب.. والاستغلال الجنسى واستخدامهم كقطع غيار أسوأ الاحتمالات

- أسرار بيع أطفال العرب إلى تجار البشر فى أوروبا

- الهجرة السرية للأطفال.. حكايات الفقر والألم


هو ذاته البحر الذى تلقف جثة الطفل السورى إيلان وألقى به برفق على الشاطىء هناك لتظل صورته تؤرق ما بقى فى الإنسانية من ضمير، ذاتها الأمواج التى حملته وهدهدته.. هى التى تحمل كل دقيقة آلاف أطفال العرب من ديارهم وأحضان أهاليهم إلى ديار ليست ديارهم وإلى هوية لم ينتموا إليها، وإلى مصير غير معلوم على ذلك الجانب الآخر من شواطىء البحر المتوسط.. إلى أوروبا حيث ينقلهم سماسرة الموت والتجارة السوداء المحرمة.. بعد أن دفعوا حفنة من النقود لأهاليهم الذين فرطوا فى فلذات الأكباد خوفا وطمعا، خوفا من الفقر، وطمعا فى أن يوفر هؤلاء الأبناء لهم حياة كريمة، أو أن توفر لهم بلاد القارة البيضاء حياة كريمة لم يجدوها فى بلاد الجود والكرم .
على شاطىء البحر المتوسط فى امتداده العربى.. .أطفال يبكون ويتعلقون بثياب ذويهم وفى أعينهم كلمة رجاء. وآخرون تم تخديرهم، وأطفال رضع لا حول لهم ولا قوة لن يتذكروا يوما الأرض التى نبتوا فيها، هؤلاء جميعا يتم شحنهم شحنا إلى بلاد ليست كبلادهم كى يكونوا فى أحسن الأحوال أبناء بالتبنى لأسر حرمت من الإنجاب وفى أقسى الظروف يتم استغلالهم جنسيا أو فى الترويج للممنوعات أو تنتهى بهم الحال مجرد قطع غيار لأطفال أوروبا يمنحونهم الحياة بينما يتجرعون هم الموت..
مشاهد مأساوية تدمى القلوب.. سطور مفجعة لا تملك أمامها إلا الشعور بالخزى والحنق على أولئك السماسرة الذين يتاجرون فى لحم أطفال العرب، مستغلين الفقر والقهر والعوز والحرب والدمار.


فى حوارى وعشوائيات مصر.. أطفال المهمشين للبيع

أمام الفقر والظروف المادية القاسية لا يجد كثير من الأسر فى مصر، حلا سوى تهجير أطفالها للخارج وبيعها عن طريق حاويات مجهولة الاتجاه والمصير، ليكون الأمل فى حياة جديدة وظروف أخرى أفضل.. ذلك هو الأمل الذين يبيعون من أجله فلذات أكبادهم أو بالأحرى هو المخدر الذى يتعاطاه الآباء والأمهات للتخلص من عذاب الضمير ويكون أيضا هو مبرر اختفائهم أمام الآخرين، وحتى لا يوجه لهم البعض الاتهام ببيع أطفالهم والتخلى عنهم، وبالتالى إخلاء مسئوليتهم أمام أنفسهم وأطفالهم. «الأهرام العربى» التقت عددا من هؤلاء الأسر الذين نقرأ مأساتهم عبر السطور التالية:


كانت البداية مع جمعة أسيوطى 45 عاما، الذى هبط بأسرته من قرية صغيرة بالصعيد للبحث عن عمل مناسب والعيش فى القاهرة، حيث الحياة الحضرية – على حد تعبيره - بعيدا عن حياة الأقاليم المغلقة يقول جمعة: كنت أعيش مع زوجتى وبناتى الثلاث فى الصعيد فى منزل والدى، وكانت لدينا حيوانات ومواش وغنم بخلاف أرضنا التى كنا نزرعها ونعيش فى خيرها إلى أن مرض والدى بفيروس سى وبمرور الوقت أصيب بالسرطان، واضطررنا إلى بيع الأرض والمواشى وهان علينا كل عزيز وغال فى مقابل شفائه إلى أن توفى، وكنت آنذاك أعمل بوابا لا أتقاضى سوى 300 جنيه شهريا، إلى أن اكتشفت أننى ورثت المرض من والدى وأصبحت نفقات علاجى تتطلب أضعاف راتبى من العمارة، مما اضطرنى إلى مد يدى لكل البوابين الذين يعملون فى الشارع نفسه. ومرة بعد مرة زادت المديونيات على وكانوا يجبروننى على التوقيع على شيكات مقابل الديون، ومنذ سنة تقريبا وجدت أحد الديانة يهددنى بتقديم الشيكات إلى المحكمة وحبسى إلى أن عرض على أن أبيع بناتى مقابل ديونى، وذلك بخلاف التخلص من المديونات فهو يصب أيضا فى مصلحتهن على الأقل سيلتحقن بمدارس ويأكلن أكلا نظيفا ويعشن فى مستوى أفضل. ولم يخطر ببالى سؤاله عن المكان الذى سيعشن فيه أو المنطقة التى يتوجهن إليها ووافقت، لكن زوجتى لم تتقبل الأمر إطلاقا، بل كانت تبكى ليل نهار وتلومنى على ما فعلت من سلوك يعتبره الصعايدة بلدياتى عارا كبيرا، وبعد ستة أشهر ذهبت إلى هذا الرجل مرة أخرى أسأل عن بناتى، لكننى فوجئت به يتبرؤ من معرفته بطريقهن، ويقول إنه باعهن وعندما هددته بأننى سأقتله لو لم يجبنى ظل يراوغنى. وكل مرة أذهب لسؤاله يقول لى "مر على الأسبوع المقبل» وفى مرة، وعندما ذهبت إليه فتحت لى زوجته الباب وقالت لى انتظر خارج الباب وأنا سأبلغه أنك تسأل عنه، وإذا بى أسمع صوت شجار بينها وبين زوجها وصوتها يعلو قائلة: إذا لم تخبره سأخبره أنا، وفوجئت بها تقول لى إنه باع البنات إلى تاجر عن طريق البحر، ومن وقتها وهو يماطلنى ويعدنى بأنه سيحاول ردهن لى مرة أخرى، وباتت كلها وعوداً، والآن بعد مرور أكثر من عام لا أعرف طريقا له أو لهن، خصوصا بعدما ترك المنطقة التى كان يسكن بها ولا أحد يعرف له مكاناً والآن هجرتنى زوجتى وما زلت أعانى المرض حتى فقدت الشعور بالحياة من الأساس.
أما وائل السيد، 40 عاما، والذى باع فتاتين وولد بعد ما أدمن الحبوب المخدرة بكل أنواعها واضطر لبيع كل ما يملك مقابل توفير المخدرات ويستكمل الحديث قائلا: أعمل كهربائيا، ومن قبل كنت أعمل كسائق ميكروباص، وعندما صارحت والدى بأننى أريد الزواج بنى لى شقة فى منزل العائلة وساعدنى حتى تزوجت وأقام لى فرحا كبيرا..كانت أمورى تسير بشكل جيد إلى أن عرفت طريق المخدرات من خلال بعض الأصدقاء، وقد بدأ إدمانى للمخدر بسيجارة حشيش، مرورا بكل أنواع المخدرات وظللت لفترة طويلة بلا عمل. كنت أحصل على الحبوب على النوتة حتى تداينت بمبلغ كبير وهددنى التاجر الذى كنت أحصل عن طريقه على المخدرات بخطف أولادى وأحيانا بخطفى أنا وزوجتى إلى أن قمت ببيع شقتى لسداد ديونى من المخدرات، وطالبنى المشترى بترك الشقة خلال أسبوعين حتى يتسلم هو الشقة مع أول يوم فى الشهر الجديد وعرض على والد زوجتى أن أعيش ببيته حتى يأتى فرج الله وقد كان. لكننى لم أبتعد عن المخدرات حتى بعدما مرضت، وكنت أشعر بألم كبير جدا فى ذراعى كان يعيقنى عن العمل، فكنت لا أملك التحكم فى ذراعى أو حمل أدوات الكهرباء التى تعد مصدر رزقى الوحيد، وعندما ذهبت للطبيب وأجريت الأشعة، فوجئت بأننى مريض سرطان وأن سبب ما أعانى منه هو ورم جاثم على إحدى فقرات العمود الفقرى، واضطررت لإجراء عملية جراحية أفقدتنى التحكم فى نصف جسمى السفلى وأصبحت قعيد الفراش، وأمام كل هذه المصروفات لا أملك سوى 400 جنيه إيجار شقة اضطر والدى لبنائها، ليصبح إيجارها مصدر رزق لأولادى أمانا لمستقبلهم.كنت من داخلى أبكى كل يوم على حال أولادى الذين لا يعيشون سوى ضيوف، فجدهم لأمهم هو الذى ينفق عليهم وهو رجل مسن مريض وعائلتى أنا بمن فيهم والدى قاطعنى ورفضت العائلة كلها الاعتراف أو الاتصال بى وظلت حالتى تسوء وأولادى معذبين أمامى ولا أملك أن أغير حالهم أو أوفر لهم حياة كريمة فطلبت من زوجتى الاتصال بتاجر عرض على من قبل شراء أولادى مقابل عشرة آلاف جنيه للطفل، وكنت رفضت عرضه من قبل لأننى لم أحتمل بيع أولادى لكن هذه المرة شعرت أن بيعهم هو فى صالحهم على الأقل سيجدون حياة أفضل من مأكل ومشرب وملبس، وقد صارحنى أنهم سيسافرون إلى أوروبا وسيجدون عملا ويعيشون حياة نظيفة، فوافقت وأقنعت زوجتى التى كانت تبكى ليل نهار بسبب الاحتياج .


تجار الموت
أما سيد مختار فكان حلمه منذ صغره السفر والهجرة، فهو أرمل توفيت زوجته أثناء وضعها ولدها السادس، وقد كانت ترفض مبدأ تنظيم الأسرة، فكانت سرعان ما تحمل زوجته مولودا جديدا بعد وضعها بشهرين على الأكثر، وظل مختار يحذرها لعدم استطاعته تحمل هذه النفقات ويستكمل الحديث قائلا: كنت أقول لها إننى أرزقى على باب الله وليس لى مصدر رزق ثابت، فأحيانا نجار وأحيانا أخرى مساعد كهربائى، وأحيانا سباك إلى أن توفيت زوجتى وتركت لى أربع فتيات وولدين ووالدتى كفيفة تعيش معى فى نفس البيت، وكثيرات رفضن الزواج منى بسبب الظروف المادية، وكذلك الستة أطفال وفى يوم كنت أسهر مع صديق لى فى بيته، فوجدته يقول لى إن هناك أسرا تبيع أولادها ويسافر الأطفال إلى أوروبا مجهولى الهوية، وهناك يعيشون حياة جديدة، ويكون لهم مستقبل كبير يكفى أنهم سيحملون جنسيات أوروبية بعيدا عن الفقر الذى نعيش فيه هنا، وبدلا من أن يكون البديل البحث عن هجرة غير شرعية، فيما بعد ظللت أفكر أثناء حديثه معى، فكان هناك تاجر يأتى ببضائع من أوروبا.
وعن طريق كونترات تحمل الأطفال بدلا من البضائع، حيث يصل الأطفال فى أمان إلى أوروبا ويتسلمهم مسئولون عن استقبال الأطفال وتشغيلهم فيما بعد، وعندما سألته هل ممكن أن يشترى أولادى حتى لو بمقابل مبلغ بسيط حتى ألحق بهم بعد ذلك، وأن ما إذا كان بإمكانه إقناع التاجر بذلك أم لا، وبالفعل وافق وقال الأطفال أولا كان أكبر طفل فيهم لا يتجاوز الاثنى عشر عاما، وذهبت بأولادى كانوا يأخذون الأطفال عن طريق البحر فى مكان شبيه بمدينة الإسكندرية، وهو مكان لأول مرة أذهب إليه سافرته مع صديقى وأحد المشاركين فى هذه العملية، وكنت ألاحظ أن هناك عملية تضليل للمعلومات، ومن الممكن أن تكون هناك أكثر من إجابة لنفس السؤال، وعندما أراجعه فى القول يقول لى التاجر سيجيبك عن كل أسئلتك، وبالفعل عندما ذهبت للمكان الذى يتسلم به مندوب التاجر وأخذ منى الأولاد، قامى بتسليمى مبلغ خمسة آلاف جنيه، وقال إنه فى غضون أسبوعين سيتصل بى يخبرنى بالمكان الذى سأذهب إليه حتى أتمكن من اللحاق بأطفالى، وقام بخصم خمسة آلاف جنيه مقابل سفرى أنا، ومر أكثر من عامين ولم يتصل بى أحد، وعندما ذهبت لسؤال صديقى بعد مرور شهرين على سفرهم لم أجد لديه إجابة. وعندما هددته بالإبلاغ عنه.. لم يهتز له جفن.
وعندما قاطعته متسائلة عما حدث عندما ذهب لتسليم أطفاله للتاجر قال: وجدت فى نفس المكان على البحر زحاما كبيرا وكل شخص معه طفلان وثلاثة وكل يسلمون الأطفال بنفس الطريقة التى سلمت بها أولادى للتاجر، ويقف على جنب رجل يتسلم ويقوم بعد الفلوس ويتعامل مع كل شخص بعدد الأطفال التى يبيعها، وهناك أطفال كانت تبكى وآخرون كانوا يسلمون الأطفال نائمين فى عربات الأطفال الصغيرة، وهناك آخرون أعينهم مربوطة بمنديل يحجب الرؤية وعندما سألته عن هؤلاء الأطفال قال لى لا تسأل عن أمور لا تخصك.
وعن مشاعره عند فراقه لأولاده قال: كنت حزينا جدا ولكن حزنى بسبب عدم قدرتى على الإيفاء بمتطلباتهم. وأمى سيدة عجوز لا تملك خدمتهم، لكن على الأقل الآن أعرف أنهم بالتأكيد يعيشون حياة أفضل من حياتهم معى وأنا لا أملك حتى مصاريف أكلهم وشربهم وكانوا مسئولية لا أقوى أبدا عليها.
أما عزة حامد 33 عاما، والتى كانت تعيش مع زوجها الذى كان يعمل «فواعليا» يجلس على الطريق بصحبة أدواته ليأتى إليه من يطلبه فى أعمال البناء وفجأة قرر زوجها العودة إلى المنوفية بلدهم والعيش هناك لزراعة الأرض والبحث عن عمل بجانب ذلك، وتستكمل الحديث قائلة: كنا آنذاك لدينا أربعة أطفال أكبرهم عمره تسعة أعوام كانوا كلهم لا يتعلمون فى البدرشين التى كنا نعيش بها، لكن كنت حريصة على أن أقدم لهم لحضور الامتحانات والسفر إلى المنوفية عند امتحانات منتصف وآخر العام حتى لا تضيع عليهم فرصة الالتحاق بالامتحانات، وبالفعل داومت سنوات على ذلك، وكان والدهم يتمنع ويرفض ويعذبنى حتى نسافر عند كل امتحانات، أما أنا فكنت رافضة أن يعيش أولادى جهلة بلا تعليم، ويكفى أننا كنا نتركهم أغلب الوقت يعيشون فى الشارع يلتقطون أرزاقهم ويمدون أيديهم شحاذين ينتظرون الصدقة ويوفرون لنا المأكل والمشرب فى أغلب الوقت، وعندما قرر زوجى العودة إلى البلد لم يجد عملا، وعن طريق الخطأ اكتشفت أنى حامل فى الطفل الخامس، وهددنى زوجى أنه سيطلقنى لو لم أتخلص من الطفل، لكننى هددته بأنه لو أصر على ذلك سأهجره وأمشى، ولن يعرف لى طريقا مرة أخرى، إلى أن قال لى بأن هناك صديقا له يعرف أولاد حلال يتبنون الأطفال خصوصا الصغار فى أعوامهم الأولى، وبعيدا عن كونهم يدفعون أكثر من خمسة آلاف جنيه ثمنا للطفل الواحد، فهم يوفرون حياة كريمة للأطفال بدلا من العيش شحاذين فى الشوارع، فهم يعانون من العقم. وبالتالى يوفرون لهم حياة مرفهة ويهتمون بالأطفال، وفى الوقت نفسه سنتمكن من زيارتهم والاطمئنان عليهم وقتما رغبنا فى ذلك، وللأسف صدقته ولم أخونه، بل برغم حزنى لفراق أولادى إلا فإننى كنت سعيدة، لأن حياتهم ستكون أفضل بعيدا عن ظروفنا القاسية وأيادينا الممدودة ليلاً ونهاراً، فكانوا يبيتون فى أيام بدون عشاء وهم جوعى يبكون وأنا بلا حيلة، وللأسف ذهبت وعود زوجى ولم تعد مرة أخرى، وبمجرد خروجهم من البيت فلم أرهم مرة أخرى، والآن تجاوزوا العام ولم أرهم منذ رحيلهم، وكلما سألت زوجى عنهم كان يقول إنهم يعيشون حياة نضيفة، وكلما قلت له أريد رؤيتهم يقول لى إنه سيحاول، لكن السيدة التى تبنتهم مسافرة، وسؤال بعد سؤال اكتشفت أنه باعهم وأن النقود التى كنا نعيش بها كانت ثمنهم، وأنهم سافروا إلى الخارج وأنه لا يعرف لهم طريقا، وحتى الآن لا يعرف كيف يتوصل إليهم أو متى نراهم، وعندما ألححت عليه فى النكد والسؤال عن أولادى جمع ملابسه وترك لى الدار، والآن أعمل خادمة فى البيوت وأصرف على طفلى الصغير الذى يبلغ عامين الآن ولم يلحقه والده بإخوته، لأنه عندما باع أولادى كنت ما زلت حاملا فى شهورى الأخيرة، وحتى زوجى فلا أعرف له مكاناً .

طريق الضياع
أما جمالات فرج، فكانت تجلس دائما تبيع الخضرة فى بولاق، وبعدما ضاقت بها الحال، اضطرت لتسريح أولادها بعربات الخضرة والفاكهة بعد وفاة والدهم وعدم اعتراف الحكومة على حد تعبيرها بحقهم فى المعاش أو أن يكون لهم مصدر رزق، والحديث على لسانها قائلة: أولادى خرجوا من المدرسة بعد وفاة والدهم . ولدى الأكبر قرر السفر عن طريق البحر إلى أوروبا وبعد سفره لم أعرف عنه شيئا ولم أتمكن حتى من التوصل إليه، غير أننى فى بعض الأحيان كنت أذهب إلى أصدقائه لأطمئن عليه وما إذا كان يتصل بهم أم لا، وكانوا لا يجيبون ويقولون لا نعرف عنه شيئا يا حاجة وهو من كان يعاوننى على خدمة إخوته لأننى مريضة وغير قادرة على العمل ولا أتمكن سوى من الجلوس بجانب فرشتى أبيع الخضرة التى أصبحت لا تباع، ومن هنا لم يكن أمامى سوى التخلى عنهم لصالحهم مقابل ثلاثة آلاف جنيه، ومن وقتها أعيش بمفردى ولا أعرف شيئا عنهم، وهناك من يقول إنهم سافروا إلى أوروبا، ومن قبل كانت لى جارة مرت بنفس التجربة وسافر أولادها إلى إيطاليا ويأتى إليها التاجر الذى سفرهم ليطمئنها أنهم بصحة جيدة ويعيشون حياة جيدة، أتمنى أنا شخصيا أعيشها بدلا من النوم على الأرض والفقر وكل من يسألنى عنهم أقول له إنهم فى أوروبا.
ويعلق الخبير الحقوقى والمحامى محمود البدوى والخبير بحقوق وتشريعات الطفل قائلا: إن فكرة الاتجار بأطفال مصر وبيعهم لأسر أجنبية فكرة ليست بمستحدثة وسبق وتمت إثارتها فى 2010 على خلفية بيع أطفال بعض الأسر المحتاجة إلى أسر أجنبية تحت مسمى الحصول على منح خارجية للدراسة، وكانت تلك الطريقة أحد صور التحايل على قانون الطفل 12 لسنه 1996 المعدل بالقانون 126 لسنة 2008 وكذا قانون مكافحة الاتجار بالبشر 64 لسنه 2010 .
وأضاف بأن الأمر لا يعدو كونه حالات فردية ولا يمكن أن نطلق عليها (مصطلح) ظاهرة بأى حال من الأحول، وذلك استناداً إلى أن بمصر بناء تشريعياً حمائياً قوياً جداً قادراً على التصدى لمثل تلك الحالات الإجرامية الفردية، ولكن بشرط العمل بشكل جدى على تعزيز الوعى لدى الأسر بمخاطر مثل تلك الحالات التى يتم فيها خداع الأسرة، وهنا يجب أن نفطن إلى أنه يستبعد موافقة أى أسرة (صراحة) على بيع أبنائها تحت وطأة الفقر والاحتياج المادى، لكن يكون المدخل إلى مثل تلك الاتفاقيات المجرمة هو إغراء الأسر بحصول أبنائهم على وضع معيشى ودراسى أفضل من المتوفر لهم بمجتمعهم الأصلى، وأنهم سيضمنون الارتقاء بمستوى أبنائهم، وهو وتر حساس يتم العزف عليه بشكل احترافى، فضلاً عن المغريات المالية التى قد تتمثل فى إرسال مبالغ مالية شهرية على سبيل المعونة للأسرة المحتاجة، وهنا يتحول ابنهم البسيط الغلبان إلى (دجاجة تبيض دولارات)، كما تتمثل وقائع وسبل الخداع فى الاتفاق فى بعض الحالات أن بعض المؤسسات الخدمية والمهتمة بالشأن الخدمى تعرض على الأسر منحة تعليمية أو فرصة لقضاء فترة التربية والتعليم الأولى فى بلد متطور يساعد فى تهيئة الطفل ليكون شخصا متميزا، على اعتبار أن الطفل سيعود ثانية إلى أسرته المصرية، لكن هذا الطرح غير حقيقى ولا يتم تنفيذه على أرض الواقع، لأن الطفل يكون قد ذهب إلى الخارج بغير رجعة، وتصبح فرص عودة الأطفال لحضن الأسرة من جديد حلماً مستحيلاً، كما أن الطفل الجديد (بعد تربيته بالخارج) سيكون منتميا بشكل كامل من حيث الدين واللغة والسياسة للوطن الذى تربى فيه، فضلا عن أن أسرته الأوروبية أو الأمريكية الجديدة لن تبلغه بهويته الحقيقية وهو المتوقع لأن الطفل يكون صغير السن.

بيئة خصبة
ومن ثم يجب الانتباه إلى أطفال الشوارع إذ إنهم يشكلون بيئة خصبة وفريسة سهلة لعمليات البيع والتسفير للخارج، إذ يسهل التعامل معهم عن طريق إلحاقهم ببعض الجهات أو الجمعيات أو الكيانات غير المرخصة أو المشبوهة والتى فى هذه الأنشطة، ومن ثم تسفيرهم بدعاوى المنح التعليمية أو العلاجية ثم يباعون لأسر أجنبية، وهم بالأساس لا يوجد من يسأل عنهم أو يهتم لغيابهم، وهو أمر خطير جداً يجب الانتباه اليه .
ويستكمل هانى موريس، مدير قطاع حماية وتأهيل الأطفال المعرضين للخطر بجمعية كاريتاس إسكندرية، تعتبر قضية الاتجار بالأطفال بشكل خاص والاتجار بالبشر بشكل عام من أقدم الجرائم فى المجتمع التى تستغل الإنسان من الجنسين ومن مختلف الأعمار‏، وتمثل هذه الجريمة أحد أنواع تجارة العبودية المعاصرة‏، والتى تشكل تهديدا متعدد الأبعاد على جميع الأمم‏، فبالإضافة إلى المعاناة الإنسانية التى يسببها انتهاك حقوق الإنسان، فإنها أصبحت أكثر خطورة على الأمور الصحية للإنسان‏، كالإصابة بالأمراض المعدية .فضلا عن آثارها الاجتماعية والسلبية الأخري‏‏ وأصبحت قضية الاتجار بالأطفال ظاهرة إجرامية عالمية‏، وصورة من صور الجرائم المنظمة‏. فضلا عن العديد من العوامل التى أدت إلى تزايد هذه الجريمة وتفاقمها فى ضوء العولمة التى سهلت انتقال الأشخاص والأموال‏، فإن الفقر يعتبر من العوامل الرئيسية لانتشار هذه الظاهرة، وكذلك المكاسب السريعة التى يتم الحصول عليها من استغلال الأفراد‏، فضلا عن الحرمان المتزايد والتهميش اللذين يتعرض إليهما الفقراء‏، والاتجار بالبشر لا يتم فقط عبر الدول والقارات وإنما أيضا فى البلد الواحد مثل الهجرة من الريف إلى المدينة بغرض الاتجار بهم‏، ويتعرض النساء والرجال والأطفال لكل أنواع الاستغلال غير المشروع أيا كانت صوره بما فيها الاستغلال الجنسى والعمل بأجور متدنية أقرب ما تكون إلى القيام بأعمال السخرة‏، وغير ذلك من الأمور‏، وتزايد انتشار هذه الجريمة لانخفاض عنصر المخاطرة فيها على غيرها من الجرائم الأخرى كالتجارة والسلاح والمخدرات.. الخ..

وحدة المكافحة
ويضيف موريس، وعلى المستوى الدولي،‏ اهتمت الأمم المتحدة ومنظماتها بوضع البروتوكولات والاتفاقيات من أجل مكافحة ظاهرة الاتجار بالأطفال وحماية حقوق الإنسان‏، وتعتبر الأمم المتحدة جريمة الاتجار بالبشر كارثة إنسانية وشكلا من أشكال العبودية‏.‏
وعلى الصعيد الوطني‏، لم تتخلف مصر عن المشاركة فى جميع الجهود والمحافل الدولية التى تناقش القضايا المتصلة بحقوق الإنسان‏، كجزء من مسيرة التحديث الشامل منذ بداية القرن الماضي‏، وكجزء من الالتزام الحضارى وتم تشكيل لجنة وطنية تنسيقية لمنع ومكافحة الاتجار بالأفراد بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم‏584‏ لسنة‏2007.ثم تم إصدار قانون 64لسنة 2010 لمكافحة الاتجار بالبشر‏ والاتجار بالطفل جريمة معقدة لخطورة هذه الجريمة ومخالفتها للقيم الإنسانية التى تحض عليها جميع الأديان السماوية‏، فضلا عما تمثله من امتهان لكرامة الإنسان وانتهاك لحقوقه الأساسية فى الحياة من كرامة وأمن وحرية ومساواة واقتناعا بأن النساء والأطفال يمثلون الفئات الأكثر تضررا من هذه التجارة‏، لذلك أولت مصر هذه الظاهرة اهتماما كبيرا وتسعى للتعامل الحاسم والفعال معها سواء على المستوى الوطنى أو الإقليمى أو الدولي‏.‏
وتضمن مشروع القانون‏30‏ مادة استهلها بتعريفات عن الاتجار فى الأشخاص والجماعة الاجرامية المنظمة والجريمة ذات الطابع غير الوطنى والمجنى عليه‏، وتضمن المشروع نصوصا تتعلق بالمجنى عليه والعقوبات المقررة للجرائم ونصا خاصا بامتداد القانون من حيث المكان ونصوص تتعلق بالتعاون القضائى الدولي‏.‏
ويهدف القانون إلى تجريم كل أشكال الاتجار بالبشر وفرض عقوبات صارمة على جميع الأطراف المتورطة فى الجريمة وتبنى القانون نهجا شاملا بقصد الوقاية والحماية وتقديم المساعدة للضحايا إلى جانب ملاحقة ومحاكمة مرتكبى الجريمة داخليا وخارجيا‏.‏
وعرف القانون الجماعة الإجرامية المنظمة بأنها الجماعة المؤلفة وفق تنظيم معين من ثلاثة أشخاص على الأقل للعمل بصفة مستمرة أو لفترة من الزمن بهدف ارتكاب جريمة محددة‏، أو أكثر من بينها جرائم الاتجار بالبشر وحدها أو مع غيرها‏، وذلك من أجل الحصول بشكل مباشر أو غير مباشر على منفعة مالية أو مادية أو عينية‏، كما عرف القانون الجريمة ذات الطابع غير الوطنى بأنها أى جريمة ارتكبت فى أكثر من دولة واحدة أو ارتكبت فى دولة واحدة وتم الإعداد أو التخطيط لها أو التوجيه أو الإشراف عليها أو تمويلها فى دولة أخرى أو بواسطتها أو ارتكبت فى دولة واحدة عن طريق جماعة إجرامية منظمة تمارس أنشطة إجرامية فى أكثر من دولة أو ارتكبت فى دولة واحدة وكانت لها آثار فى دولة أخرى وعرف المجنى عليه بأنه الشخص الطبيعى الذى تعرض لأى ضرر مادى أو معنوى وعلى الأخص الضرر البدنى أو النفسى أو العقلى أو الخسارة الاقتصادية‏، وذلك إذا كان الضرر أو الخسارة ناجما مباشرة عن جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى القانون‏.‏
وعرف القانون جريمة الاتجار بالبشر تعريفا يتطلب توافر فعل إجرامى يتم بوسيلة معينة‏، ويقترن هذا الفعل بقصد جنائى خاص‏، ويتمثل الفعل الإجرامى فى التعامل فى شخص طبيعى بأى صورة بما فى ذلك البيع أو العرض للبيع أو الشراء أو الاستخدام أو النقل أو التسليم أو الإيواء أو الاستقبال أو الاستلام سواء فى داخل البلاد أو عبر حدودها الوطنية‏، ويشترط أن يتم هذا الفعل بوسيلة معينة هى استعمال القوة أو التهديد بها أو استعمال شكل من أشكال القسر أو العنف أو التهديد به أو بواسطة الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة‏، أو الوعد بإعطاء أو تلقى مبالغ مالية أو مزايا مقابل الحصول على موافقة شخص على الاتجار بشخص آخر له سيطرة عليه ويتعين لقيام هذه الجريمة توافرقصد جنائى خاص بجانب القصد الجنائى العام الذى يتحقق بالعلم والإرادة‏-‏ وهو قصد الاستغلال أيا كانت صوره بما فى ذلك الاستغلال فى أعمال الدعارة وسائر أشكال الاستغلال الجنسى واستغلال الأطفال فى المواد الاباحية أو السخرة أو الخدمة قسرا أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالسرق أو الاستعباد أو استئصال الأعضاء أو الأنسجة البشرية أو جزء منها أو التسول‏.‏
ونص القانون على أنه لا يعتد برضاء المجنى عليه على الاستغلال فى أى من صور الاتجار بالبشر‏.‏ ونص القانون على أن عقوبة جريمة الاتجار بالبشر السجن المشدد وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائتى ألف جنيه‏، كما نص على تشديد عقوبة الاتجار بالبشر إلى السجن المؤبد والغرامة التى لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه‏، إذا توافر ظرف مشدد من سبعة ظروف حددتها المادة‏، ويعاقب بالسجن كل من استعمل القوة أو التهديد أو عرض عطية أو مزية من أى نوع أو وعد بشيء من ذلك لحمل شخص آخر على الإدلاء بشهادة زور أو كتمان أمر من الأمور أو الادلاء بأقوال أو معلومات غير صحيحة فى أى مرحلة من مراحل جمع الاستدلالات أو التحقيق أو المحاكمة‏، كما نص على أن يعاقب بالسجن كل من أخفى أحد الجناة أو الأشياء أو الأموال المتحصلة من أى من الجرائم المنصوص عليها فى القانون أو تعامل فيها أو اخفى أيا من معالم الجريمة أو أدواتها‏.‏
وفى عام 2007 أنشئت وحدة لمكافحة الاتجار بالبشر بالمجلس القومى للطفولة والامومة استجابة لالتزامات مصر الوطنية والدولية لمكافحة ومنع الاتجار بالبشر لاسيما النساء والأطفال كأكثر الفئات هشاشة فى المجتمع، والأكثر عرضه لمخاطر البيع، والاستغلال فى الدعارة، والتسول، وترويج المخدرات والسرقة، والاستغلال فى أوقات الثورات فى أعمال الشغب والبلطجة وحرق المنشآت العامة، واستغلال الأطفال فى الدعاية الانتخابية، وكذلك استغلالهم فى الأعمال الإباحية عبر الإنترنت، وتعرض الفتيات والنساء المصريات وغير المصريات لمخاطر الاستغلال فى عمالة قسرية أو دعارة أو زواج الصفقة
وفى الإطار نفسه، تم إعداد وتنفيذ خطة وطنية لمكافحة الإتجار بالأطفال تم إدراجها بالخطة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر التى أعلنتها اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر ديسمبر 2010 ومتابعة تنفيذها بالتنسيق مع الشركاء الفاعلين وهم اللجنة الوطنية، وزارات الخارجية، الشئون الاجتماعية، الداخلية" قطاع الأمن الوطني"، العدل، النيابة العامة" إدارة التعاون الدولى بمكتب النائب العام"، والمجتمع المدني، المنظمة الدولية للهجرة .
قامت الوحدة بتشجيع مؤسسات المجتمع المدنى على التشبيك من خلال تدريب ما يفوق عن 100 إخصائى من 48 جمعية أهلية على مستوى 5 محافظات فى مجال تعافى وتأهيل الضحايا، أثمر عنه تشكيل تحالف وطنى للجمعيات الأهلية لمكافحة الاتجار بالبشر برئاسة مركز قضايا المرأة المصرية، ولدعم خدمات إعادة التأهيل والدمج تم إنشاء عدة دور لتقديم خدمات حماية وإعادة تأهيل الضحايا نفسياً واجتماعيا وصحياً، وهى مأوى إعادة تأهيل الأطفال الذكور بمدينة السلام بالتعاون مع هيئة فيس البلجيكية، والمأوى الإقليمى لإعادة تأهيل الضحايا من الفتيات والنساء بمدينة السلام بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة والسفارة الفنلندية، والمأوى الإقليمى لإعادة تأهيل الفتيات الأطفال وتقديم الدعم القانونى لهن بمدينة الإسكندرية بالتعاون بين هيئة الإغاثة الكاثوليكية والمنظمة الدولية للهجرة وجمعية الحرية.


..وفى دول المغرب العربى.. الأطفال مجهولو النسب وأبناء السفاح.. للبيع

فى دول المغرب العربي.. أطفال غير شرعيين يواجهون مصير البيع عبر البحار إلى أوروبا.. بسبب علاقات محرمة وبسبب أفكار اجتماعية خاطئة تجد فى الخطبة مرادفا للزواج، فيقع الخطيبان فى المحظور ويدفع وليد العلاقة المحرمة الثمن باهظا من عمره ومستقبله وهويته التى تحكم فيها مجرد سمسار يبيع لحم الصبى لمن يدفع الثمن ولا أحد يعرف مصيره بعدها.


حكايات ومآس وراء كل طفل يتم بيعه
خديجة عبد الكريم سيدة وضعت طفلها بعد أن ضاق صدرها كمدا بسبب عدم تحمل زوجها مسئولية البيت أو الأطفال فهو لا يعرف سوى لعب القمار والخمارات التى يعيش بها ليل ونهار، وينفق آخر درهم فى حيازته، مما اضطرها للعمل خادمة فى البيوت وكذلك إقامة علاقات مشبوهة مع رجال مسنين إذا ما خوى جدولها الأسبوعى من الخدمة فى البيوت وتستكمل الحديث قائلة: ما مررت به طوال عشر سنوات زواج كان أمرا لا يحتمله بشر بل كان فوق طاقتى فعانيت الأمرين مع زوجى الذى جلب لى المشكلات والفقر ولم أحصد من ورائه غير الديون التى أصبحت مضطرة على سدادها رغما عنى وخوفا من الديانة وتهديدهم لنا بالطرد من البيت الذى يأوينا ولا نعرف غيره ولأننى فى كثير من الأحيان، كنت لا أجد عملا فكنت أمارس الرذيلة مقابل المال، ومرة بعد مرة لاحظت أن أولادى على علم بكل ما يحدث وما يفعله والدهم وما أفعله أنا أيضا وهو ما لم أتوقع، لأننى كنت أتعامل معهم دائما على كونهم أطفالا لا يفهمون شيئا سوى حاجتهم للأكل واللعب فقط، وليس غير ذلك إلى أن سمعت حوارا بين ابنى والذى لا يتجاوز عمره العشر سنوات وابنتى فتاة الحادية عشرة عاما كانا يتحدثان ويتصارحان بأن والدهما غيبته المسكرات. كان ابنى يحكى لشقيقته بأن والده يشرب أشياء (حشومة) بمعنى معيبة وابنتى أيضا كانت تتحدث عنى وتقول حتى ماما فهى أيضا تعرف رجال كثيرين وطال الحوار بينهما لدرجة أننى لم أكن أتوقع أنهما بهذا الفهم والوعى وشعرت بالخزى أمام نفسي، ولكنى لم أصارحهما أو أروى لهما ما سمعته وظلت نظراتهما تلاحقنى ولا أقوى على مصارحتهما بما أعانيه من ضيق بسبب الظروف المادية القاسية وتجاهل والدهما لها، وقررت ألا أضع نفسى فى هذه الصورة أمامهما بعد ذلك، وبالفعل ابتعدت عن كل السلوكيات المشينة، لكننى كنت لا أعرف طريقا آخر لجلب الرزق حتى الخدمة فى البيوت فكانت السيدات اللائى يبحثن عن خادمات يعاملهن أسوأ معاملة، وأنا كنت أذهب للسيدة منهن وكنت أقوم بكل مهام المنزل من تنظيف وغسيل وكى للملابس وكل شىء وكانت تقدم لى الأكل المحروق أو تقول لى لا يوجد لديها أكل وكانت تطلب منى الذهاب إليها مع السادسة صباحا ولا تطلق سراحى إلا مع السابعة مساء، وفى بعض الأحيان بعد ذلك وكل سيدة أذهب إليها أعانى معها وازداد الأمر سوءا عندما وجدت نظرات أولادى تلاحقنى بالسوء، وأنا غير قادرة على التحدث معهما صراحة فيما سمعت ومع قلة العمل وضيق الظروف المادية لجأت مرة أخرى لإقامة علاقات جنسية محرمة. وعندما تحدثت بما سمعت مع أحد زبائنى وجدته يقول لى إنه يعرف رجلا يجمع الأطفال ويوفر لهم ظروف سفر مناسبة إلى إسبانيا وهناك يعيشون حياة نظيفة ويعملون فى مهن جيدة ويتقاضون أجرهم بالدولار، فلم أجد أمامى إلا الموافقة على بيع أطفال مقابل عشرة آلاف درهم وسافروا بالفعل والآن مر على سفرهم خمس سنوات كاملة وهذا الرجل الذى ساعدهم على السفر يأتى إلى من آن لآخر يعطينى ما يرسلونه من أموال لى ولوالدهم الذى يغيب بالأشهر عن البيت ولا أعرف أين يعيش والآن أنا حتى لا يهمنى أن أعرف وقد خسرت أبنائي.
أما سعاد حاتم وهى أم لطفل لا يتجاوز عمره الثلاث سنوات اضطرت لبيعه بعدما رفض والده الاعتراف به، وأصبح يعيش حياة غير شرعية بلا شهادة ميلاد أو حتى حقوق صحية وتستكمل الحديث قائلة: طفلى هذا كان نتاج علاقة غير رسمية، وقد لعب بعقلى ابن الحرام الذى وعدنى بالزواج وعندما علم بحملى هرب وظللت أبحث عنه حتى هجر البلد وسافر ولا أعرف إلى أين سافر وبت أذهب ليل نهار إلى جمعيات حقوق النساء المغربية حتى تعترف لى بهذا الطفل ولتجيز لى حق الانتفاع بحقوق الأطفال الطبيعى من حيث الرعاية الصحية والخدمات الأخري، وعند بلوغه لسن الالتحاق بالمدرسة أيضا وفى يوم كنت عائدة من هذه الجمعية وكنت أحمل ابنى فوق ذراعى نائما فوجئت بشخص يسير خلفى ويلاحقنى وعندما ابتعدت عن الجمعية استوقفنى فى الشارع وقال لى إنه يراقبنى ويعلم أنها ليست المرة الأولى التى أتردد فيها على وأن بإمكانه تقديم خدمة كبيرة بالنسبة لى وهو توفير مكان أفضل لابنى لكى يعيش وسط أسرة توفر له احتياجاته المادية، لكن بدون مطالبة منى برؤية الطفل مرة أخري، فى البداية ترددت لكنى بعد ذلك وجدت أن صالح الطفل تقتضى الموافقة فأنا فقيرة بلا عمل وأهلى يرفضون الاعتراف بهذا الطفل أو الإنفاق عليه فماذا أفعل وأن كنت لا أملك حتى شراء دواء له عند مرضه ووافقت بدون الحصول على أجر وكنت أعلم أنه سيسافر بصحبة أطفال كثيرين كانت أهاليهم يعيشون نفس الظروف وأعطى لى هذا الرجل مهلة حتى أقدم له ابنى وبعد تفكير وافقت وذهبت إليه وسط كثيرين كانوا يقدمون أولادهم بهذا الشكل إليه وكل أم تضع فوق وجهها نقابا حتى لا يتعرف عليها أحد وكنت أعرف أنهم سيسافرون إلى أوروبا بهؤلاء الأطفال وحتى يقدموا هؤلاء الأطفال إلى أسر مغربية غير قادرة على الإنجاب وتحيل ظروفهم الأسرية بينهم وبين إنجاب الأطفال، وحتى الآن مر عام كامل ولا أعرف عن ابنى شيئا لأن هذا الرجل اختفى تماما وعندما ذهبت إلى نفس المكان الذى سلمت إليه ابنى لم أجده وأنكر الموجودون فى هذا المكان القريب من البحر معرفتهم بهذا الشخص.

خدعة الحب
أما حسناء أيوب والتى كانت تعيش فى مدينة الجديدة المغربية والتى تركت أهلها فى مدينة مغربية أخرى وفضلت العيش فى مدينة الجديدة لتوفر فرصة عمل مناسبة لها وتستكمل الحديث قائلة: أعمل فى شركة كبيرة كانت تتيح لنا فرصة العمل فى الفنادق الكبرى والإشراف على المطعم المهتم بتقديم وجبات الأكل للعاملين وفى يوم تعرفت على شاب إنجليزى اسمه مارك عرض على العيش معه فى بيته ولم أتردد بل وافقت لأنه شاب وسيم وعمله مرموق، فكان يعمل مهندسا وصرح لى بحبه وبالفعل عاشرته أكثر من عام ونصف العام وكنت أثناء هذه المدة أذهب إلى أهلى فى المناسبات والأعياد فقط وعندما يسألنى والدى عن عدم زيارتى لهم فى العطل الرسمية، كنت أقول له ظروف العمل لا تمنحنى عطل وأننى أعمل حتى فى أيام العطلات وكان ليس لديه خيار آخر غير أن يصدقنى وكنت أرسل له جزءا كبيرا من راتبى مع كل قبض إلى أن وقعت فى مشكلة وهى أننى شعرت بآلام الحمل ورفضت إجراء عملية إجهاض ظننا منى بأن هذا الحمل سيجبر مارك على عدم الابتعاد عنى لأننى أعلم بأن الأجانب يتزوجون ربما بعد إنجاب الطفل الأول أو الثاني. وخلال فترة حملى لم أذهب لأهلى ولم أقم بزيارتهم إلى أن وضعت وبعد وضعى لفتاتى بثلاثة أشهر فوجئت بمارك يقول إن الشركة انهت عمله فى المغرب وأنه مضطر للسفر إلى العمل فى السعودية فى مشروع آخر للشركة وعندما سألته عن مصير علاقتنا قال إنه سيسافر أولا ثم يرسل لى دعوة لزيارته مرة أخري وسافر مارك واختفى تماما واختفت أيضا أخباره وظللت شهورا فى انتظاره ولم يجد جديدا بل سمعت من زميل لنا أن الشركة فى بعض الأحيان كانت تطلبه عبر الهاتف للاستفسار عن تفاصيل خاصة بالعمل وعندما توصلت لرقم هاتفه واتصلت به أنكر وعوده لى بالسفر أو الزواج وأصبح وجود الطفلة عائقاً فلا أجد من يجلس معها خصوصا أننى أنا أيضا انتهت مدة عقدى مع الشركة ورفضت تماما أنا تمد مدة العقد مرة أخرى واقترحت على صديقة لى أن أتنازل عن طفلتى التى لا أعرف ماذا أكتب اسم والدها فى خانة الوالد ولم أتردد لأننى كنت أعلم أن والدى إذا عدت إلى العيش مرة أخرى فى بيته قد يقتلها ويقتلنى أيضا فأعطيت الطفلة إلى صديقتى بعد أن أعطتنى ستة آلاف درهم رفضت أن تزيد المبلغ، وقالت إن الرجل الذى تورد له الأطفال هو الذى رفض أن يضع لها درهما واحدا فوق هذا المبلغ وكنت أعرف أن هؤلاء الأطفال يسافرون عبر البحر بنفس القوارب التى يستخدمونها فى تهريب الملابس من وإلى أوروبا وأن حياتهم ستكون أفضل ويعاملون معاملة الأوروبيين، بعيدا عن حياة مجهولى الهوية التى قد يعيشونها فى بلدها، حيث آلاف الأطفال مجهولى النسب الذين يولدون يوميا.


بئر الخطيئة
وتلتقط أطراف الحديث هبة سى محمد قائلة: عندنا فى المغرب لا يوجد فارق بين الخطبة والزواج فعندما يتقدم العريس لفتاة ليتزوجها وتقرأ الأسرتان الفاتحة وتتم الخطبة يكون بمثابة عقد القران وهناك فى بعض المدن المغربية لا يعترفون بعقد القران بل يكتفون بقول الأب زوجتك ابنتى ويعيش الزوجان بلا أوراق رسمية تضمن حقوق الزوج إذا ما نوى زوجها على الغدر، ولكن فى حالتى تمت الخطبة وواجهت خطيبى ظروف مادية سيئة وجلس فى المنزل بلا عمل وطالبه والدى بالتزامات مادية كبيرة جدا عند عقد القران وكنت آنذاك حاملا فى شهورى الأولى واختفى خطيبى تماما وعندما ذهبت إلى منزل أهله للسؤال عنه بعد فترة غيابه فوجدت والدته تقول لى إنه سافر خارج البلاد يبحث عن عمل وأنها لا تعرف غير أنه سافر مع أصدقاء له إلى فرنسا، ووقع الخبر كالصاعقة على فكيف أتصرف وقد يرفض أهلى إتمام حملى بعد اختفاء خطيبى فذهبت لأمى وصارحتها بما حدث فقالت إن أبى قد يطردنى من البيت إذا ما ظهر على هذا الحمل واقترحت على أن أسافر إلى خالتى فى آجادير والتى كانت تبعد مسافة خمس ساعات وربما أكثر عن المدينة التى نعيش بها وبالفعل سافرت ومكثت عند خالتى طوال فترة حملي، وبعد أن وضعت طفلى لم أره وفوجئت بخالتى تقول لى إنها باعت الطفل إلى أسرة كانت بحاجة لطفل لأن الزوجين لا ينجبان ورفضت أن تقول لى أين هذه الأسرة، وفى بعض الأحيان كنت ألمح ضيوفا تأتى إليها من آن لأخر وتعطى لها دراهم فى السر كنت أراها وهى تخبيهم فى ملابسها، وعندما أسالها من هذا الرجل أو من أين أتت إليك هذه الدراهم كانت تقول لى إنها تعمل فى التجارة ولديها محل لبيع الملابس الداخلية، ولكنى كنت أشك فى كلامها لأننى فى أكثر من مناسبة كنت ألمح معها طفل وأحيانا أكثر من طفل يجلسون فى بيتها أيام ويأتى رجل يأخذهم كانت تقول لى إنهم أبناء أصدقائها وفى مرة واجهتها بأننى أشك فى سلوكها وإذا بها تقول لى إنها بالفعل تبيع هؤلاء الأطفال الذين يأتون إليها من خلال أسر فقيرة لا تقوى على الإنفاق عليهم وهى تكسب فيهم ثواب وتبيعهم مقابل مبالغ مادية ضئيلة تعطى أغلبها للأم أو الأب الذى يأتى إليها بالطفل وعندما سألتها عن طفلى التى كانت ترفض حتى إن تقول لى ما إذا كان ولد أو فتاة اعترفت لى بأنها باعت طفلى بهذه الطريقة خوفا على من مواجهة أهلى وما يمكن أن يفعلونه إذا ما عرفوا بهذا الطفل وكانت صدمتى الأكبر أننى اكتشفت أن أمى أيضا وافقتها على هذه البيعة للتخلص من الطفل وجلب الأموال لهن.

حياة خاوية
ويتحدث التونسى خالد بروى عن الظروف التى اضطرته لبيع ثلاثة أطفال كان لا يقوى على الإنفاق عليهم، وبالتالى توفير ظروف معيشة أفضل فى ظل عدم التحاقه بوظيفة توفر له راتبا ينفق من خلاله على أسرته وفى نفس الوقت أدمن الخمور وأصبح غير قادر على الابتعاد عنها والحديث على لسانه قائلا: أدمنت المخدر بكل أنواعه وكنت أتردد باستمرار على الخمارات فكنت لا أستطيع العمل أو البحث عن وظائف ولا أقوى على الذهاب كل يوم للوظيفة وكنت أتنازل عن أحلامى يوم بعد يوم ولا يسيطر على تفكيرى سوى توفير المخدر الذى وقعت فى غرامه وأصبحت حياتى الخاوية لا يملؤها غيره وظلت زوجتى فى شجار مستمر معى تدافع عن حقها فى الحياة مع شخص سوي، بينما أنا كنت لا أرى أن هناك مشكلة فى هذه الحياة التى أعيشها وقمت ببيع كل ما أملك ولم يبق لى سوى ثلاثة أطفال يعيشون حياة البؤس وزاد الطين بلة عندما هجرتهم أمهم وذهبت لحالها كنوع من التهديد لى لكنى لم التفت لذلك بل كانت حياة الفوضى تمنعنى وأرفض الابتعاد عنها فاعيش اليوم بيومه ولا أفكر فى الغد وعندما تركت زوجتى المنزل أصبحت مسؤلية الأطفال كبيرة على ولا أستطيع حتى الوجود معهم فى نفس البيت الذى كنت أدخله للنوم فقط وباقى الوقت أجلس مع أصدقائي نسهر ونضحك ونلعب القمار وندخن المخدرات إلى أن وجدت أولادى يخرجون للشارع وكان أكبرهم فى عامه الثامن كانوا يطالبونى بأن ألحقهم بالمدارس والتعليم والإنفاق عليهم وأنا مغيب طوال الوقت وأمى قاطعتنى وتزوجت وتركت أولادى بلا أم ولا أب أو شخص مسئول عنهم يحميهم ومع الوقت أيقنت أن حياتهم بعيدا عنى ستكون فى صالحهم فقمت ببيعهم لسيدة كانت تعيش مع صديق لى وتتاجر فى الأطفال وتساعدهم على السفر إلى أوروبا وبالفعل وافقت على بيع الثلاثة أطفال مرة واحدة وكنت فقط فى البداية أهدد زوجتى بأنها قد تعود إلى البيت ولا تجد أولادها ولكنها لم تستجب وبمرور الوقت لم أجد أمامى سوى هذا الحل فأنا منذ صغرى لم اعتاد تحمل المسئولية والآن أنا على علم بأنهم فى حالة جيدة بعيدا عنى ويعيشون حياة سوية مع آخرين يضمنون لهم الحياة المناسبة ويوفرون لهم حياة هادئة، وتتحدث التونسية ليلى حداد المحامية ورئيسة مركز حقوق الإنسان عن تفاصيل الحادثة قائلة: إن ظاهرة الاتجار بالبشر ظاهرة قديمة متجددة تتجدد بتطور العلاقات والمؤسسات الاجتماعية والسياسية والتطور العلمى والتقنى ويعد الاتجار بالأطفال أحد أهم روافد هذه الظاهرة التى استشرت بسرعة فى الوطن العربي، خصوصا بعد ثورات الربيع العربى وتلاشى قبضة المؤسسات الأمنية وضعف المؤسسات الناجم عن ضعف الحكومات وفى ظل تنامى ظاهرة الفقر داخل الشعوب فى مقال تعدد وتطور شبكات الجريمة المنظمة تنامت ظاهرة الاتجار بالأطفال واتخذت صورا متعددة ومنها الاستغلال الجنسى وذلك لممارسة الجنسية المباشرة أو استعمال الأطفال فى التصوير وإنتاج مواد إعلامية إباحية لإشباع الرغبات الجنسية مقابل ربح مادى وهى اكثر أنماط الاتجار بالأطفال شيوعا، كما يتم استغلال الأطفال فى التسول فيتم توظيف الأطفال بعد إلحاق عاهات بهم والزج بهم فى الشوارع للتسول وجمع الأموال وهى ظاهرة منتشرة خصوصا فى المدن الفقيرة، كما يتم استعمال الأطفال فى ترويج الممنوعات كالمخدرات والكحول ويتم التخلص منهم بسهولة حين إلقاء القبض عليهم دون الكشف من يقف ورائهم.
وقد أدى تطور الحياة الاجتماعية وخروج المرأة للعمل إلى ظهور نوع جديد من العمالة الرخيصة، حيث تم استغلال الأطفال فى المنازل والحقول فى شكل من أشكال الصخرة ونجد هذا النوع متفشيا فى دول الخليج وتتصدر الإحصائيات أطفال اليمن والآسيويين والمصريين.
أما التطور المريع للظاهرة يتجلى من خلال استغلال الأطفال كقطع غيار حيث يتم بيعهم بعلم ذويهم أو دون علمهم للحصول على إقصائهم واستعمالها فى عمليات جراحية لم يدفع أغلى الأسعار او فى التجارب العلمية، ولعل حالة فقدان العديد من الأسر فى المناطق الفقيرة والمهمشة والأرياف فى بعض البلدان العربية كمصر والمغرب والعراق وفلسطين ولبنان وتم إضافة كل من سوريا وليبيا، ويعود ذلك إلى تسلل هذه الشبكات عبر عملاء من الداخل فى بيع الأطفال، وتبقى دراسة الظاهرة من الناحية القانونية قاصرة عن فك ألغازها حتى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة عبر الوطنية والبروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص والذى دخل حيّز التنفيذ ديسمبر 2003 والتى صادقت عليها حوالى 155 دولة والاتفاقية الدولية لحماية حقوق الطفل والمؤتمرات الدولية التى عقدتها أجهزة الأمم المتحدة عاجزة عن تفكيك الظاهرة وفهم آلياتها وطرق تنفيذ الجريمة خاصة فى ظل حالة الإنكار العام لها وعدم إفصاح الجهات الرسمية الوطنية عن احصائيات دقيقة حول حالات التجار بالأطفال وقصور الآليات القانونية الوطنية والدولية عن تتبع الجناة.


استغلالاً للحرب والدمار.. منظمات سرية فى ليبيا واليمن للاتجار بالأطفال

فى اليمن يصبح الهروب من عدم الاستقرار والبحث عن حياة أفضل فى دولة السعودية، هو الحلم الذى يطارد أسرا بأكملها لا تملك إلا أن توفر حياة آمنة لأطفالها سالكين طرقا مختلفة للهروب، ممهدة من خلال منظمات وعصابات يخطفون الأطفال ويعملون ضمن منظمات سرية.


فى البداية تتحدث سارة مخلوف عن أطفالها الذين باعهم زوجها إلى تاجر كان يشترى الأطفال الصغار قبل عمر السبع سنوات، شريطة أن يكون الطفل سليما بدنيا ولا يعانى أى مرض، وهو ما أباح لها زوجها به من معلومات خاصة بواقع بيع أولاده إلى عصابات تدفع آلاف الدولارات ولكل طفل ثمن حسب صفاته الشكلية والجسدية وتستكمل الحديث قائلة: زوجى باع أطفالى الخمسة بعدما فشل فى توفير الأمن والأمان لهم فكل يوم نستيقظ على انفجارات تودى بحياة آلاف الأطفال ونقف نشاهدهم ملقين جثثا أمامنا وهنا لا نقول إننا نبيع أطفالنا بل نبحث لهم عن حياة آمنة بعدما فشلت حكوماتنا فى حمايتنا وقد روى لى زوجى سره عندما اتفق مع عربة مخصصة لنقل الأطفال لتمكنهم من الهروب عبر الحدود، وبعدها يسافرون فى أمان إلى السعودية وعن طريق مسئولين أيضا يتم توفير لهم أسر تكرمهم وتعيشهم حياة آمنة، فهذه الأسر السعودية لا ينقصها سوى الأطفال ولكنها قادرة على حمايتهم وتعليمهم وحتى لو وجدوا وظائف وعملوا بها فستصبح حياتهم أفضل من الحياة التى يعيشونها هنا وسط صراعات وأحداث قد تؤذى حياتهم، أما نحن فهى حياتنا التى لا نعرف كيف نتخلص منها لكن ما فائدة أن نحتفظ بأطفالنا وكل يوم نفقدهم ضحايا قتلى بلا حق أو حرمة لدمائهم.

وبالمنطق نفسه يتحدث عسيرى أحمد أب لخمسة أطفال قائلا: ما نعيشه هنا فى جدة مأساة كبيرة والأمر بالغ الخطورة، فنحن غير قادرين على العيش السليم أو حماية أولادنا ونسائنا فنحن نعيش فى احتياج شديد، لا نملك شيئا فلماذا لا تهرب أولادنا ولا نساعدهم فى ذلك وحتى إن كان واقع الأمر أننا لا نعرف إلى أين هم ذاهبون أو ما هو مصيرهم لكن لا يوجد أسوأ من الفقر والقتل والغارات، وأنا قمت ببيع أطفالى وكانت آخرهم طفلة رضيعة، وذلك لصالحهم وليس للحصول على الدولارات على الأقل قمت بتسليمهم لأشخاص يساعدونهم على العيش والحياة الكريمة بعيدا عن الصراعات والجوع الذى نعيشه هنا.
ويضيف أحمد قائلا: وهذه الجماعات التى تشترى الأطفال تتعامل مع الأسر اليمنية كلها وتشترى أطفالهم ويصبح هدف المسئوليين عن شرائهم هو الخروج بهم برا للوصول إلى السعودية ومن السعودية من خلال الطريق الواصل بين اليمن والسعودية ويهربون الأطفال عن طريق الصعود للجبال ومن بعدها يتسلم شيوخ القبائل المسئولين عن تهريب الأطفال ليسلك كل طفل طريق مختلف عن الآخر .
وفى ليبيا يتم بيع الأطفال عن طريق شبكات، أعضاؤها سيدات مهمتهن الحمل والولادة، فهذا الطفل الذى يتم بيعه يجلب لها آلاف الدولارات القادرة على تغيير حياتها من حال إلى حال.
وهو ما تتحدث عنه هناء مخلوف قائلة: فى كل الأحوال يصبح الهدف من بيع الأطفال هو أن يصلوا إلى أوروبا يعيشون حياة مختلفة بعيدا عن الفقر الذى قد يواجههم فى بيئتهم التى ينشأون بها، وهنا يصبح السفر سهلا وهو الأمر الذى قد يلجأ إليه الكثيرون، وذلك وليست فقط الأسر الليبية بل هناك مهاجرين من بلادهم يأتون إلى السماسرة ويبيعون أطفالهم إلى رؤوس عصابات مهمتها فقط الحصول على الأطفال ويرسلونهم فى عربات كبيرة مغلقة أو حتى فى قوارب إلى أوروبا، وهناك يكون لكل طفل ثمن على حسب الاستخدام ولا يتساوى الرضيع مع الطفل المتجاوز سنواته الأولى ويصبح الاتفاق المادى فى البداية قبل سفر الأطفال، وهناك أسر تبيع أطفالها وتدر لهم هذه الجماعات راتبا شهريا إذا فى حالة تنفيذ وعودها بذلك، وهناك أسر تطمع فى السفر هى بنفسها، فترسل أطفالها أولا وتطلب من المسئولين توفير فرصة سفر وهو ما يحدث فى أكثر من مدينة ليبية وكل يوم هناك مستجدون يتعاملون من خلال البحر مع هؤلاء التجار لبيع الأطفال وتنتهى مسئولية الأسرة تجاه الطفل بمجرد تسليمه هذا الطفل.
ويستكمل الحديث الليبى حداد سند قائلا: هذه الوقائع لبيع الأطفال وتهجيرهم لأوروبا لا علاقة لها لا بثورات ربيع عربى أو غيرها فهى موجودة ومتجددة من قديم الأزل، وهؤلاء التجار لهم أماكن معينة فهم لا يتتبعون الأطفال ولا يبذلون مجهودا فى اقناع الأسر لبيع أطفالها، لكن تأتى إليهم كل أسرة راغبة فى بيع أطفالها وتعرض عليهم الطفل ومنهم من يكتفى بإخلاء مسئوليته تجاه الطفل وتسليمه لهؤلاء التجار حتى تشتريه أسرة أخرى قادرة على حمايته وتوفير سبل الحياة الكريمة له، وهناك أسر تشترط الحصول على مبلغ معين والتجار لا عليهم سوى تسلم الطفل، وقد يختلف التجار من مكان لآخر، وفى مناطق معينة يعرفون بالاسم وقد يضطرون أحيانا لتغيير أماكن وجودهم إذا ما تم رصدهم، ولكن يتركون وسيلة للاتصال بهم فى المكان الجديد الذين ذهبوا إليه وهؤلاء التجار لهم زبائنهم والمتعاملين معهم على مستوى دول كثبرة فى العالم وهم لا يهتمون إذا كان الطفل مسروق أو هذا الذى يبيعه هو والده أو والدته، فالأهم هو الطفل نفسه أى أن كان عمره وهم تجار أماكن وجودهم تكون بالقرب من البحار دائما.

أطفال سوريا يفرون من شبح الموت إلى المجهول

لم يكن الطفل السورى إيالن صاحب الصورة التى أوجعت قلوب الملايين حول العالم، سوي صورة مصغرة لحال أطفال سوريا الذين كانوا ضحايا الحرب الدائرة.. الموت كان السبب الذي دفع الكثيرين إلى تهجير أطفالهم بعيدا عن مشاهد الحرب والدمار علهم يجدون فى الدول الغربية وطناً وسكناً وسكينة.


وتتحدث السورية روان عبدالله عن تجربتها قائلة: نعيش في سوريا أجواء الحرب في كامل صورها، فيوميا نفيق علي أصوات القنابل والانفجارات تهددنا، ومن الممكن أن نستيقظ يوما ولا نجد أطفالنا وبيوتنا فكيف لا نبحث لهم عن حياة أفضل علي الأقل احتمالات الموت فيها محدودة وليست مؤكدة، فحياتنا نفسها ليست مضمونة في ظل القصف والقتل الذي نعيشه يوميا وهناك أسر كثيرة أعرفها معرفة جيدة ترسل أطفالها وعندما تطمئن علي وصولهم سالمين تلحق بهم بطرق مختلفة وأعرف أكثر من أسرة، بالفعل تم جمع شملهم في بلدان أخري بعيدا عن الحياة المرعبة التي نعيشها ونموت بسببها ونحن أحياء.

أما سالار أمين وهو أب اضطر لإرسال ولده مع مجموعة من الأطفال السوريين، بعد أن تردد كثيرا ورفض مرات عديدة عروض السفر والهجرة بهذا الشكل لأبنائه، لكنه وافق مرغما عندما استيقظ يوما علي تدمير عقار بأكمله كان يضم والديه وشقيقه وأولاده الثلاثة كان أصغرهم طفلاً لم يتجاوز السبع سنوات وكانت الصورة التي علقت بذهنه أياما طويلة حتي اتخذ القرار هو صورة ابن شقيقة الأصغر طفل عمره ستة أشهر تحت الأنقاض وقد اختفت ملامحه تماما بسبب القصف والحديث علي لسانه مستكملا: في هذه اللحظة التي دمرتني وما زلت أشعر بأنني متوفى وأنا علي قيد الحياة شعرت بأننا غير قادرين علي حماية أطفالنا ولا أنفسنا ووجودهم بعيدا عنا قد تعطينا أملا في كونهم أحياء يرزقون، ولكن ما فائدة التمسك بهم ونحن غير قادرين علي حمايتهم أو حتي بقائهم علي قيد الحياة ما نعيشه كابوسا مضميا دمر بلدا بأكمله ونحن السوريين عانينا كثيرا ولم نجد من يقف بجانبنا، ولكن كل من استطاع الخروج خرج من هنا وظل الأشخاص المعدمون الذين لا يملكون إلا الاستسلام للموت فقط.

ويعلق هيثم المالح بأن الأسر السورية تعاني الموت كل يوم تحت الأنقاض ومن الممكن أن تستيقظ أسرة لتجد بناء كاملا مهدما بكل المقيمين به لذلك لا يمكن الحكم أو البحث عن المهجرين في ظل الأحداث التي تحدث وتتكرر يوميا، لذلك لا توجد إحصائيات لتهجير السوريين إلي أوروبا، ولكن هناك إحصائيات للأطفال السورية التي ماتت وتموت يوميا من وقت اندلاع الثورة السورية وحتي الآن ولكن تهجير الأطفال وبيعهم سلوك لا يعرفه السوريون لأن هذا السلوك غريب علي السوريين ولو موجود يكون فى حالة أو اثنتين بدون قاعدة ثابتة وهنا الرهان بين السوريين علي الموت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.