ليلة إعلان تنحي المخلوع مبارك أعلنت جماعة الإخوان المسلمين فيما اعتبرته رسالة طمأنة للرأي العام العالمي، وللداخل السياسي المصري: أن الإخوان لن ترشح منافسا في انتخابات الرئاسة القادمة. وليس من حقي مناقشة قرارا يُعد شأنا إخوانيا داخليا خالصا، فهذه رؤيتهم وهذا حقهم الخالص. فعندما يقرر فصيل ما من الفصائل الوطنية خوض أو الامتناع عن خوض استحقاق سياسي فهو يحكم بذلك على ما يملك من أدوات هم أعضاء هذا الفصيل أو الكيان. لكن ليس من حق كيان أيا كان حجمه أو قوته أن يقرر لوطن كله من يحكمه، أو يحجر على مرشح إسلامي مستقل عن ذات الكيان أن يخوض تجربة سياسية هي حق دستوري مكفول لكل مواطن، وواجب وطني على كل من يجد في نفسه القدرة والكفاءة لطرح نفسه وتحمل المسؤولية. شخصيا أتفق تماما مع قرار الإخوان بأن رئيس مصر القادم يجب ألا يكون إخوانيا منتميا لتنظيم الإخوان، أو حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي للجماعة، لأن نجاح رئيس إخواني في ظل وجود أكثرية برلمانية إخوانية ورئيس إخواني لمجلس الشعب، يعيد استنساخ هيمنة الحزب الوطني المنحل على العملية السياسية برمتها – رغم اختلاف طريقة الاختيار من التزوير الفج إلى النزاهة- للأذهان، مع اتفاق عدم هيمنة الإخوان على المشهد السياسي بشكل كامل مع رؤيتهم بضرورة مشاركة جميع ألوان الطيف السياسي في بناء مصر. لكن الرئيس ذو المرجعية الإسلامية غير إخواني الإنتماء التنظيمي شأن آخر، فلقد شهد الشارع السياسي المصري كله ضراوة المنافسة الانتخابية بين حزب الحرية والعدالة – الإخواني – وبين حزب النور – السلفي – وسط توقعات أغلب المحللين السياسيين أن تكون المعارضة العنف والأشرس داخل البرلمان للأكثرية الإخوانية ستأتي من جانب حزب النور رغم اتفاق الحزبين في المرجعية الإسلامية الأم! بل وكان التنافس على منصب رئيس البرلمان بين مرشح من حزب الوسط – المنشق عن الإخوان ويحمل نفس المرجعية – ومرشح حزب الحرية والعدالة الإخواني!! التنوع الإسلامي إذن في المشهد السياسي المصري يضمن قدرا كبيرا من التمايز والاختلاف بين تيارات المرجعية الإسلامية. وليس جريرة مرشحي الرئاسة الثلاثة ذوي المرجعية الإسلامية ارتباطهم بعلاقة ما مع جماعة الإخوان في آونة سابقة. فالدكتور العوا رغم قربه المعروف من جماعة الإخوان عُرف كذلك برؤاه واجتهاداته المستقلة التي أملت عليه التمسك بدفاعه القانوني عن حزب الوسط في الوقت الذي ناوءه فيه الإخوان وهو يطرح نفسه كإسلامي مستقل. والشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل رغم خوضه انتخابات البرلمان سابقا متحالفا أو ممثلا للإخوان فإنه نفى ارتباطه التنظيمي بالجماعة التي أيدت نفيه هذا. أما الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح فلم يكن قرار فصله من عضوية الجماعة على خلفية اعتزامه الترشح للرئاسة هو محور الخلاف الأول مع أطروحات الجماعة، بل كان المحور الأخير في منظومة من الاجتهادات والرؤى المخالفة لما استقر عليه الوعي الجمعي داخل الإخوان، عبر عنها في أكثر من مناسبة منها الزيارة المثيرة للجدل للأديب الراحل نجيب محفوظ، ودعوته للتمايز بين العمل الدعوي والعمل الحزبي، وغيرها من المواقف الدعوية والقناعات الفكرية والتي تمثلت في مواقفه من الفنون والموسيقى وحرية الإبداع والتعبير وتقنين الجماعة، وهي مواقف جعلت الصف الإخواني ممهدا عبر سنوات طويلة سابقة لقرار الانفصال أو الفصل الذي تم مؤخرا. هؤلاء إذن مرشحون ثلاثة إسلاميين في أوجه التمايز والاختلاف بين بعضهم البعض، وكذلك استقلاليتهم عن الإخوان ما يضمن للمنظومة السياسية المصرية في حال نجاح أي منهم أن يظل في حالة تباين واختلاف وتنوع وتنافس أكثر بكثير من كل اتفاق وتناغم محتمل رغم الاتفاق في المرجعية الإسلامية العامة. لذلك فأنا أؤيد قرار الإخوان الصائب ألا يكون رئيس مصر القادم إخوانيا، ولكني في ذات الوقت أتبنى اختيار مرشح إسلامي لرئاستها، مشددا في نفس الإطار على معايير العلم والقوة مع معيار الأمانة والحفظ، لأن إسلامية الرئيس لا تعني أبدا أن يكون شيخا معمما، بل يجب أن يكون سياسيا محنكا وأمينا وحفيظا وخلوقا في ذات الوقت. علاء سعد حسن – عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية