رغم مرور عام على انطلاق شرارة ثورة 17 فبراير التي أطاحت بديكتاتورية العقيد الراحل معمر القذافي, إلا أن ما يجمع عليه كثيرون أن ليبيا مازال أمامها سنوات للتخلص من ميراث النظام السابق المتمثل في انتشار الأسلحة وتقادم البنى التحتية وغياب المؤسسات وانتشار الفساد. صحيح أن المجلس الوطني الانتقالي أعلن في 13 فبراير عن صدور قانون انتخابات جديد وبدأ الاستعدادات لإجراء انتخابات المؤتمر الوطني العام "البرلمان" في يونيو المقبل والذي ستكون مهمته الرئيسة وضع دستور جديد للبلاد, إلا أن التحدي الأمني مازال يلقي بظلاله على المشهد الليبي برمته, لدرجة دفعت رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل للتحذير مؤخرا من احتمال اندلاع حرب أهلية في البلاد. فمعروف أن الثوار الذين كانوا طلبة وموظفين وعاطلين عن العمل نجحوا في التخلص من ديكتاتورية القذافي, التي استمرت أكثر من أربعين عاما, إلا أنهم عندما حصلوا على الحرية لم يلقوا السلاح, بل أصبحوا لا يترددون أيضا في استخدام هذا السلاح في أبسط خلاف بينهم. ورغم إعلان المجلس الانتقالي عن أكثر من خطة لدمج الثوار السابقين في الجيش الوطني الجديد, إلا أنهم باتوا يشكلون أكبر تهديد للاستقرار في البلاد، في ظل الاشتباكات المتكررة فيما بينهم من أجل السيطرة على مناطق وتقويض سلطة الحكام الجدد. ولم يقف الأمر عند ما سبق , بل إن الثوار السابقين سيطروا على السجون التي يقبع فيها أنصار النظام السابق, ما أدى إلى ظهور انتقادات دولية للحكام الجدد في ليبيا على خلفية تعذيب معتقلين مؤيدين للقذافي. ففي 16 فبراير وعشية إحياء الذكرى الأولى لتفجر ثورة 17 فبراير, أعلنت منظمة العفو الدولية المعنية بحقوق الإنسان في بيان لها أن 12 شخصا على الأقل لقوا حتفهم جراء التعذيب في ليبيا منذ سقوط نظام القذافي. وفيما اتهم البيان السابق بعض ميليشيات الثوار السابقين بالتورط في هذا الأمر, أشار إلى أن وفدا من "العفو الدولية" زار مؤخرا سجونا في العاصمة طرابلس ومصراتة وبنغازي ووجد آثار تعذيب وجثث 12 شخصا على الأقل تبدو عليها بقع زرقاء، وبعضها منزوع أظافر قدميها وأصابعها. بل ونقلت صحيفة "القدس العربي" اللندنية عن كارستن يورجنزن، الخبير لدى منظمة العفو الدولية، القول في 16 فبراير:" الميليشيات أصبحت خارج نطاق السيطرة بعد حوالي أربعة أشهر من مقتل القذافي، قبل عام كان الليبيون يخاطرون بحياتهم للمطالبة بالعدالة, اليوم هذه العدالة في خطر كبير من خلال الميليشيات المسلحة التي تسحق حقوق الإنسان دون أن يتم محاسبتها". واللافت إلى الانتباه أن الأمر لم يقف عند تنازع ميليشيات الثوار السابقين وسيطرتها على السجون, وإنما شمل أيضا نشوب نزاعات بين الجماعات القبلية المتنافسة على النفوذ والموارد بعد سقوط القذافي. ففي 12 فبراير, انتقد فرحات عبد الكريم بو حارق منسق الشئون الاجتماعية في حكومة الكفرة المحلية المجلس الوطني الانتقالي لتجاهله جنوب شرق البلاد, رغم أن إقليم الكفرة هو أكبر الأقاليم الليبية ويمتد على حدود السودان وتشاد. وهدد فرحات بأن الكفرة ستضطر إلى إعلان الاستقلال عن ليبيا ما لم تتلق الدعم اللازم لإنهاء ما وصفها بهجمات المرتزقة, موضحا أن المقاتلين المحليين طلبوا مساعدة من بنغازي ومصراتة بعد تعرض ثكنات عسكرية محلية لهجمات "المرتزقة", لكنهم لم يتلقوا أي استجابة. وجاءت تصريحات فرحات بعد تردد أنباء عن مقتل حوالي 20 شخصا وإصابة العشرات في اشتباكات بين قبيلتين تتنافسان على السيطرة على الأرض في الكفرة في أقصى جنوب شرق ليبيا. وقال عبد الباري ادريس وهو مسئول أمني من قبيلة الزوي في الكفرة إن مسلحين محليين من القبيلة اشتبكوا مع مقاتلين من جماعة التبو العرقية بقيادة عيسى عبد المجيد الذي يهاجم "الزوي" بدعم مرتزقة من تشاد, متهما عبد المجيد بجلب آخرين من التبو من تشاد المجاورة ومحاولة توطينهم في الكفرة. وينتشر التبو أساسا في تشاد, لكنهم موجودون أيضا في أجزاء من جنوب ليبيا والسودان والنيجر ويعبرون في كثير من الأحيان الحدود الصحراوية غير المميزة بعلامات ذهابا وإيابا. ويبدو أن أنصار النظام السابق وجدوا في التطورات المؤسفة السابقة فرصة سانحة للانتقام من ثورة 17 فبراير, حيث أدلى الساعدي القذافي الذي كان فر إلى النيجر في سبتمبر من العام الماضي بتصريحات لقناة "العربية" في 10 فبراير دعا خلالها أنصاره في الداخل إلى انتفاضة مسلحة ضد المجلس الانتقالي الليبي. ولعل ما يضاعف القلق حول مستقبل ليبيا, أن ثورة 17 فبراير لا تواجه فقط تحديات داخلية لا حصر لها, وإنما هناك أيضا الأطماع الغربية في نهب ثرواتها النفطية ودفع فاتورة مشاركة "الناتو" في الإطاحة بنظام القذافي, ولذا لا بديل عن توحد الثوار السابقين مجددا والالتفاف حول المجلس الانتقالي للإسراع بتجاوز المرحلة الانتقالية وإحباط كافة المؤامرات التي تستهدف عرقلة بلد عمر المختار عن الانطلاق نحو الديمقراطية والتنمية.