يبدو أن الربيع العربي بدأ يدق بقوة أبواب موريتانيا، حيث كشفت مصادر مطلعة في نواكشوط عن وفاة شخص حاول إحراق نفسه أمام مقر الرئاسة في 9 فبراير. ونقلت وكالة "فرانس برس" عن المصادر السابقة القول إن محمد عبد الرحمن ولد بازيد الذي يبلغ نحو ثلاثين عاما كان صب الوقود على نفسه أمام القصر الرئاسي في نواكشوط، فتدخل العسكريون الذين يتولون الحراسة وتمكنوا من إخماد النار في بداياتها، قبل أن ينقل في وضع حرج إلى المستشفى، حيث توفي في 11 فبراير في أحد مستشفيات العاصمة، متأثرا بجروحه. ومن جانبه، كشف أحد أفراد أسرة ولد بازيد أنه كان يعمل مدرسا، وتم نقله مؤخرا إلى منطقة نائية في البلاد، بدون موافقته، ورفض التوجه إليها، ما أدى إلى تعليق راتبه، ولذا حاول "لفت النظر إلى قضيته" بإحراق نفسه. وتعتبر هذه هي المرة الثانية التي يحاول فيها شخص موريتاني إحراق نفسه على غرار مفجر ثورات الربيع العربي، التونسي محمد البوعزيزي. ففي 17 يناير 2011 ، أوقف رجل أعمال يدعى يعقوب ولد داود "43 عاما" سيارته أمام مجلس الشيوخ الذي يبعد بضعة أمتار عن المقر الرئاسي في نواكشوط وأشعل النار بنفسه داخل السيارة، ما أدى إلى وفاته على الفور. وكشفت وسائل الإعلام الموريتانية حينها أن داود قام بذلك تعبيرا عن استيائه من الوضع السياسي في البلاد وعن غضبه من النظام الحاكم. ورغم أن الحزب الحاكم في موريتانيا قد يقلل من أهمية الحوادث السابقة ويعتبرها تصرفات فردية، إلا أن التطورات في الساعات الأخيرة في البلاد تؤكد عكس ذلك وتشير بوضوح إلى تصاعد حدة الغضب الشعبي ضد نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز . ففي 11 فبراير، قمعت الشرطة الموريتانية مسيرة نظمها شباب 25 فبراير الذي ينشط منذ نحو عام ضد نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز ويطالب بإصلاحات سياسية واجتماعية جذرية. واعتقلت الشرطة الموريتانية نحو 17 متظاهرا من بينهم ثلاث شابات شاركن في المظاهرة، كما أطلقت وابلا من مسيلات الدموع على المتظاهرين الذين نددوا بالأوضاع التي تعيشها البلاد في ظل النظام الحالي. ومن جانبها، نقلت قناة "الجزيرة" عن حركة 25 فبراير القول في بيان لها إن نحو عشرين من شبابها جرحوا ونكل بهم وأدخلوا "سجون الظلم والطغيان"، فداء للوطن وتضحية من أجله. وقبيل انطلاق المظاهرة الشبابية، أضرم مجهولون النار في ثلاث حافلات تابعة لشركة النقل العمومي، وفتحت الشرطة الموريتانية تحقيقا في ملابسات الحادث دون أن توجه أصابع الاتهام حتى الآن لأي جهة معينة. ونفت حركة 25 فبراير أي صلة لها بإحراق الحافلات، واتهمت النظام بالمقابل بتلفيق وفبركة تهمة إحراق الحافلات من أجل تشويه نضالها، قائلة :"على النظام الحاكم أن يعلم أن زمان التلفيقات والسيناريوهات المستهلكة ولى إلى غير رجعة". وفي تعليقه على ما سبق، ندد حزب التكتل الذي يترأسه زعيم المعارضة أحمد ولد داداه بقمع المسيرة الشبابية، وطالب بإطلاق سراح الموقوفين على الفور، كما دعا كل القوى الحية في البلاد للوقوف في وجه ما سماه "النظام القمعي للرئيس محمد ولد عبد العزيز، وتماديه في تكريس نظام ديكتاتوري أحادي في البلاد". كما نظم عدد من البرلمانيين والنشطاء الحقوقيين وقفة أمام أحد مراكز الشرطة التي يعتقل فيها بعض الموقوفين، مطالبين بإطلاق سراحهم والسماح لهم ولذويهم بالاتصال بهم ومعاينة الظروف التي يوجدون بها. وبجانب ما سبق، فقد اندلعت اشتباكات في محيط جامعة نواكشوط في 11 فبراير بين الشرطة التي فرضت طوقا قويا على مباني الجامعة، وطلاب رافضين لإجراء الامتحانات الفصلية في الوقت الذي يعتقل ويفصل فيه زملاء لهم بسبب مشاركتهم فيما تقول السلطات إنها أعمال شغب وفوضى. واللافت إلى الانتباه أن التطورات السابقة جاءت متزامنة مع موجة من التصعيد السياسي والإعلامي تقوم بها المعارضة الموريتانية ضد نظام ولد عبد العزيز. وبصفة عامة، يجمع كثيرون أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز في وضع حرج للغاية على إثر تصاعد الاستياء الشعبي إزاء تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في موريتانيا، ولذا فإنه لا بديل أمامه سوى الإسراع بإدخال إصلاحات سياسية حقيقية قبل انتقال عدوى "الربيع العربي" إليه.