قال أوفير فينتر, الباحث الإسرائيلي في شئون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا, إن فشل المحاولة الانقلابية في تركيا, شكل صدمة وخيبة أمل كبيرة في مصر, حسب تعبيره. وأضاف فينتر في دراسة نشرها موقع معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب في مطلع أغسطس, أن وسائل الإعلام المقربة من النظام المصري سارعت إلى الاحتفال بصورة مبكرة بالمحاولة الانقلابية ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وتابع " لكن سرعان ما تحول هذا الاحتفال إلى حزن شديد بعد تواتر الأنباء عن فشل المحاولة الانقلابية, ونجاة أردوغان منها ". واستطرد الباحث الإسرائيلي, قائلا :" إن السعودية كانت تبذل جهودا لإحداث تقارب بين أنقرةوالقاهرة, إلا أنه بعد فشل المحاولة الانقلابية, وتعطيل مصر إصدار بيان في مجلس الأمن الدولي يدين الانقلاب ضد الحكومة المنتخبة في تركيا, فإنه لا فرصة لتحسين العلاقات بين البلدين". وأشار فينتر إلى وجود سبب آخر يعطل أي تقارب بين أنقرةوالقاهرة, وهو أن أردوغان سيركز في قادم الأيام على استقرار نظامه الداخلي أكثر من اهتمامه بتحسين العلاقات مع مصر. وتشهد العلاقات بين القاهرةوأنقرة توترا حادا منذ 2013 على إثر عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي, ووصف تركيا ما حدث معه ب"الانقلاب", وليس ثورة شعبية, ما دفع القاهرة لسحب السفير المصري من أنقرة نهائيًا، وتخفيض التمثيل الدبلوماسي مع تركيا، والطلب من السفير التركي في القاهرة المغادرة باعتباره شخصًا غير مرغوب فيه. وبعد يوم واحد من فشل الانقلاب في تركيا، ذكرت وكالة "رويترز" أن مصر, وهي عضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي, عرقلت صدور بيان عن المجلس لإدانة المحاولة الانقلابية ضد أردوغان، بداعي تضمن مشروع البيان عبارة "احترام الحكومة المنتخبة ديمقراطيا في تركيا"، ومن ثم فشل صدور البيان الذي يحتاج إلى إجماع أعضاء مجلس الأمن البالغ عددهم 15 عضوًا. وردت وزارة الخارجية المصرية على لسان مصدر دبلوماسي، بأن مصر لا يوجد لديها اعتراض على مجمل البيان الصحفي المقترح صدوره عن المجلس، ولكنها طرحت تعديلا طفيفًا في إحدى الصياغات. وأوضح المصدر ذاته أن مصر اقترحت استبدال العبارة الخاصة باحترام الحكومة المنتخبة ديمقراطياً في تركيا، بعبارة تطالب باحترام المبادئ الديمقراطية والدستورية وحكم القانون، متعجبًا من "محاولة البعض تحميل مصر مسئولية إعاقة صدور بيان به كل تلك المعاني والمضامين، في الوقت الذي اقترحت فيه مصر إجراء تعديل بسيط لا يمس مضمون البيان". وفي المقابل, ظهر أردوغان, بعد فشل المحاولة الانقلابية ضده، وهو يلوّح ب "شارة رابعة" بين جمع من أنصاره، قائلا :"رابعة شعارنا، هذا الشعار اليوم يشير إلى أربعة مبادئ؛ وحدة تركيا، وحدة الشعب، وحدة الأرض، ووحدة الدولة". وكان آيال زيسر أستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة تل أبيب, قال في وقت سابق إن أردوغان أصبح يسيطر على كل مفاصل السلطة في تركيا بعد فشل المحاولة الانقلابية. وأضاف زيسر في مقال له بصحيفة "إسرائيل اليوم" في 27 يوليو الماضي، أن أردوغان بصدد تحقيق حلمه بمحو آثار العلمانية, التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك, وربط تركيا مجددا بجذورها الإسلامية والعثمانية. وتابع " أردوغان استغل المحاولة الانقلابية لإعلان حالة الطواريء والسيطرة على الجيش والشرطة والإعلام والتعليم والقضاء, وذلك فيما الشعب التركي ما زال تحت تأثير الصدمة مما حدث في 15 يوليو". واستطرد "الشخصية الكاريزمية لأردوغان ساهمت أيضا في استقرار تركيا وإحداث رفاهية اقتصادية غير مسبوقة في تاريخ البلاد, وهو ما يوفر له التأييد الشعبي الكبير للمضي قدما في طموحاته للقطيعة مع مرحلة العلمانية وتأسيس دولة جديدة بصبغة إسلامية". وخلص زيسر إلى القول :" إن أردوغان على وشك أن يكون سلطانا عثمانيا، ولذا فإنه يسعى للتخلص من كافة أعدائه, مستغلا المحاولة الانقلابية", حسب تعبيره. وكان الخبير الإسرائيلي في الشئون العربية يوني بن مناحيم, قال أيضا إن كافة الظروف أصبحت مهيأة أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتحقيق طموحاته السياسية خاصة فيما يتعلق بالقضاء على العلمانية في أوساط المؤسسة العسكرية. وأضاف بن مناحيم في مقال له بموقع "المعهد الأورشليمي" الإسرائيلي في 25 يوليو, أن أردوغان سيسعى لإضفاء صبغة إسلامية على المؤسسة العسكرية, والتخلص من الهوية العلمانية, التي طغت عليها منذ تأسيس الجمهورية التركية الحديثة في عهد مصطفى كمال أتاتورك. وتابع " أردوغان يواصل عمليات التطهير داخل المؤسسة العسكرية، مستغلا ما يحظى به من دعم شعبي غير مسبوق، وغياب الأصوات المعارضة له، عقب فشل المحاولة الانقلابية الأخيرة". وأشار بن مناحيم, وهو ضابط سابق في جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية, إلى أن أردوغان في طريقه لبناء دولة جديدة، بما يخدم طموحاته السياسية في التخلص من إرث أتاتورك العلماني, وإضفاء الهوية الإسلامية على الدولة التركية. وكان الخبير العسكري الإسرائيلي ألون بن دافيد, قال أيضا إن هناك عدة أخطاء وقع فيها مخططو المحاولة الانقلابية الأخيرة في تركيا, ولذا نجح الرئيس رجب طيب أردوغان في البقاء بالسلطة. وأضاف بن دافيد في مقال له بصحيفة "معاريف" العبرية في 23 يوليو الماضي, أن مخططي هذه المحاولة لم يدركوا أن الزمن تغير، وأن الانقلابات التقليدية, التي عرفتها تركيا في الثمانينيات من القرن الماضي, لم تعد تصلح في الوقت الراهن, خاصة في ظل وجود الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. وتابع أن القوى الليبرالية والعلمانية في تركيا وقفت أيضا إلى جانب الديمقراطية, بالإضافة إلى أن المحاولة الانقلابية لم تنل أي مساندة من الدول الكبرى, حيث أدارت الولاياتالمتحدة ظهرها للانقلابيين بسرعة, حسب تعبيره. ورغم ما سبق, لم يستبعد بن دافيد أن تشهد تركيا محاولة انقلابية جديدة, في ظل ما سماها حملات التطهير الواسعة التي يقوم بها أردوغان في صفوف الجيش, والتي يشعر معها الضباط والقادة بالإهانة, حسب تعبيره.