قالت مجلة "ذا ناشونال إنترست" الأمريكية, إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليس كرئيس الوزراء الإيراني الأسبق محمد مصدق, الذي أطاحت به المخابرات الأمريكية والبريطانية في عام 1953. وأضافت المجلة في مقال لها في 30 يوليو, أن أردوغان يتميز بالدهاء, ومعروف أيضًا بأنه "الفتوة" في حي قاسم باشا بإسطنبول الذي نشأ فيه. وتابعت أن هناك شكوكًا واسعة في تركيا حول تورط وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي اي ايه" في دعم المحاولة الانقلابية, التي وقعت في 15 يوليو, بالنظر إلى أن المعارض التركي فتح الله جولن يعيش في ولاية بنسلفانيا الأمريكية". واستطردت المجلة: "ما يدعم هذه الشكوك أن واشنطن كانت تشعر بالاستياء من سياسات أردوغان, والتي تتعارض مع مصالح أمريكا في الشرق الأوسط, خاصة فيما يتعلق بمعارضته التنسيق الأمريكي مع أكراد سوريا في الحرب ضد تنظيم الدولة". وخلصت "ذا ناشونال إنترست" إلى القول إنه حال تأكد دعم واشنطن للمحاولة الانقلابية في تركيا, فإن هذا سيكون أغبى قرار, لأن أردوغان ليس مصدق, ولأن طائرات حلف الناتو تنطلق في محاربة تنظيم "داعش" من قاعدة إنجرليك التركية, ولأن تركيا تستضيف 2.5 مليون لاجئ سوري, بإمكانها أن تسمح في أية لحظة بدخولهم دول الاتحاد الأوروبي. يذكر أن محمد مصدق رئيس وزراء إيران الراحل الذي انتخب مرتين في 1951 و1953 تم إزاحته من السلطة في انقلاب عليه في 19 أغسطس 1953, من تدبير المخابرات الأمريكية والبريطانية في عملية مشتركة سميت بعملية "أجاكس", وذلك على إثر قراراته بتأميم شركات النفط الإيرانية. واختارت واشنطن ولندن حينها الجنرال فضل الله زاهدي ليخلف مصدق, الذي سجن ثلاث سنوات, ثم أطلق سراحه، إلا أنه أستمر رهن الإقامة الجبرية حتى وفاته سنة 1967. وكان آيال زيسر أستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة تل أبيب, قال أيضًا إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أصبح يسيطر على كل مفاصل السلطة في تركيا بعد فشل المحاولة الانقلابية. وأضاف زيسر في مقال له بصحيفة "إسرائيل اليوم" في 27 يوليو، أن أردوغان بصدد تحقيق حلمه بمحو آثار العلمانية, التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك, وربط تركيا مجددًا بجذورها الإسلامية والعثمانية. وتابع " أردوغان استغل المحاولة الانقلابية لإعلان حالة الطوارئ والسيطرة على الجيش والشرطة والإعلام والتعليم والقضاء, وذلك فيما الشعب التركي ما زال تحت تأثير الصدمة مما حدث في 15 يوليو". واستطرد "الشخصية الكاريزمية لأردوغان ساهمت أيضًا في استقرار تركيا وإحداث رفاهية اقتصادية غير مسبوقة في تاريخ البلاد, وهو ما يوفر له التأييد الشعبي الكبير للمضي قدما في طموحاته للقطيعة مع مرحلة العلمانية وتأسيس دولة جديدة بصبغة إسلامية". وخلص زيسر إلى القول :" إن أردوغان على وشك أن يكون سلطانا عثمانيا، ولذا فإنه يسعى للتخلص من كافة أعدائه, مستغلا المحاولة الانقلابية", حسب تعبيره. وكان الخبير الإسرائيلي في الشئون العربية يوني بن مناحيم, قال أيضا إن كل الظروف أصبحت مهيأة أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتحقيق طموحاته السياسية خاصة فيما يتعلق بالقضاء على العلمانية في أوساط المؤسسة العسكرية. وأضاف بن مناحيم في مقال له بموقع "المعهد الأورشليمي" الإسرائيلي في 25 يوليو, أن أردوغان سيسعى لإضفاء صبغة إسلامية على المؤسسة العسكرية, والتخلص من الهوية العلمانية, التي طغت عليها منذ تأسيس الجمهورية التركية الحديثة في عهد مصطفى كمال أتاتورك. وتابع: "أردوغان يواصل عمليات التطهير داخل المؤسسة العسكرية، مستغلاً ما يحظى به من دعم شعبي غير مسبوق، وغياب الأصوات المعارضة له، عقب فشل المحاولة الانقلابية الأخيرة". وأشار بن مناحيم, وهو ضابط سابق في جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية, إلى أن أردوغان في طريقه لبناء دولة جديدة، بما يخدم طموحاته السياسية في التخلص من إرث أتاتورك العلماني, وإضفاء الهوية الإسلامية على الدولة التركية. وكان الخبير العسكري الإسرائيلي ألون بن دافيد, قال أيضا إن هناك عدة أخطاء وقع فيها مخططو المحاولة الانقلابية الأخيرة في تركيا, ولذا نجح الرئيس رجب طيب أردوغان في البقاء بالسلطة. وأضاف بن دافيد في مقال له بصحيفة "معاريف" العبرية في 23 يوليو, أن مخططي هذه المحاولة لم يدركوا أن الزمن تغير، وأن الانقلابات التقليدية, التي عرفتها تركيا في الثمانينيات من القرن الماضي, لم تعد تصلح في الوقت الراهن, خاصة في ظل وجود الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. وتابع أن القوى الليبرالية والعلمانية في تركيا وقفت أيضًا إلى جانب الديمقراطية, بالإضافة إلى أن المحاولة الانقلابية لم تنل أي مساندة من الدول الكبرى, حيث أدارت الولاياتالمتحدة ظهرها للانقلابيين بسرعة, حسب تعبيره. ورغم ما سبق, لم يستبعد بن دافيد أن تشهد تركيا محاولة انقلابية جديدة, في ظل ما سماها حملات التطهير الواسعة التي يقوم بها أردوغان في صفوف الجيش, والتي يشعر معها الضباط والقادة بالإهانة, حسب تعبيره. وكان أردوغان أعلن أن بلاده أصبحت أقوى بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، وأنها مستمرة في تحقيق أهدافها، مشيرا إلى توقيف نحو 13 ألفا بتحقيقات تجريها النيابات العامة التركية في كل الولايات. وقال الرئيس التركي في خطاب ألقاه مساء السبت 23 يوليو من المجمع الرئاسي بأنقرة أن من بين الموقوفين والمحبوسين 8385 عسكريًا، و2101 قاض ومدع عام، و1485 شرطيا، و52 موظفًا حكوميًا، و689 غيرهم. واتهم أردوغان جهات -لم يسمها- ب"عرقلة تقدم تركيا كلما سنحت لها الفرصة لفعل ذلك"، وشدد على أن بلاده عازمة على مواصلة تحقيق أهدافها، وأنها دخلت مرحلة وهي أقوى ما كانت عليها يوم المحاولة الانقلابية الفاشلة، على حد قوله. وتابع: "تركيا أصبحت من بين الدول الأقوى اقتصاديا في العالم، والآن نحن غير مرتبطين بالخارج في مجال الصناعات الدفاعية، وسنواصل تنفيذنا للمشاريع العملاقة التي خططنا لها، لذلك يحاولون عرقلتنا". وأضاف: "يتعين على الحكومة اجتثاث منظمة الكيان الموازي الإرهابية من تركيا، وأتباعها من مؤسسات الدولة"، مؤكدا "إغلاق 934 مدرسة و109 سكنات طلابية و15 جامعة و104 أوقاف و35 مؤسسة صحية و1125 جمعية و19 نقابة تعود للمنظمة، ووضعت دولة يدها عليها". وفي السياق ذاته, قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم في 23 يوليو أيضًا, إن المرحلة المقبلة ستشهد إعادة هيكلة للجيش تقطع صلته بالسياسة، وأضاف أنه سيتم حل الحرس الرئاسي، واتخاذ تدابير تحول دون محاولة انقلابية جديدة. وحسب "الجزيرة", شدد يلدرم -في مقابلة تليفزيونية مع قناتين محليتين- على الحاجة الماسة لإعادة هيكلة الجيش، موضحا أن الكيان الموازي (منظمة فتح الله جولن) وكيانات أخرى ظهرت داخل الجيش. وقال إنه لا يمكن للجيش في الدولة العصرية أن يشكل مصدر تهديد لشعبه ووطنه، مشيرًا إلى أن من أسباب سقوط الدولة العثمانية تدخل الجيش بالسياسة في سنواتها الأخيرة. كما أشار رئيس الوزراء التركي إلى أن بلاده لن تسمح مرة أخرى: "بمحاولات حمقاء تستهدف أمن البلاد وسلامة المواطنين"، مؤكدًا اتخاذ السلطات سلسلة من التدابير في هذا الصدد. ومن الإجراءات التي اتخذتها السلطات التركية -وفق يلدرم- حل فوج من الحرس الرئاسي الذي كان قام بالهجوم على مقر القناة التركية "تى آر تى"، وذلك بعد توقيف ثلاثمائة من عناصره على إثر محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو. وقال يلدرم: "لن يكون هناك حرس رئاسي، ليس هناك سبب لوجوده، لسنا بحاجة إليه". وعن حالة الطوارئ المعلنة لمدة ثلاثة أشهر, أكد أن بلاده لا تعتزم تمديدها، لكنه استطرد, قائلا :"هدفنا هو ألا تمدد، ولكن إذا اقتضت الحاجة فبالطبع ستمدد".