ما إن أعلن الرئيس علي عبد الله صالح أنه سيعود إلى اليمن قبل الانتخابات الرئاسية المبكرة المقررة في 21 فبراير، إلا وحذر كثيرون من أن هذا الأمر غير بعيد عن مخططه لإفشال المبادرة الخليجية والبقاء في السلطة بشكل أو بآخر. وكان صالح قال في بيان نشره في موقع وزارة الدفاع الأمريكية على الإنترنت في 8 فبراير:"سأعود إلى أرض الوطن بعد استكمال العلاج في الولاياتالمتحدة للمشاركة في الانتخابات الرئاسية". وبالنظر إلى أن صالح، الذي كان غادر اليمن إلى الولاياتالمتحدة للعلاج أواخر الشهر الماضي، أطلق التصريحات السابقة بالتزامن مع انطلاق حملة الانتخابات الرئاسية وإعلان نائبه والقائم بأعمال الرئاسة مؤقتا عبد ربه منصور هادي عن ملامح برنامجه لخوض تلك الانتخابات، فقد ثارت شكوك واسعة حول مدى التزام الرئيس اليمني بترك السلطة بموجب اتفاق توسطت فيه دول الخليج لإنهاء الأزمة في اليمن. وكان عبد ربه منصور هادي نائب الرئيس اليمني والمرشح الوحيد لانتخابات الرئاسة المبكرة كشف في 7 فبراير عن برنامجه الانتخابي، حيث تعهد بإجراء حوار مع كل الأحزاب دون خطوط حمراء، بالإضافة إلى اعتزامه عقد مؤتمر وطني عقب الانتخابات لا يستثني أحدا في البلاد، قائلا :" لن تكون هناك أي من الخطوط الحمراء على أي من القضايا التي يراد طرحها، وفي طليعتها القضية الجنوبية وكذا أيضا مشكلة صعدة، والتعاطي مع مطالب الشباب الذين رموا حجرا ضخما في مياه ظلت راكدة أمدا طويلا". وخلال خطاب ألقاه أمام ممثلي المعارضة والحزب الحاكم وسفراء الدول الكبرى ودول مجلس التعاون الخليجي في كلية الشرطة بصنعاء لعرض برنامجه الانتخابي، اعتبر هادي أن الانتخابات الرئاسية المقررة في 21 فبراير هي المخرج الأمثل من الأزمة السياسية التي كانت ستجر البلاد إلى الحرب الأهلية. وتوقع أن تكون هناك "أيام حرجة" بعد الانتخابات، لكنه أعرب عن ثقته في القدرة على تخطيها، مشيرا إلى ما سماه التصميم الإقليمي والدولي على متابعة مساندة اليمن للوصول إلى بر الأمان. ومن جانبه، قال الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم عبد الكريم الأرياني في كلمة له بهذه المناسبة إن الانتخابات الرئاسية المنتظرة ستكرس مبدأ تداول السلطة وستخرج البلاد من أزمة غير مسبوقة، داعيا أنصار الحزب الحاكم إلى المشاركة في التصويت. أما زعيم المعارضة ورئيس حكومة الوفاق الوطني محمد سالم باسندوة فأعرب في كلمة له بهذه المناسبة عن أمله في أن تجرى الانتخابات دون وقوع مشاكل. وتأتي الانتخابات المرتقبة بموجب المبادرة الخليجية لانتقال السلطة في اليمن، والتي سبق أن أسفرت عن تشكيل حكومة وفاق وطني وتشكيل لجنة عسكرية لإعادة هيكلة القوى الأمنية والعسكرية التي يسيطر أقارب الرئيس علي عبد الله صالح على معظمها. وعبده ربه منصور هادي هو المرشح الوحيد الذي توافقت عليه المعارضة والحزب الحاكم لخوض انتخابات 21 فبراير، ومن المفترض أن يتولى رئاسة اليمن لمدة سنتين يشرف خلالها على حوار وطني لحل مشاكل البلاد الكبرى مثل القضية الجنوبية وقضية الحوثيين في شمال البلاد. ورغم وقوف الغرب والدول الخليجية بقوة وراء إجراء انتخابات 21 فبراير لإضفاء الشرعية على القائم بأعمال الرئاسة عبد ربه منصور هادي لتخطي المرحلة الانتقالية بعد تنحي صالح رسميا في أعقاب تلك الانتخابات، إلا أن هناك عدة أمور يعول عليها الرئيس اليمني للانقلاب على هذا الأمر والبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة، ومنها رفض الحوثيين والحراك الجنوبي المطالب بالانفصال للاستحقاق الانتخابي. فمعروف أنه رغم التحولات الكبيرة، التي شهدها اليمن منذ اندلاع ثورة الشباب السلمية العام الماضي والمطالبة بإسقاط نظام الرئيس صالح، إلا أن جماعة الحوثي المتمردة في محافظة صعدة في شمال اليمن توحدت مع قوى الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال في رفض الانتخابات الرئاسية المبكرة وحكومة الوفاق الوطني وكل ما ترتب على المبادرة الخليجية. ونقلت قناة "الجزيرة" عن القيادي في الحراك الجنوبي عبده المعطري القول في هذا الصدد :"إن الحراك الجنوبي يرفض الانتخابات الرئاسية المقبلة، باعتبار أنها إحدى مخرجات المبادرة الخليجية، التي التفت على القضية الجنوبية". وفيما اعتبر أنها "انتخابات شكلية ومسرحية هزلية"، قال المعطري :"إن قضية الجنوب قضية أرض وشعب وهوية، نحن نناضل من أجل استعادة الدولة الجنوبية، بعد فشل المشروع الوحدوي مع دولة الشمال". وبشأن ما يتردد حول أن الرموز الجنوبية باتت في رأس هرم السلطة فالرئيس المقبل هو عبد ربه منصور هادي، ومن يترأس الحكومة هو محمد سالم باسندوة، قال المعطري :"نحن نحترم عبد ربه هادي ومحمد باسندوة لأشخاصهم، ولكنهم لا يعبرون عن الجنوب، بل هم جزء من نظام صنعاء، ونحن قضيتنا قضية سياسية بامتياز". ومن جانبه، قال القيادي بجماعة الحوثي الشيعية المتمردة في صعدة صالح هبرة في تصريحات له أواخر يناير الماضي إن الحوثيين يرفضون هذه الانتخابات المبكرة، ولن يشاركوا فيها واعتبر أن الانتخابات الرئاسية لا بد أن تكون قائمة على أسس صحيحة، وأن تكون تنافسية. واستطرد هبرة قائلا:"لا نعترف بحكومة الوفاق بين أحزاب اللقاء المشترك المعارضة وحزب المؤتمر الشعبي الحاكم، الثورة ما زالت موجودة والشباب ما زالوا في الساحات والميادين، والشعب كل يوم يتحرك في الشوارع، ويصر على تحقيق كامل أهداف الثورة بإسقاط النظام وبناء الدولة المدنية، وموقفنا موقف المساند والمؤيد للشعب الثائر". بل وهناك قيادات حوثية زعمت أيضا أن الانتخابات المقبلة جزء مما سمته "المؤامرة الأمريكية المطبوعة بطابع خليجي" للالتفاف على ثورة الشعب اليمني. واللافت إلى الانتباه أن رفض الانتخابات لم يقتصر على الحوثيين والحراك الجنوبي، حيث انتقد الإعلامي اليمني أحمد المسيبلي، الذي كان أعلن ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية، إقرار مجلس النواب " البرلمان" حصر انتخابات 21 فبراير على مرشح واحد توافقي ووحيد، هو نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي. وقال المسيبلي في تصريحات صحفية إن ذلك يعد انقلابا فاضحا على الديمقراطية ومخالفة واضحة للمبادرة الخليجية وللآلية التنفيذية، التي دعت لانتخابات رئاسية مبكرة، ولم تقل بتزكية مرشح وحيد، مؤكدا أن إلغاء التنافس في الانتخابات الرئاسية سيجعل من الرئيس المقبل عبد ربه منصور هادي ناقص الشرعية. وبصفة عامة، يحذر كثيرون من أن الرئيس اليمني لن يفوت فرصة رفض الحوثيين والحراك الجنوبي لانتخابات الرئاسة المبكرة للتراجع عن اتفاق نقل السلطة سلميا، الذي وقعه في 23 نوفمبر من العام الماضي بالعاصمة السعودية الرياض.