جمعتنى الصدفة خلال رحلتى بالطائرة من جوهانسبرج إلى كيب تاون الساحلية لتحليل مباراة إيطاليا وأوروجواى بثلاثة من أكبر نجوم الكرة فى العالم، هم الإيطاليان آريجو ساكى ومالدينى، والألمانى كلينسمان مدرب منتخب ألمانيا فى بطولة 2006، وكنت أعتقد كما اعتدنا فى مصر أن هؤلاء النجوم سيتعاملون مع الآخرين وفقاً لقيمتهم الكبيرة وشهرتهم الفائقة، وتوقعت أن تستوقفنا خلال الرحلة جماهير غفيرة للتصوير معهم، لكن التواضع كان السمة الغالبة فى كل تصرفاتهم. عندما التقيت ب«ساكى» و«مالدينى» و«كلينسمان» بحثت خلف كل فرد فيهم عن موظف يحمل الحقيبة أو «بودى جارد» للحراسة، ومنع أحد من الاقتراب أو التصوير، فلم أجد! اعذرنى أيها القارئ، فما أشاهده من مسؤولى اتحاد الكرة ومسؤولى الأندية فى مصر يجعلنى أتندر على تصرفاتهم، بل أضحك عليها. سألت ساكى ومالدينى.. ألا يوجد معكما موظف تم تعيينه فى اتحاد الكرة الإيطالى فى أى منصب وبراتب شهرى كبير يكبد الخزينة الكثير من أجل أن يحمل الحقيبة الخاصة بكما طوال فترة المونديال، فكانت الإجابة «لا».. وانتظرت بعض الوقت حتى أجد السائق الخاص بكلينسمان الذى تم تعيينه هو الآخر فى اتحاد الكرة الألمانى حتى يحرس النجم الشهير فى جنوب أفريقيا، لكنى لم أشاهد أحداً.. وتوقعت أن يهربوا من تحية الجماهير ويرتدوا النظارات السوداء أو يتحدث أى منهم فى الهاتف المحمول الخاص به، حتى لا يدلى بتصريحات للإعلاميين أو يتحدث مع الجماهير.. لكننى لم أشاهد مثل هذه التصرفات التى نتبعها فى مصر من باب «الفشخرة» الكدابة! اعذرنى أيها القارئ للمرة الثانية، فما شاهدته من المدربين المصريين ولاعبينا يجعلنى أشك فى نفسى وليس فى شخصيات تعد من أكبر خبراء الكرة فى أوروبا.. ساكى ومالدينى وكلينسمان لم يفعلوا ما يفعله المسؤولون واللاعبون والمدربون فى مصر.. الثلاثة يتعاملون بتواضع شديد.. إنهم يعرفون أن قيمتهم كبيرة.. ولكنهم لا يتعالون على البسطاء ولا يرفضون الحديث للإعلام.. يحترمون الصغير ويداعبون الكبير.. إذا سألتهم عن أى شىء سيردون بمنتهى الصدق.. وحتى الملابس التى يرتدونها فإنهم لا يتكلفون فيها.. فكلينسمان يرتدى «الجينز» ويحمل على ظهره حقيبة صغيرة، ورغم شهرته الطاغية فهو يتحدث بأدب، وقبل أن يدخل فى حوار مع أحد فإنه يعرّف نفسه للحاضرين بتواضع وأدب شديدين.. ليتنا نتعلم منهم.. ونكف عن تعيين الموظفين فى الأندية والاتحادات بالمجاملة أو من أجل أن تكون مهمته الأساسية حمل الحقائب للسادة المسؤولين فى الأندية واتحاد الكرة. ساكى لا يعرف شيئاً عن الكرة المصرية.. ولم يشاهد مباراة فى الدورى المصرى، رغم أنه زار القاهرة مرتين.. لكنه كما يقول شاهد المنتخب الوطنى المصرى فى أمم أفريقيا الأخيرة، وأشاد خلال حديثى معه بالأداء التكتيكى للمنتخب.. وأبدى إعجابه بمستوى محمد زيدان، وقال إنه لاعب متميز ويمتلك إمكانيات فنية هائلة، وأبدى حزنه عندما علم بإصابته بالرباط الصليبى.. لكنه حملنى رسالة إلى حسن شحاتة، المدير الفنى للمنتخب الوطنى، وهو سؤال فى نفس الوقت: كيف يكون منتخبكم المصرى هو الأقوى أفريقياً ويحصد بطولة أمم أفريقيا ثلاث مرات متتالية ويفشل فى التأهل للمونديال؟!.. وأكد ساكى أن المنتخب المصرى كان بإمكانه تحقيق نتائج طيبة لو شارك فى البطولة.. وقال ساكى إن منتخب غانا قادر على تحقيق نتائج طيبة والحفاظ على هيبة الكرة الأفريقية. بعكس ما شاهدته فى جوهانسبرج.. وجدت مدينة كيب تاون رائعة.. فهى مدينة ساحلية تشبه الإسكندرية إلى حد كبير.. فهى محاطة بالبحر ومليئة بالمطاعم والمولات الفخمة، وتحتوى على كل الإمكانيات الترفيهية، وكأنها فى دولة أوروبية، لدرجة أن ساكى ومالدينى انبهرا بها.. كنت أتمنى أن نستمر فى كيب تاون.. لكننا سنضطر للعودة إلى جوهانسبرج لتحليل المباريات. بمناسبة التحليل.. لم يعجبنى حتى الآن سوى المنتخبين الألمانى والهولندى.. فكلاهما ظهرا بمستوى متميز فى الجولة الأولى للمونديال.