بيوت أشبه بالعشش.. شوارع لم تعرف الإسفلت.. رجال ونساء وأطفال يعيشون على هامش المجتمع دون حكومة تحميهم، أو بارقة أمل تلوح لهم فى الأفق. كان هذا هو الحال فى إسطبل عنتر حين بدأت تجربة «صحبة خير»، لتكون الضوء الوحيد فى نفق المنطقة العشوائية المظلم. 10 سنوات هى المدة التى قضتها «صحبة خير» لتحول حياة مواطنين «خارج نطاق خدمة الدولة». غادة جبر، رئيسة جمعية «صحبة خير» التى رفعت شعار «حلم إسطبل عنتر» واعتبرت تحقق هذا الحلم هو نجاحها الحقيقى خاصة فى القضاء على ظاهرة التسول التى كانت تسود المنطقة العشوائية فى السابق، تقول: «منذ عشر سنوات ذهبت مع بعض أصدقائى لمنطقتى إسطبل عنتر وعزبة خيرالله لأبحث عن المساكين والفقراء كى نقدم لهم بعض المساعدات.. وهناك فوجئت بما رأيت». تتابع غادة: «لم أكن أعرف أن مصر بها أماكن بهذا الشكل.. لم أكن أتصور أن هناك من يعيش فى منطقة بلا أى خدمات وليس بها أى قوانين، وسكانها لا يعملون سوى (شيالين) أو باعة جائلين والباقى يحترف التسول.. فى البداية قمنا بما يقوم به جميع العاملين فى المجال الخيرى.. وزعنا شنط رمضان وتبرعات مادية وعينية، لكن تلك المساعدات لا تُحدث الأثر المطلوب، فالسكان كانوا ينتظرون المساعدات ولا يتحركون لتغيير وضعهم، كانوا يجلسون فى انتظار المساعدات، فقررنا فى الحملة أن نغير طريقة عملنا، فقضينا عامين بمنطقة إسطبل عنتر لنفهم احتياجات الناس ومشاكلهم وطريقة تفكيرهم، وأعتقد أن مشكلتهم الكبرى هى الوعى فمشاكلهم الصحية والاجتماعية كانت كلها ناتجة عن عدم وعى بأن ما يقومون به مضر، وبعد عامين من دراسة الأوضاع بدأنا نقدم تبرعات مشروطة للسكان، بالتوازى مع حملة للتعليم، فكان رب الأسرة مثلا يحصل على تبرعات مقابل إعادة أطفاله المتسربين من التعليم إلى المدارس، من ناحية أخرى أعطينا بعضهم قروضا لبناء مشروعات صغيرة مثل المشاغل على أن يسددوا ثمنها من رواتبهم، وحتى الرعاية الصحية التى رأيناها ضرورية جدا لهم قبل أى شىء نظرا لتدهور حالتهم الصحية، كنا ننقلهم للمستشفيات والعيادات لكن مقابل ما يستطيعون دفعه أو بالمجان للحالات الحرجة». كان التغير بطيئا فى البداية، فتنمية منطقة عاشت سنوات طويلة خارج أى خطط حكومية للتنمية، وإقناع أهلها بأن ثمة أملاً فى المستقبل لم يكونا بالمهمة اليسيرة: «بمرور الوقت لاحظنا أن سلوكهم بدأ يتحسن كثيرا، حتى أسلوبهم فى الحوار، اهتمامهم بالنظافة بشكل كبير وحتى جودة ما تنتجه مشاريعهم الصغيرة، ففى البداية كانت جودة المنتجات ضعيفة للغاية، وكانت لدينا أزمة فى بيعها، أما الآن فالمنتج جيد بالفعل، وما ينقصنا هو التسويق فقط». تضيف غادة: «لاحظنا أن انتماءهم زاد أيضا فبعدما كانوا فى البداية لا يبالون بصيانة الآلات، أصبحوا الآن ينافسون على الصيانة ونظافة المعدات، ويتعاملون حاليا مع كل شبر فى المشغل الذى أقمناه باعتباره جزءاً من بيوتهم، وحين تعرض مخزن الورشة لحريق كبير، سهر الجميع طوال الليل يطفئون النيران ولم يعد أى منهم إلى بيته إلا بعد أن اطمأنوا على إخماد النيران تماما». المشكلة التى قابلتها غادة جبر فى عملها مع سكان إسطبل عنتر كانت فى التمويل: «رجال الأعمال يريدون الدعاية السريعة وبالتالى يلجأون للتبرعات والبطاطين والعطايا لتلمع أسماؤهم، أما فيما يخص التنمية فلا نجدهم، بالرغم من أن العمل الأهلى لابد أن تكون نسبته 70% عملاً تنموياً و30% خيرياً، لكننا للأسف فى مجتمعنا نقوم بالعكس لأن الجميع يبحث عن الثواب السريع والنتيجة المباشرة بصرف النظر عن الاستمرارية، وهذا يحول الفقراء إلى متسولين لذلك لابد قبل أى شىء أن نفهم أهالى المنطقة ونتحدث معهم ونستمع لآرائهم مهما كانت لأنها تدل على عقليتهم». «صحبة خير» بدأت بمجموعة من المتطوعين، على رأسهم غادة جبر، عملوا جميعا بشكل مستقل ودون كيان رسمى معين إلا أن الحلم سرعان ما تحول إلى جمعية حملت شعار «حلم إسطبل عنتر» وأصبحت مشكلتهم الأساسية هى تسويق منتجات مشغل إسطبل عنتر كى يكتمل الحلم ويتحول إلى حقيقة بعدما تحول إلى جمعية.